نوح زعيتر وغطاء حزب الله

ألقى الجيش اللبناني القبض على «أخطر وأكبر مطلوب مخدرات في تاريخ لبنان» الذي لطالما عُرف بإدارته «إمبراطورية المخدرات ومعامل الكبتاغون»، وتهريبها، عند الحدود اللبنانية - السورية.

كمين محكم

وقالت قيادة الجيش بالقول في بيان لها: «أوقف الجيش المواطن (ن.ز) أحد أخطر المطلوبين بكمين على طريق الكنيسة - بعلبك» (شرق لبنان).

وأضافت أن «الموقوف هو أحد أخطر المطلوبين بموجب عدد كبير من مذكرات التوقيف، بجرائم تأليف عصابات تنشط ضمن عدد كبير من المناطق اللبنانية في الاتجار بالمخدرات والأسلحة وتصنيع المواد المخدرة، والسلب والسرقة بقوة السلاح، كما أقدم بتواريخ سابقة على إطلاق النار نحو عناصر ومراكز للجيش ومنازل لمواطنين، وخطف أشخاص مقابل فدية مالية. بوشر التحقيق مع الموقوف بإشراف القضاء المختص».

من جانبها، كشفت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط» أن «الموقوف هو نوح زعيتر، وألقي القبض عليه في منطقة الكنيسة بكمين محكم؛ ما أدى إلى استسلامه على الفور من دون أي مقاومة».

مراقبة دقيقة

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «ضمن عملية ملاحقة تجار المخدرات، كان يخضع زعيتر منذ أيام لمراقبة دقيقة، وتمكنت مجموعة خاصة من ملاحقته يوم الخميس، مستغلة تنقله في منطقة الكنيسة؛ حيث كمنت له ونجحت في إلقاء القبض عليه من دون أي مواجهة، بحيث أقدم على تسليم نفسه من دون أي مقاومة»، مضيفة: «رأى أن مواجهته المجموعة الكبيرة التي أطبقت عليه ستنعكس سلباً عليه، فاختار الاستسلام».

ولفتت المصادر إلى أن مقتل العسكريين في العملية قبل يومين كان ضمن سياق حملة ملاحقة عدد من تجار المخدرات والسلاح؛ من بينهم نوح زعيتر، مشيرة إلى أن اسم الأخير يرتبط بأكبر معامل الكبتاغون عند الحدود اللبنانية - السورية.

محكوم بالإعدام

وزعيتر، الذي سبق أن ظهر في الإعلام بمقابلات عدّة، كان قد أصيب عام 2014 خلال مداهمة للجيش في منطقة تل الأبيض في بعلبك ونقل إلى المستشفى وسط إجراءات أمنية مشددة، قبل أن يتمكّن من الفرار.

وكان قد صدرت بحقه عشرات الأحكام ومذكرات التوقيف الغيابية في ملف المخدرات، فيما أصدرت المحكمة العسكرية عام 2024 حكماً بالإعدام غيابياً بحقه وبحق آخرين، بينهم علي منذر زعيتر الملقب «أبو سلة» الذي قُتل بمسيّرة تابعة للجيش اللبناني في أغسطس (آب) الماضي، على خلفية تشكيل عصابة مسلحة وقتل عسكريين خلال مداهمات عام 2022.

وأتى إلقاء القبض على زعيتر بعد يومين من مقتل عسكريين اثنين وإصابة 3 بجروح؛ نتيجة اشتباكات مع مطلوبين خلال تنفيذ مديرية المخابرات سلسلة عمليات دهم بمؤازرة وحدة من الجيش بمنطقة الشراونة - بعلبك.

وكانت قيادة الجيش قد قالت، في بيان، إنه خلال الاشتباكات «أصيب المواطن المطلوب (ح.ع.ج) الذي كان من بين مطلقي النار على الجيش، وما لبث أن فارق الحياة، وهو من أخطر المطلوبين بجرائم مختلفة؛ منها إطلاق النار على دوريات للجيش بتواريخ مختلفة، والتسبب في استشهاد 4 عسكريين وإصابة ضابط، إضافة إلى الخطف والسرقة والسلب بقوة السلاح والاتجار بالمخدرات».

غطاء «حزب الله»

ولطالما ارتبط اسم زعيتر، الخاضع لعقوبات أميركية وبريطانية وأوروبية، بـ«حزب الله»، مع المعلومات التي تشير إلى الغطاء الذي كان يؤمنه «الحزب» له ولعدد كبير من تجار المخدرات في المنطقة. وكان زعيتر قد نشر عام 2015 صوراً له برفقة مسؤولين محليين من «حزب الله» في البقاع، وتحديداً مع مشاركة «حزب الله» في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد في سوريا.

وانتشر شريط فيديو ظهر فيه زعيتر حينها، يتوسط مجموعة من المسلحين في مواقع عسكرية تابعة لـ«حزب الله» حيث قال: «نحن يا شباب وعدنا السيد حسن نصر الله (الأمين العام الأسبق لحزب الله) أننا سنقاتل الدواعش أينما كانوا، وها نحن على الدرب سائرون. بإذن الله خلال ساعات، الزبداني تكون ممسوحة»، وختم بجملة: «لبيك يا نصر الله».

وبينما نفت العلاقات الإعلامية في «حزب الله» آنذاك أن تكون صور زعيتر قد التُقِطت في مواقع تابعة لـ«الحزب» أو مع مقاتليه، مؤكدة أنه لا علاقة له به، كان لافتا ردّ زعيتر المباشر على «الحزب» بالأدلّة، بنشره صوراً إضافية مع قيادات ميدانية من «الحزب»، إحداها مع مسؤول قطاع بعلبك في «حزب الله» حسين نصر الله، وقال: «كل العالم تذهب إلى حيث المقاتلين، وينشرون صورهم ولا يتكلمون، ولماذا الآن ينفون وجودي هناك؟ أنا وعائلتي وأولادي فداء للمقاومة ورهن إشارة سيد المقاومة، ونحن مقاومة وأشرف من الجميع، وفشر أن ينعتني أحد بتاجر مخدرات».

«حي الشراونة»

ولطالما كان زعيتر (48 عاماً) الذي يتحدّر من إحدى عشائر البقاع، يجاهر بتجارته بـ«القنب الهندي»، وهو ما تحدث عنه صراحة في مقابلات إعلامية، مؤكداً في الوقت عينه أن هذا الأمر لم يكن خياراً، بل فرضته الظروف في بلدته الصغيرة الواقعة في شرق لبنان. ويظهر في مقابلاته وعلى وسائل التواصل الاجتماعي على أنه «أب الفقراء» الذي يساعد أبناء منطقته.

ويشير بعض المعلومات إلى أنه كان قد شكّل مجموعة مسلّحة مؤلفة من شباب من عشيرته، تُعرف بـ«ألوية القلعة» في البقاع.

وينتمي زعيتر إلى عشيرة كبيرة في بعلبك، حيث كان يظهر في مقابلات ومقاطع فيديو مع مرافقين، وارتبط اسمه واسم عائلة زعيتر بحي الشراونة في بعلبك، الذي يعدّ أحد أبرز المناطق التي يلجأ إليها المطلوبون والهاربون من العدالة، ولطالما سجّلت فيه اشتباكات بينهم وبين الجيش اللبناني، وسقط عدد من العسكريين في المواجهات.

وفي عام 2008، كانت «وكالة الصحافة الفرنسية» قد أجرت تحقيقاً عن زعيتر، في قريته الكنيسة. ونقلت «الوكالة» عن زعيتر قوله إنه يتاجر بـ«حشيشة الكيف»، مشدداً كذلك على استقلاليته وعدم انتمائه إلى أي طرف أو حمايته من قبله. وأشارت «الوكالة» حينذاك إلى أن أرباح زعيتر كانت تبلغ نحو المليون ونصف المليون دولار سنوياً.

عقوبات أميركية

وفي 28 مارس (آذار) 2023، فرضت الخزانة الأميركية عقوبات مشتركة مع بريطانيا على اثنين من أبناء أعمام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بتهمة تهريب الكبتاغون، شملت كذلك زعيتر.
وفي 24 أبريل (نيسان) من العام ذاته، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مماثلة بالتهمة نفسها على الاشخاص الثلاثة.
وقالت وزارة المال الفرنسية حينها إن زعيتر متورط بتجارة الكبتاغون في لبنان وسوريا، وعلى ارتباط بأفراد من عائلة الاسد.