المصدر: اساس ميديا
الثلاثاء 6 تموز 2021 14:56:30
كتب علي نور الدين في أساس ميديا:
يوم الخميس الماضي، دخل التعميم 158 حيّز التنفيذ رسمياً وفقاً للمهل التي حدّدها مصرف لبنان. غالبيّة المصارف امتثلت للمهلة المنصوص عليها، لكن عبر خطوات تمهيديّة وشكليّة من قبيل إرسال الرسائل النصّيّة التي تدعو العملاء إلى توقيع المستندات المطلوبة في الفروع، أو خلق الحسابات الفرعية التي تسمح بتنظيم السحوبات. وسيحتفظ العملاء بسقف السحب الخاص بشهر تموز ولو لم تجرِ السحوبات خلال هذا الشهر، إذ ينصّ التعميم على نقل سقف السحوبات غير المستعمل إلى الأشهر التالية في حال لم يقُم العميل بإجراء أيّ سحوبات خلال شهر معيّن. بمعنى آخر، لم يترك التعميم للمصارف أيّ هامش للمناورة، من قبيل تأخير تطبيق التعميم لحرمان العملاء من سقف سحوبات شهر تموز.
لكن ما إن دخل التعميم حيّز التنفيذ حتّى تبيّن أنّ بنوداً مكّنت المصارف من تقليص حجم الودائع المشمولة بآليات السحب إلى أقصى حدود، عبر قائمة واسعة من الاستثناءات التي تُقصي عدداً كبيراً من العملاء من دائرة المستفيدين. ببساطة، كل ما تريده المصارف في هذه المرحلة هو خفض حجم السحوبات النقديّة بالدولار الأميركي، خصوصاً لكونها ستتحمّل نصف قيمة هذه السحوبات من حساباتها الموجودة لدى المصارف المراسلة. ولذلك تمكّنت المصارف من التفاوض مع مصرف لبنان بعيداً من الأضواء قبل إصدار التعميم لتحقيق هذه الغاية، ولتضمين التعميم هذه البنود الإقصائيّة التي تستفيد منها اليوم.
وهنا قائمة الذين اكتشفوا بعد دخول التعميم حيّز التنفيذ أنّهم مُقْصَوْن كلّيّاً أو جزئيّاً من آليات تطبيقه تشمل:
1- في حالة المقترضين، إذا كان لدى العميل المعنيّ بالقرار قروضٌ بالدولار الأميركي جرى سدادها منذ 26/08/2020 بالليرة اللبنانيّة وفقاً لسعر الصرف الرسمي، فسيتم تنزيل قيمة هذه المبالغ المسدّدة من المبلغ الذي يمكن سحبه وفقاً للتعميم 158. وقد حرص جزء كبير من المقترضين بالدولار الأميركي طوال الفترة الماضية على وضع ودائعهم في مصارف غير تلك التي استدانوا منها، بهدف عدم تسديد قيمة القروض المدولرة من ودائعهم، وتسديد القروض بالليرة اللبنانيّة. أمّا اليوم، وبعد رفع السريّة المصرفيّة عن هذه الحسابات بهدف تطبيق التعميم 158، فسيكون بإمكان المصارف أن تحرم العميل من قدر معيّن من السحوبات التي ينصّ عليها التعميم 158، بحسب قيمة القروض التي سدّدها بالليرة اللبنانيّة سابقاً، حتى لو سُدِّدت هذه القروض في مصرف آخر.
2- في حالة المقترضين أيضاً، سيحقّ للمصارف حرمان عملائها من سقوف السحب التي ينصّ عليها التعميم، بقيمة موازية لحجم القروض التي ستستحقّ طوال فترة تطبيق التعميم، فيما ستشمل هذه القاعدة أيضاً البطاقات الائتمانيّة المَدينة. وفي هذه الحالة أيضاً، سيتمّ التقصّي عن هذه القروض في مختلف المصارف.
3- أيّ مبالغ مجمّدة مقابل تسهيلات أو قروض مسدّدة أو غير مسدّدة بعد، لا يمكن أن تستفيد من التعميم.
4- إذا كان العميل قد قام بأيّ تحويلات إلى الخارج قبل 17 تشرين الأوّل، بغضّ النظر عن غاياتها، ولم تعُد نسبة 15% منها إلى النظام المصرفي وفقاً لبنود التعميم 154، فسيكون مستثنى كلّياً من السحوبات. وتشمل هذه القائمة الكثير من الأشخاص الذين قاموا بتحويلات لسداد التزامات شخصيّة في الخارج، أو تغطية نفقات محدّدة.
5- لن يستفيد مِن التعميم مَن قام بعد 31/10/2019 بتوزيع وديعته على عدّة حسابات بأسماء أشخاص آخرين. وهذه اللائحة تشمل عدداً كبيراً من العملاء الذين قاموا بذلك لتفادي أيّ "هيركات" يمكن أن يُطَبّق على الحسابات التي يتخطّى رصيدها سقفاً معيّناً، أو لغاية الاستفادة من سقوف سحب إضافيّة من عدّة حسابات بحسب التعميم 151 (الذي يسمح بإجراء السحوبات بالليرة اللبنانيّة من الودائع المدولرة في المرحلة السابقة).
6- إذا استفاد أحد أصحاب الحسابات المشتركة من التعميم 158 لإجراء السحوبات، فلن يكون بإمكان شريكه الاستفادة من التعميم للسحب من هذا الحساب أيضاً.
7- في حالة العملاء الذين حوَّلوا وديعتهم بين حسابات بنفس الاسم في مصارف مختلفة، فلا تُجمِع المصادر المصرفيّة على إجابة واحدة وحاسمة، وإن كانت أغلب الآراء تُرجِّح استفادتهم من بنود التعميم بالنظر إلى إمكان التحقّق من امتلاك الشخص نفسه للحسابات بعد رفع السريّة المصرفيّة.
بمعزل عن قائمة المُقْصَيْن الطويلة، تبيّن بعد البدء بتطبيق التعميم أنّ كثيراً من العملاء قرّروا إبعاد أنفسهم بشكل طوعي عن قائمة المستفيدين من التعميم، خوفاً من بعض الألغام التي تحتويها بنوده. فالتعميم ينصّ على تحويل مبالغ يمكن أن تصل إلى 50 ألف دولار مرّةً واحدةً، يمكن سحبها خلال مدّة تتخطّى خمس سنوات وفقاً لسقوف السحب الشهريّة الحاليّة. لكنّ صلاحيّة التعميم لا تتخطّى سنة واحدة، مع إمكان تجديدها لاحقاً، وهو ما يعني احتمال عدم تجديده في المستقبل إذا فشلت المصارف في توفير السيولة المطلوبة لتمويل السحوبات. يُشار إلى أنّ أرقام المصارف اليوم وحجم سيولتها في الخارج لا يوحيان بقدرتها على توفير السيولة لتمويل السحوبات لأكثر من سنة.
وهكذا: بين انكفاء المودعين طوعاً عن الاستفادة من التعميم بسبب ضبابيّة المشهد وعدم امتلاك الكادر المصرفي في الفروع التوضيحات المطلوبة، وبين لائحة المُقْصَيْن الطويلة بحسب مندرجات التعميم نفسه، تمكّنت المصارف من تخفيض كلفة تطبيق التعميم على سيولتها في الخارج لدرجة كبيرة. أمّا المُودِع فلا يزال يعاني بسبب غموض هذا النوع من المعالجات، وخصوصاً لجهة استدامتها على المدى الطويل، وقدرتها على إعادة حقوقه.