المصدر: نداء الوطن
الكاتب: زيزي اسطفان
الأربعاء 6 آب 2025 06:29:55
يكفي أن تفكّر مرّة بتصفّح إعلان لعطلة خارج لبنان وتقصّي الأسعار المطروحة حتى تنهال عليك إعلانات لمئات الرحلات الصيفية وعشرات العروضات بأسعار تنافسيّة. من تركيا وشرم الشيخ، إلى جورجيا وأرمينيا ومن أوروبا بقسميها الشرقي والغربي إلى الشرق الأقصى من سريلانكا إلى الفيليبين... عروضات مغرية وصور تحرّك الشهية للسفر لكن للأسف تبقى "العين بصيرة واليد قصيرة" والوضع الأمني لا يطمئن كثيرًا. لكن رغم ذلك، موسم العطلات في الخارج هذا الصيف يشهد تحسّنًا واضحًا.
آلاف اللبنانيين يحزمون حقائبهم سنويًّا متجهين إلى وجهات سياحية أوروبية وعربية وتركية رغم ارتفاع كلفة السفر التي تُسدّد بمعظمها بالدولار الأميركي نقدًا، وتستنزف العملة الصعبة من الأسواق اللبنانية. قبل الحرب الإسرائيلية - الإيرانية في أوائل الصيف، كان الموسم واعدًا جدًّا. وكان من المتوقع أن يصل عدد المقاعد اليومي على طائرات الشارتر المتوجّهة إلى تركيا بحدود 600 مقعد وكانت المقاعد المعروضة أكثر من 100000 مقعد غالبيتها إلى تركيا وشرم الشيخ. لكنّ الحرب الإقليمية وانعكاسها على حركة الطيران في المنطقة لجما هذه الانطلاقة ونسفا حلم اللبنانيين بالعطلة.
عطلة بالعملة الصعبة
بعد استعادة الوضع الإقليميّ هدوءه النسبيّ، عاد الوضع ليتحرّك من جديد وإن لم يكن بزخمه السابق. فاللبنانيون، ورغم القلّة، توّاقون إلى الابتعاد عن واقعهم المأزوم، فهم يستقبلون المغتربين القادمين لقضاء عطلتهم في لبنان ويكرّمونهم ويبذلون الجهود من أجلهم، لكنهم في الواقع هم من يحتاجون إلى عطلة بعد كلّ ما كابدوه أقلّه في السنتين الأخيرتين.
يقول نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر وفي حديث إلى "نداء الوطن" إن أعداد اللبنانيين الذين يسافرون لقضاء عطلتهم في الخارج تدور حول 220000 شخص وقد يكثر العدد أو يقلّ وفق الظروف. وهم في العادة ينفقون سنويًا ما يقارب مليارًا ومئتي ألف دولار حسب ما يقوله عبود وهو رقم خيالي بالنسبة لبلد يعاني من أزمة مالية واقتصادية خانقة.
تحتلّ تركيا المركز الأوّل في السياحة الخارجية ولا سيّما مناطق أنطاليا وبودرم ومرمريس حيث هناك ما يقارب 250000 سرير متاح للزوّار اللبنانيين. ويقارب عدد زوّار تركيا كلّ صيف 150000 شخص، فيما يتوزّع ما بين 70 ألفًا إلى 100000 زائر على كل البلدان الأخرى. وتحتلّ مصر نسبة 30 % من سوق العطلات، لكنّ الطلب عليها يبدأ من نيسان ويتراجع كثيرًا بعد شهر حزيران، فيما يشتدّ الطلب بدءًا بهذا الوقت على تركيا. أمّا الشرق الأقصى الذي بات وجهة مطلوبة، فموسمه من شهر أيلول وصعودًا رغم تسويق بعض الوكالات له في الصيف بهدف غشّ المسافرين.
ومن مميّزات العطلات في تركيا، أنّ أسعارها المقترحة تتضمّن كلّ التقديمات ما يجعلها الخيار المفضّل للعائلات التي يمكنها مسبقًا تحديد الميزانية وحجز النشاطات. ويمكن أن تبدأ الكلفة بـ 450 دولارًا وتتصاعد حتى 5000 دولار في حال اختار الشخص اللوكس الكبير. ويتمحور إنفاق اللبنانيين على الفنادق والشوبينغ خلال العطلة ويستخدمون لذلك الـ Debit Card.
موسم متأرجح ومخاوف مبرّرة
في جولة مع شركة نخال للسياحة والسفر، وهم الخبراء في المجال، حول عطلة اللبنانيين في الخارج، نكتشف عبر مديرة المبيعات في الشركة كريستال مجدلاني أنّ الموسم كان واعدًا جدًّا قبل الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، وإن لم يصل إلى ما كان عليه في سنوات العزّ الماضية، أي ما قبل 2019. لكن الحرب، جعلت الموسم يتراجع إلى الوراء. فاللبنانيون لديهم خوف دائم من أن يقفل المطار أو طريقه أو يتوقف الطيران إلى لبنان وعدم قدرتهم على العودة لا سيّما إن كانت حجوزاتهم على طيران آخر غير شركة طيران الميدل إيست التي كانت الشركة الوحيدة التي استمرّت بنقل الناس الذين حجزوا على متن طائراتها واحتجزوا في الخارج، فيما توقفت معظم شركات الطيران الأخرى عن ذلك نتيجة الحرب الإقليمية. واليوم، بات السؤال الأوّل عند كلّ من يودّ السفر إلى الخارج: ماذا نفعل في حال توقف المطار أو الطيران وكيف تتمّ إعادتنا إلى لبنان؟ وبات هذا القلق الدائم يمنع الكثيرين من السفر إلى الخارج.
ويمكن القول إن نسبة الموسم هذه السنة وفق نخال لم تتخط 40 % عما كان عليه في تلك السنوات وإن كان قد شهد بعض الارتفاع بعد جائحة كورونا في العامين 2021 و 2022. واللبنانيون بدأوا يضعون ميزانية محدودة لسفراتهم يطلبون فنادق مرتبة لكنها حتمًا ليست فخمة ومكلفة.
تركيا أمّ الفقير
عادت طائرات الشارتر اليوم إلى لبنان بعد غيابها خلال الحرب بسبب الأوضاع الأمنية من جهة، وشركات التأمين من جهة أخرى التي رفعت كلفة التأمين على الطائرات المتوجهة إلى لبنان. وتساهم طائرات الشارتر في تخفيض سعر الرحلات إلى الخارج، خاصة أن الطيران المباشر إلى بعض الوجهات غير متوافر. ويجب السفر مثلًا إلى مطار دولي أوّلًا، ومن ثم أخذ رحلة داخلية إلى الوجهة المقصودة، وهذا ما يرفع كلفة ووقت السفر. ومع عودة تسيير طائرات الشارتر إلى وجهات متعدّدة لا سيّما إلى تركيا وشرم الشيخ وجورجيا، وهي المناطق المفضلة حاليًا عند اللبنانيين، انخفضت كلفة السفر، وإن كانت هذه الطائرات تعاني من بعض التأخير في جداول رحلاتها. وتعتبر هذه البلدان محبّبة لدى اللبنانيين لأنها أوّلًا قريبة لا تحتاج إلى تأشيرة صعبة كما أن كلفتها مقبولة ووقت الرحلة ليس طويلًا. وتتميّز تركيا بوجود منتجعات سياحية تلائم العائلات التي تجد فيها كلّ الرفاهية والنشاطات المطلوبة دون الحاجة إلى الانتقال خارجها.
بعد أنطاليا ومرمريس وفتحية وبودروم وشرم الشيخ تأتي أوروبا في المركز الثاني. فاللبنانيون لا يزالون يحبّون السفر إلى أوروبا. لكن هذه الرحلات أكثر كلفة لأنّ العروضات والمنتجعات وطائرات الشارتر تكاد تكون محصورة بتركيا وشرم الشيخ. ولكن يمكن الاستعاضة عن زيارة أوروبا التقليدية برحلات بحرية، وهي تشهد وفق نخال إقبالًا جيّدًا هذه السنة مع العروضات الكثيرة لا سيّما للحجوزات المبكرة وعروضات اللحظات الأخيرة. ومن مميّزات هذه الرحلات كما تقول مجدلاني، أن السفن السياحية باتت تنطلق من بلدان قريبة أي اسطنبول وأثينا ما يجعل الرحلة فيها أقلّ كلفة لأن تذكرة السفر إلى العاصمتين يمكن أن تتمّ عبر طيران منخفض الكلفة مثل بيغاسوس أو الخطوط التركية. وتتيح هذه الرحلات زيارة أكثر من بلد بأسبوع واحد، وهذا ما يجعلها من الخيارات المفضلة أيضًا ويرفع الطلب عليها. لكن تبقى الصعوبة بعض الشيء بالحصول على تأشيرة إذ تتطلب الكثير من الأوراق والإجراءات.
إقرأ تفرح...
تتبارى مكاتب السفر في تقديم العروضات لا سيّما على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها ليست كلها موثوقة. وقد يعمد بعض النصّابين إلى تصميم إعلانات جذّابة مغرية ووضع أرقام هواتف للحجوزات للتواصل مع العملاء المحتملين وجذبهم بأسعار تنافسية، وبعد أن يقوم هؤلاء بدفع مبلغ أوّلي متفق عليه، تختفي الصفحة عن الموقع إلى غير رجعة. نسأل نقيب أصحاب مكاتب السياحة والسفر عن هذه الظاهرة فلا ينفيها، لكنه يطلب من المواطنين التحقق من المكتب قبل اعتماده. ويشير النقيب إلى أن هناك 200 مكتب غير مرخص تعمل تحت الطاولة تكسر الأسعار وقد تصدر بطاقات سفر مزوّرة وقد حصل هذا الأمر في السابق.
من جهتها، تعترف شركة نخال أنّ هذا النوع من المكاتب موجود لكن الناس باتوا أكثر وعيًا ولم يعودوا يثقون بها خاصة بعد أن خرجت إلى العلن قصص غش ونصب كثيرة في السنوات السابقة دفع ثمنها المسافرون من مالهم وأعصابهم وعطلتهم، على أمل أن تتم الرقابة الصارمة على هذه المكاتب لمنع تواجدها ومنع منافستها غير الشرعية للمكاتب المرخصة التي وإن كانت أسعارها في بعض الأحيان أعلى من المطروح في السوق، لكنها أكثر ثقة وتقديماتها مضمونة. فالشركات المحترمة تكفل لكل مسافر معها مرافقة دائمة ومتابعة من قبل أدلّاء مختصين يمكنهم تلبية احتياجات المسافرين، وحلّ ما يمكن أن يطرأ معهم من مشاكل خلال السفر.