هذا ما كشفته المواجهات الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل

منذ تنفيذ إسرائيل ضربات استباقية واسعة النطاق ضد أهداف لـ"حزب الله" فيما كان يستعد لشن هجوم وشيك ردا على مقتل القيادي البارز فؤاد شكر في تموز الماضي، وإطلاقه مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، عاد الطرفان إلى قواعد اشتباك مختلفة. فماذا يكشف هذا التصعيد عن حسابات الردع الجديدة بين الطرفين؟ وما هو الدور الذي ستضطلع به واشنطن وطهران في الأسابيع المقبلة؟

تأجيل الحزب الرد على مقتل شكر ترك عواقب سلبية عليه وعكس نقاط ضعفه في المواجهة القائمة مع إسرائيل. فبعدما تعهد الأمين العام السيد حسن نصرالله بالرد، صعّد الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية في عمق لبنان وضرب مستودعات في البقاع، وأعلنت السلطات الإسرائيلية استعدادها لشن حرب شاملة إذا لزم الأمر، وعززت واشنطن انتشار قواتها في المنطقة وفي البحر المتوسط.

تردُّد الحزب في الرد سريعا كان نابعا من رغبته في التخطيط لهجوم مدروس لا يتجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل: عدم قتل مدنيين أو ضرب مراكز سكنية وعدم تدمير بنية ساسية حيوية. وكانت العقبة الرئيسية التي واجهها الحزب هيمنة الاستخبارات الإسرائيلية التي نفذت ضربات على أصوله وكشفت الهجوم الذي كان يعدّ له العدة، فكانت العملية الاستباقية. وأدرك قادة الحزب أنهم فقدوا عنصر المفاجأة وفشلوا في ردع إسرائيل وتحذيرها من انتقام جديد أكثر شدة، وقرروا توسيع نطاق الأهداف، رغم إعلان نصرالله أن الحزب أنهى رده الانتقامي. واللافت أنه لم يقدم أي دليل على الأضرار المزعومة التي لحقت بإسرائيل من جراء الرد.

قرر "حزب الله" وقف التصعيد والمحافظة على المكتسبات، ومنها الإخلاء الجماعي في شمال إسرائيل. وهو عازم على الحفاظ على هذا التحول من خلال تجنب حرب شاملة في الوقت الحاضر، لأن مثل هذا الصراع يعطي إسرائيل الذرائع التي تحتاج إليها للدفع نحو إقامة منطقة عازلة حتى جنوب الليطاني.

وأشار الأمين العام للحزب إلى أنه من المحتمل أن يوقف حرب المشاغلة في الجنوب، لكنه عازم على استمرارها حاليا لتشكل تهديدا على الحدود الشمالية لإسرائيل، وهذا من ضمن الإستراتجية الردعية على المدى الطويل. ويدرك الحزب أن السلطات الإسرائيلية لن تقبل بهذا الواقع لفترة طويلة. والتجربة تقود إلى الاعتراف بأن ترتيبا آخر لقوات حفظ السلام الدولية على غرار مندرجات القرار الدولي ١٧٠١ لن يكون فعالا، إذ يتوقع الطرفان مزيدا من التصعيد في الأمد المتوسط قد يشعل حربا شاملة.

ولا يزال منع الحرب بالنسبة إلى إسرائيل مهمة صعبة، إضافة إلى الجهود الديبلوماسية والعسكرية لوقف القتال، وستحتاج إسرائيل إلى تفكيك الوجود العسكري للحزب في جنوب لبنان والحد من وجوده غير القانوني وتقليص التدخل الإيراني.

 

وتماشيا مع الحرب المحدودة التي يخوضها الطرفان منذ عام تقريبا حرصا على إبقاء التبادل ضمن معايير دقيقة واستخدام جزء ضئيل من قدراتهما، فقد قاما بقصف أهداف عسكرية وتجنبا الأهداف المدنية ضمن جغرافيا محددة، وسقطت صواريخ الحزب على مسافة ٢٠ كيلومترا ولم تتخطّ المسيّرات ١١٠ كيلومترات، لكنها لم تصل إلى أهدافها. وركزت إسرائيل على جنوب لبنان متجنبة قصف بيروت. ولم يؤدّ التدهور إلى تصعيد خارج عن السيطرة.

لكن هناك صواعق يمكن أن تشعل حربا أوسع نطاقا في لبنان، كالقتال المستمر ومخاطر سوء التقدير ورفض إسرائيل العيش تحت رحمة ترسانة الحزب إلى أجل غير مسمى. لذلك تتحرك إسرائيل تدريجا نحو تحويل مركز ثقلها العسكري إلى الشمال، علما أن أهدافها الرئيسية للحرب ما زالت تركز على غزة حتى إشعار آخر.

والواقع أن إيران مترددة في الدخول في صراع مباشر مع الولايات المتحدة لأنه يهدد أولويتها الأساسية، وهي المحافظة على النظام، لذلك تستخدم طهران أذرعها في المنطقة، وهي حريصة على احتواء الصراع. وتنطوي هذه المقاربة على مخاطر كبيرة من سوء التقدير، لذا أوضحت واشنطن لايران وأذرعها أن لديهم الكثير ليخشوه من التصعيد، فحشدت قوات عسكرية في المنطقة تساعد إسرائيل عسكريا واستخباراتيا، مما أثر على أي مجازفة في الوقت الحاضر. لكن إيران تكسب الوقت مع إبقاء خياراتها مفتوحة لأن الردع الأميركي سيتآكل حتما، مما سيحفز إيران وأذرعها على الهجوم مجددا، وهذا ما يدفع إسرائيل إلى القوة الهجومية لتعزيز ردعها.

ويشير باحثون في "معهد واشنطن" في تقرير، إلى خطوات لتجنب الحرب على المدى الطويل، فهل هذه الخطوات تمثل عناوين الخطة الأميركية لوقف الأعمال القتالية في لبنان؟ وإذا كان الرد إيجابا، يبدو أن هذه المطالب تنطبق على الشروط الإسرائيلية للتوصل إلى حل، من دون الأخذ في الاعتبار الواقع اللبناني، كالآتي:

١ - مواصلة التنسيق الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل لمواصلة ردع إيران وأذرعها.

٢ - ممارسة الضغط السياسي والقانوني على "حزب الله" وأصوله العالمية، وينبغي أن يكون دعم الجيش اللبناني مشروطا بإنهاء تعاونه مع الحزب واتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذ القرار ١٧٠١.

٣ - تنفيذ قرارات الأمم المتحدة في شأن نزع السلاح في الجنوب وحظر الأسلحة غير القانونية إلى لبنان، ويشمل ذلك إعادة فرض الحظر على صادرات الأسلحة الإيرانية التي تم تعليقها كجزء من الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، وتحسين نشاط الأمم المتحدة والإبلاغ في شأن القرارين ١٧٠١ و١٥٥٩ وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية للمضي قدما في تنفيذها.

٤ - إرسال قوات حفظ السلام التابعة لـ"اليونيفيل" إلى مواقع "حزب الله" التي تم قصفها في جنوب لبنان، لتوثيق الحقائق والإبلاغ عن الانتهاكات وتعزيز تنفيذ القرار ١٧٠١.

٥ - مواصلة بذل أقصى الجهود لتحييد تنظيم "حماس" أو تقييده على المدى الطويل، من خلال التوصل إلى وقف النار في غزة. ويتطلب ذلك اتفاقيات مع إسرائيل ومصر في شأن مستقبل "ممر فيلادلفيا" في جنوب غزة، وإلا ستعيد "حماس" تسليح نفسها عبر هذه المنطقة الحدودية. ومن المحتمل أن تلتزم هذه الاتفاقيات ضمانات أميركية لكل جانب، ومشاركة مباشرة من الرئيس الأميركي لإبرام اتفاق.