المصدر: سكاي نيوز
الأحد 15 أيلول 2024 16:40:05
تعتبر أزمات الإرهاق المهني من التحديات الكبيرة التي تواجه عديداً من القطاعات، إذ تتنوع أسبابها وتتباين تبعًا لطبيعة العمل ومتطلبات الوظيفة.
ويعاني الأفراد في وظائف ذات معدلات ضغط مرتفعة مثل إدارة البرامج والمشروعات وخدمات الرعاية الصحية والخدمات المجتمعية من مستويات إجهاد مرتفعة نتيجة لتعدد المهام، بما في ذلك اتخاذ القرارات الحساسة والتعامل مع ضغوط عاطفية كبيرة.
ولتخفيف هذا الإرهاق، تتطلب الاستراتيجيات الفعالة تنظيماً جيداً ودعماً نفسياً وتحسيناً مستمراً في مهارات إدارة الوقت والتعامل مع الضغوط.
ورصد تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، أبرز خمس وظائف ذات معدل إرهاق أكبر، طبقاً لبحث حديث أجرته منصة LinkedIn من خلال استطلاع آراء أكثر من 16 ألف محترف في الولايات المتحدة بين شهري آذار وحزيران.
وجد الاستطلاع أن أربعة من كل عشرة عمال في الولايات المتحدة يشعرون بالإرهاق والإنهاك في وظائفهم. وترتفع هذه النسبة بين مديري المشاريع، حيث يقول 50 بالمئة من المهنيين في هذا المجال إنهم يشعرون بالإرهاق.
وجاء ترتيب الوظائف في هذا السياق على النحو التالي:
ونقلت الشبكة عن مديرة برنامج الماجستير في التعليم الطبي بجامعة بنسلفانيا، كاندي وينز، قولها إن الإرهاق الوظيفي لا ينبع فقط من ساعات العمل الطويلة أو عبء العمل الثقيل.
في كتابها "الحصانة من الإرهاق"، أجرت وينز مقابلات مع مئات الأشخاص الذين يعملون في بيئات عالية الضغط، بما في ذلك موظفو المستشفيات ومديرو المشاريع والمديرون التنفيذيون للشركات.
مديرو المشاريع مسؤولون عن التخطيط والتنظيم وإدارة إتمام المشروع، والتأكد من الانتهاء منه في الوقت المحدد وفي حدود الميزانية. ويمكن أن تتراوح مثل هذه المشاريع من بناء مبنى جديد إلى إدارة حملة تسويقية.
تتطلب هذه الوظائف في كثير من الأحيان تعدد المهام بشكل مستمر، ومواعيد نهائية صارمة، والعمل كـ "وسيط" بين الموظفين والعملاء، وكل هذا يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق ، كما توضح وينز.
وتقول إن حقيقة أن مديري المشاريع هم أيضاً أحد الأدوار الأكثر طلباً والتي تقوم الشركات بتوظيفها بنشاط أمر مثير للقلق.
من جانبها، قالت نائب رئيس التعليم العالمي وتنمية القوى العاملة في شركة IBM، ليديا لوجان، إن الشركات في جميع الصناعات تقوم بتوظيف مديري مشاريع لمواكبة التقدم التكنولوجي السريع والتكيف مع الاضطرابات المستمرة بسبب الوباء.
وللمساعدة في مواجهة هذه التحديات، يتوقع معهد إدارة المشاريع أن يحتاج أصحاب العمل إلى ما لا يقل عن 25 مليون شخص في أدوار إدارة المشاريع بحلول العام 2030 - وهو ما يعني أن حوالي مليوني شخص سيحتاجون إلى دخول هذا المجال كل عام لمجرد مواكبة الطلب.
تضيف وينز: "أعمل مع العديد من مديري المشاريع، وأكثر ما يثير قلقي هو أنهم لا يحصلون على الدعم الكافي أو التقدير الذي يتناسب مع المتطلبات المتغيرة التي يواجهونها في أدوارهم. وهذا التفاوت هو أحد الأسباب الرئيسية للإرهاق".
كما تلفت إلى أن المهن الأخرى التي تظهر معدلات احتراق أعلى - مثل الرعاية الصحية والتعليم والمجتمع والخدمات الاجتماعية - تعمل في بيئات عالية الضغط وتمنح الناس سيطرة محدودة على نتائج عملهم.
وتوضح قائلة: "هذه الوظائف مرهقة عاطفياً. فعندما تعمل في مهنة تتطلب رعاية الآخرين، فإنك تتعامل مع الكثير من المواقف الصعبة والحساسة، وبعضها قد يكون له عواقب وخيمة على صحة الطفل أو المريض.. وقد يصبح الأمر مرهقاً بسرع".
بالنسبة للأدوار المتطلبة حيث يكون خطر الإرهاق أعلى، تقترح وينز السؤال عن الموارد التي يمكن للموظفين الوصول إليها لدعم صحتهم ورفاهيتهم - يمكن أن تأخذ هذه الموارد شكل الدعم الإداري، أو الجدولة المرنة، أو مزايا الصحة العقلية.
وظائف ذات طبيعة حساسة
في حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أوضح الخبير الاقتصادي مستشار العلاقات الاقتصادية الدولية، الدكتور كرم سلام، أن بعض الوظائف تتسم بطبيعة حساسة تزيد من احتمالية الإرهاق المهني، لافتاً إلى أن الضغوط المستمرة والمسؤوليات الكبيرة والتوقعات العالية تسهم في ارتفاع مستويات الإجهاد، خاصة في وظائف إدارة البرامج والمشروعات التي تتطلب تنسيقًا دائمًا بين الفرق والموارد لضمان سير العمل بكفاءة وتحقيق الأهداف.
للتعامل مع هذا الإرهاق، نصح سلام بالاعتماد على تقنيات إدارة الوقت المتقدمة، مثل أدوات التخطيط وإدارة المهام، التي تساعد في توزيع العمل بشكل فعال وتقليل الضغط الناتج عن تعدد المهام. كما أوصى بتفويض المهام لأفراد الفريق لتخفيف العبء والتركيز على الأولويات، والتركيز على النتائج بدلاً من الانشغال بالتفاصيل الدقيقة.
وتناول سلام أيضًا تحديات الإرهاق التي يواجهها العاملون في خدمات الرعاية الصحية، مشيرًا إلى أن التعامل مع المرضى في حالات حرجة وساعات العمل الطويلة واتخاذ قرارات طبية حساسة يزيد من الضغوط. وأوصى في هذا السياق بضرورة الاعتماد على دعم الزملاء لتخفيف الأعباء النفسية، وممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على نظام غذائي متوازن ونوم كافٍ، بالإضافة إلى إدخال نوبات عمل مرنة أو تقليل ساعات العمل لتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة.
كما أشار إلى ضغوط العاملين في الوظائف المجتمعية، مثل التعامل مع حالات العنف المنزلي أو المشردين، والتي تؤدي إلى ضغوط عاطفية شديدة. واقترح الاستفادة من الاستشارات النفسية المنتظمة، التدريب على إدارة الحالات العاطفية باستخدام تقنيات مثل التأمل والتنفس العميق، والمشاركة في أنشطة دعم جماعية لتعزيز الشعور بالانتماء وتخفيف الضغوط.
أما بالنسبة للعاملين في وظائف ضمان الجودة، فقد أوصى بضرورة التحسين المستمر في أساليب العمل من خلال استخدام تقنيات لتحديد المشكلات وحلها بفعالية، وتوفير برامج تدريبية لتطوير مهارات التعامل مع الإجهاد وتحسين القدرة على التكيف مع الضغوط المرتبطة بجودة العمل.
استراتيجيات فعالة
من جانبه، أفاد الخبير الاقتصادي ياسين أحمد، لدى حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأن التعامل مع الإرهاق في الوظائف ذات معدلات الضغط المرتفعة يتطلب تبني استراتيجيات فعالة. وقال إن مهنة إدارة البرامج والمشروعات تعد من أكثر المجالات التي تسهم في إرهاق الأفراد، حيث يكون التنظيم والتخطيط المسبق ضروريًا لتقليل الضغط، مشدداً على أن التواصل الفعال مع الفريق والتوازن بين العمل والحياة الشخصية يساعدان في التخفيف من الإرهاق.
كما تناول أحمد التحديات التي يواجهها العاملون في خدمات الرعاية الصحية، مشيرًا إلى أهمية الدعم النفسي والاستفادة من برامج الاستشارات لتخفيف الضغوط النفسية، بالإضافة إلى التدريب على تقنيات التعامل مع الضغوط مثل التأمل واليوغا وأهمية الحصول على فترات راحة منتظمة.
فيما يتعلق بالعاملين في الخدمات المجتمعية والاجتماعية، أشار إلى أن الدعم الجماعي، الاستفادة من العطلات، والتدريب على مهارات التكيف، جميعها عوامل يمكن أن تساعد في التعامل مع الضغوط العاطفية الشديدة.
كما نوه إلى أن العاملين في قطاع ضمان الجودة يحتاجون إلى التدريب المستمر، التعاون مع الفريق، وتحسين مهارات إدارة الوقت لتقليل التوتر المرتبط بالدقة في العمل.
وبالنسبة للعاملين في مجال التعليم، أوصى أحمد بتنوع طرق التدريس، الحصول على دعم من الزملاء، والاهتمام بالصحة النفسية.
وأكد أن التعامل مع ضغوط إدارة الفصول الدراسية وتحضير المواد التعليمية يمكن أن يتحسن من خلال الاستفادة من فترات الاستراحة، تطوير مهارات إدارة الفصول، والمشاركة في برامج تدريبية لتحسين الأداء وتقليل الإرهاق.