المصدر: الوكالة المركزية
السبت 31 آب 2024 11:55:55
مهما تمددت مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها والتي اقتربت من دخول اوائل الشهر الثاني والعشرين، بالتأكيد لن يخرج الاستحقاق الدستوري الخاص بانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية الى سطح الاحداث ولن يتقدم رزمة الاستحقاقات المنتظرة على اكثر من مستوى على ما عداه من الملفات الداخلية التي اختلطت بما هو إقليمي ودولي بقدرة قادر حتى شلت الحركة السياسية والادارية في الداخل بطريقة باتت تهدد العديد من المؤسسات التي خرجت عن الخدمة او انها باتت مقصرة في توفير المطلوب منها.
وعليه عبرت مراجع سياسية وديبلوماسية عليمة في حديثها إلى "المركزية" عن اعتقادها بأن البحث بملف انتخاب الرئيس لن يبدأ قبل ان تستقر العمليات العسكرية لمجرد وقف العدوان الاسرائيلي على غزة والحرب الدائرة في جنوب لبنان إن بقيت المعادلة الى حينه، ان ما يجري في الجنوب عملية "إلهاء" للاسرائيلي و"إسناد" للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. ان لم تتبدل المهمة في أعقاب المواجهات الاخيرة بعد ان ثبت ان بعض ما يجري ليس له علاقة مباشرة بما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدما توسعت العمليات العسكرية لتطال الضفة الغربية بعد قطاع غزة.
ولا تخفي المراجع انه بات للأزمة الناشئة عن اجتياح غزة في شهرها الحادي عشر وتحويلها منطقة غير صالحة للسكن والتمدد باتجاه المدن الكبرى في الضفة سيقضي على أحلام الفلسطينيين وأن النتائج المتوقعة قد ابتعدت عن الأهداف من عملية "طوفان الاقصى". وان ملفات اقليمية ودولية باتت على الطاولة، ويمكن للإتفاق بشأنها ان ينعكس على الملف الفلسطيني وليس العكس بما يؤدي الى التضحية بالكثير من الحقوق التي "طحنتها" الدبابات الاسرائيلية ودمرتها صواريخ الطائرات التدميرية في القطاع كبريات مدن ومخيمات الضفة الغربية بطريقة ابعدت الحديث عن "الدولة الفلسطينية" الذي سيتحول الى مجرد وهم باعتراف الطرفين، فليس من السهل ان يستوعب الفلسطينيون ان الرفض الايراني لمجرد الحديث عن الدولة الفلسطينية يساوي الرفض اليهودي لها وقد يؤديان الى تعميق الحفرة المدفونة فيها منذ عقود.
على هذه الخلفيات، تبادلت مراجع ديبلوماسية من جنسيات مختلفة العديد من السيناريوهات والقراءآت الخاصة بلبنان، فقالت ان كل ما له علاقة بالاستحقاق الرئاسي مجمد بالنسبة الى "حزب الله" وان كان الامر لا ينطبق على الطرف الثاني من الثنائي، فان المراجعات الديبلوماسية لدى عين التينة رصدت استعدادات سابقة عبر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري في أكثر من مناسبة انه بامكان ولوج الاستحقاق في اي وقت يمكن ان يتوافق فيه اللبنانيون على الحد الادنى مما هو مطلوب من الرئيس العتيد. لكنه ربط ذلك اخيراً بضرورة الإسراع بتهدئة الوضع في غزة او على الاقل اقناع "حزب الله" بالخطوة وهو ما عد اذعانا بسيطرة الحزب على الإستحقاق بمختلف المراحل حتى النيابية منها ولو جاءت بكل ما يخالف الدستور.
وفي رأي هذه المراجع، ان الحزب ينوي استنفاد كل الخطوات التي تضمن - بما يتهم خصومه به - بوصوله الى صفقة اقليمية تنعكس على دوره في الداخل تحرره من اي خصم. لكن القلق من تعاظم المعارضة لما قام به في الجنوب وعدم قدرة بيئته السياسية والمذهبية على تحمل الأعباء المكلفة التي يقدر ان تبلغ الذروة في وقت قريب إن تطورت الأمور نحو الاسوأ في اي وقت، ليس على مستوى الشهداء والجرحى والمعوقين والتدمير الممنهج للقرى الجنوبية فحسب، وهي التي جعلته يتراجع في ايام قليلة عن مشاريع "رد انتقامية كبرى" كان يرغب القيام بها ردا على اغتيال "رئيس اركانه" فؤاد شكر واستبدلها بما لا يقود إلى الحرب. فجاءت خطوته فارغة وخالية من اي انتصار عدا عن الترددات السلبية التي دفعته الى تجنب ايذاء اي مدني اسرائيلي، او المس بأي من المنشآت الحيوية وحصرها بالمواقع العسكرية على صعوبتها.
وعليه، فان هذه النتيجة وضعته في موقع عدم القادر، على الحديث عن اي انجاز امني او عسكري استراتيجي قد تحقق، ليضاف عجزه إلى فقدان عمليته عنصر "الصدمة" التي أرادها فجر "اربعين الحسين". فكانت "العملية الاستباقية" هي "المفاجأة"، في توقيت مبكر ولو بدقائق معدودة فصلت عن "ساعة الصفر" وهو ما افقدها وهجها. عدا عن العجز عن اثبات اي نتيجة مؤلمة تترجمها الرغبات والأمنيات بالحديث عن بلوغ عدد من الطائرات المسيرة الانقضاضية الى قاعدة "غاليلوت" السرية" قرب تل ابيب، ومقتل قائد "الوحدة 8200" وعدد من الضباط والعسكريين وهو ما لا يمكن لاسرائيل اخفاءه لو كان ذلك قد حصل. فالمعارضة الإسرائيلية تنتظر نتنياهو على الكوع ولا يمكنها ان تتجاهل الحديث عن مثل هذا الثمن الذي تكبدته اسرائيل لو حصل ذلك فعلا بمعزل عما يريده "حزب الله". وقد بات واضحا ان ما يريدونه من نتنياهو ابعد بكثير مما يتمناه الحزب وغيره من أطراف "محور الممانعة".
استنادا الى ما تقدم، تبرز مسألة اخرى يمكن ان تؤدي الى موافقة حزب الله على الإسراع بإجراء الانتخابات الرئاسية في توقيت دقيق بات يبنى على الترددات النيابية التي يمكن ان تجري تعديلا في موازين القوى السلبية في ساحة النجمة. ولعل ابرز ما يقود الى هذه المعادلة ما يشهده تكتل "لبنان القوي" من تفسخ نيابي ابعد عددا من النواب عنه، وإن كانت نواته اربعة من اعضائه في وقت يتوقع فيه احد المقربين من الثنائي ان تتمدد العملية الى مساحة نيابية كانت قد حددت بما ساهم فيه "حزب الله" من تكبير لحجم التكتل ، عدا عن الظروف التي قد تدفع عددا من نواب "اللقاء الديمقراطي" ان جرت الانتخابات في جو التصدي لما يسمونه الدفاع عن القضية الفلسطينية قبل ان يخف وهج تدخل الحزب والمتغيرات التي يمكن ان يحققها بطريقة تتلاقى والمساعي المبذولة لاستدراج بعض النواب السنة الى مرمى الحزب من أجل ضمان فتح الطريق الى قصر بعبدا امام زعيم تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية دون غيره من المرشحين.
ومهما حمل هذا السيناريو من مقومات تجعله منطقيا في ظروف محددة ان تم التوصل اليه، فان المراجع تستبعد إمكان ان يستثمر الحزب في ما يقوم به في الجنوب على مستوى الداخل اللبناني. فالجهود التي بذلت حتى اليوم وفرت للمعارضة القدرة على الصمود في مواجهة مخطط الحزب وان منطق الصفقات التي عقدت سابقا قد ولى الى غير رجعة. ولا يمكن ان تحقق ايران قبل "حزب الله" اي انتصار على الساحة اللبنانية إن أراد الحزب ذلك لكن المصيبة الحقيقة ان الثمن البديل لعدم السماح بأن يحقق الحزب "امنياته" بهذه النتيجة "الوهمية" - إن صدق التوصيف - سيكون باهظا وغالي الثمن من كيان الدولة ومؤسساتها وقدرات اللبنانيين الى الدرجة التي لا يمكن التكهن بما يمكن ان تؤول اليه التطورات الداخلية. فلا ينسى أحد ان هذه الظروف ستؤدي إلى تعزيز ما يؤدي الى بوادر الانفجار الاجتماعي والطبي والمالي والنقدي وربما بلغ المستوى التربوي على ابواب فتح العام الدراسي والجامعي بتكلفته المقدرة التي قد تبعد الكثير من الطلاب عن صفوفها وتضعهم في الشوارع في مواجهة صعبة مع عدو مجهول الهوية والمصدر والقوة.