هكذا استغلّ الصرافون غير الشرعيين أزمة العملة في لبنان

تخيم حالة من الإرباك على عمل الصرافين غير الشرعيين أو، كما هو متعارف عليه، "صرافو الشنطة"، بعد الاستقرار النسبي لسعر الصرف في الأسواق اللبنانية منذ اشهر، فهؤلاء يعملون على حساب انهيار العملة وتدهورها.

انخفض عمل حسن ح. بنسبة تتجاوز النصف تقريباً منذ 20 آب، وهو بالكاد يستطيع تصريف ما يقارب 50 دولاراً يومياً، مقارنة مع مبالغ كبيرة تمكن من جمعها خلال فصل الصيف. بدأ حسن ح. عمله منذ عام تقريباً، ولديه شبكة من المعارف، يتمكن من خلالها بيع وشراء الدولار عبر تطبيق "الواتس أب".

يقول حسن ح. لـ"المدن": تنشط أعمال الصرافيين عند تذبذب سعر الدولار، ولكن منذ منتصف فصل الصيف، استقر السعر عند 89 ألف ليرة تقريباً، وهو ما جعل هامش التحرك لدى الصرافين، أو تجار العملة ضئيلاً نسبياً، وبالتالي انخفض عدد الصرافين في الشارع، ولم يعد هناك حاجة إليهم.

تجار الأزمات
انتعش سوق عمل هذه الفئة مع تذبذب سعر الصرف، وغياب أي معايير واضحة لآليات رفع سعر الدولار او انخفاضه، وعلى الرغم من أن هذه الفئة من التجار لم تكن تعمل لحسابها الخاص، بل كانت تتبع إما صرافين كبار، أو بعض رجال الأعمال، أو قوى الأمر الواقع، إلا أنهم أثروا بطريقة سلبية على المواطن والاقتصاد. واليوم، بعدما انتهى أو تقلص دورهم نتيجة الاستقرار الحالي، باتوا خارج لعبة تصريف الأموال.

بدأ أحد تجار العملة غير الشرعيين، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، عمله في هذا المجال منذ أكثر من عامين، وكان يتقاضى من قبل مشغليه، ما يقارب دولاراً واحداً مقابل كل 100 دولار يحصل عليها من الزبائن، وكانت كافية بالنسبة له لتأمين مستلزمات المعيشة.

يقول" مثل جميع الشباب، لا أملك أي فرصة عمل ثابته، وأقضي معظم الوقت في الشارع، وجدت أن الانخراط في هذا العمل، وعلى الرغم من خطورته قانونياً، قادر على تأمين رغيف الخبز". ووفق ما يؤكده، فإن الحصول على مبلغ 300 دولار في أسوأ الاحتمالات شهرياً -على اعتبار أنه لم يتمكن من تصريف أكثر من 100 دولار في اليوم- يعد أمراً يستحق المجازفة.

ويضيف "في أيام عديدة،  كان يمكن الحصول على أكثر من 100 دولار، خصوصاً بعدما وثّقت علاقتي مع تجار المواد الغذائية وقطع السيارات، إذ وبفضل هذه العلاقات، كنت أحصل على هامش كبير من الأرباح".

انخراط الشباب في العمل غير الرسمي، وإن كان يعاقب عليه القانون، لكن غياب السلطات الفعلية وأدوات المراقبة والمحاسبة، شجعت إلى حد كبير في توسع هذا النوع من الأعمال، بالاضافة الى عوامل شديدة الأثر، وتحديداً على السوق النقدي. أضف إلى ذلك، ان الفوضى السياسة والاقتصادية، جعلت من السهل على تجار العملة الكبار استغلال هذه الظروف لصالحهم، وتشغيل المئات من الشباب في الشوارع لشراء الدولار وتخزينه. وبعدما استقر سعر العملة نسبياً، عاد جزء من هؤلاء الشباب لـ"التسول" مجدداً، وانتظار فرصة جديدة للحصول على عائدات مالية.

سوق الدولار
لا ينفي رئيس نقابة الصرافين في لبنان مجد المصري لـ "المدن" كيف توسعت ظاهرة الصرافين غير الشرعيين بسبب تذبذب سعر العملة، ولكن منذ فترة، بدأ يخف وجودهم في الشوارع العامة، وبالكاد يمكن إيجاد صراف في منطقة ما. يصف انخراط الشباب في هذا العمل غير القانوني، إلى وجود مشغلين ووسطاء يضخون الأموال لهم، لاحتكار الدولار، ومن ثم بيعه لمصرف لبنان. ويقول المصري: عملية البيع هذه لا تقتصر على شخص أو شخصين، بل هي عملية، يدخل بها أكثر من وسيط، حتى تصل الدولارات إلى المصرف المركزي.

ويضيف المصري "على الرغم من أن مصرف لبنان سمح لفئة معينة على غرار شركة "OMT" وغيرها بشراء الدولار، إلا أن ذلك، فتح شهية بعض التجار الكبار لاستغلال الأزمة، وتأسيس خلايا تعمل على الأرض".

وبحسب المصري يوجد الآن في لبنان ما يقارب من 300 إلى 304 شركات صيرفة قانونية تعمل بشكل رسمي، مقابل وجود ملايين الصرافين غير الشرعيين، إذ بات صاحب الدكان يمتهن الصيرفة، وخاصة مع مجيء المغتربين إلى لبنان في فصل الصيف.

تأثيرات سلبية؟
على الرغم من أن وجود الصرافين غير الشرعيين، لم يكن له التأثير الكبير على سعر الصرف، إلا أن دورهم السلبي ظهر على الواقع النقدي مع ارتفاع نسب التضخم. يقول المصري "لم يكن عمل هؤلاء، محصوراً بفكرة شراء وبيع الدولار، بل كان عملهم، المضاربة، او كما يعرف "بسوق الكشف" إذ يشترون كمية من الدولار، ومن ثم يعيدون بيعها بعد فترة زمنية، وتحديداً، عند ارتفاع سعر الدولار، وهذا ما جعل، في بعض الأحيان، سعر السوق السوداء مختلفاً عن السعر الحقيقي في السوق الشرعي.