المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الأربعاء 1 نيسان 2020 06:30:34
"هم يريدون ذلك"
كان برّي قد استشرف جنوح دياب إلى أحضان رئيس الجمهورية جنوحاً كاملاً، فلا يتخذ قراراً من دون موافقة جبران باسيل عليه. هذا ما يقوله المطلعون على كوامن الأمور.
في اللقاء الذي عُقد بين الرجلين الأسبوع الفائت، قدّم دياب لبرّي بالملموس ما كان يستشعره: عندما سأله بري معاتباً عن بعض الأمور والتصرفات، قال له دياب حرفياً: "ماذا يمكنني أن أفعل؟! هم يريدون ذلك".
العلاقة بين برّي ودياب قديمة، وتعود إلى العام 2011. يشعر برّي كمن اقتنى طيراً وحرص على إنماء ريشه، وعندما اكتمل جناحاه طار الطير بعيداً. والسيناريو الذي حصل بين برّي والرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011، يتكرر اليوم بين برّي ودياب.
هكذا يُعين الموظفون
في العام 2011 كان خيار تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة، من بنات أفكار برّي ووليد جنبلاط، باعتبار ميقاتي وسطياً، وأفضل من تعيين رئيس حكومة محسوب كلياً على 8 آذار.
ظن برّي أن ميقاتي "صنيعته"، ويمكنه تحقيق ما يريد من خلاله. لكن حسابات ميقاتي كانت كثيرة ومتعددة آنذاك، وأدت إلى شرخ كبير بينه وبين برّي في ملفات عديدة.
أحد المطلعين على العلاقة بين الرجلين، يذكر إشكالاً بينهما يرتبط بالتعيينات. ويروي الشخص المطلع: "ذات مرة أراد برّي تعيين أحد مستشاريه السنّة محافظاً لجبل لبنان، معتبراً أن ميقاتي لن يعارض الأمر. لكن رئيس الحكومة المطعون بسنيّته، لا يمكنه تحمّل تمرير مثل ذاك القرار. ولجأ ميقاتي إلى تيار المستقبل، لإثارة عاصفة حول الموضوع لإجهاضه. وخرج نواب مستقبليون، وراحوا يرددون أن برّي يريد أن يعين مستشاره محافظاً ويمس بالمواقع السنّية. ونجح ميقاتي في إجهاض مسعى برّي". وهذه الواقعة غيض من فيض الشواهد المماثلة على سوء علاقة الرجلين.
توقع ساخر يتحقق
عرف برّي آنذاك كيف يستثمر خلافه مع ميقاتي. أخذ يعزز علاقته بحسان دياب، وهو كان وزيراً للتربية حينذاك، فراح يدعمه ويقوّيه على ميقاتي: يغطيه في اتخاذ قرارات من دون التنسيق مع رئيس الحكومة. وهذا ما أدى إلى إشكال كبير بين دياب وميقاتي الذي وصف وزير التربية المحسوب عليه افتراضياً: "الرجل يتصرف في وزارته وكأنه رئيس حكومة، ولا ينسق إلا مع حزب الله وحركة أمل، ظناً منه أنه سيكون رئيس حكومة". سخرية ميقاتي هذه تحققت بعد سنوات.
في ديوانية برّي
بعد دوام عمله في وزارة التربية، وإكثاره من تصوير بفسه تلك الصور التي جمعها في كاتالوغ إنجازاته الجبارة، أخذ حسان دياب يتردد دوماً إلى عين التينة، ويشارك في جولات المشائين في ديوانية رئيس المجلس، متقرباً متودداً.
لم يكتم طموحه بأن يصبح رئيساً للحكومة. تُرك مهملاً إلى أن تحين فرصة تتيح الانتباه لوجوده وفق ما تقتضيه الحاجة. وانتُبه إليه أخيراً، ووقعت عليه القرعة وحان موعد اختياره. وهكذا أُخرج أرنب دياب لرئاسة الحكومة من قبعة الساحر. رحّب بري بالتسمية معتبراً أنه صاحب الحصة الأكبر فيه، ومن خلاله سيتمكن من الحفاظ على التوازنات التي يفضّلها، ويفضّل اللعب بموجبها. هو طبعاً كان يفضل حكومة سياسية أو تكنوسياسية، ولكن الظروف حتّمت ذلك.
ديوانية بعبدا
ما أن مرّت أيام قليلة على تكليف دياب وتشكيله الحكومة، حتى بدأت النتوءات تضرب العلاقة بين الرجلين. أخذ دياب يطير بعيداً عن عين التينة. صارت بعبدا ملجأه الدائم، بدل ديوانية عين التينة. وهذا ما ظهر في أكثر من محطة واستحقاق.
أرسل برّي رسائل الانزعاج والعتب والسؤال، فلم يلق أي جواب واضح. وهذا ما استدعى رفع صوته محذراً ومهدداً.
وهناك الكثير من القطب المخفية بين دياب وبرّي، ستكشفها الأيام حتماً.
لكن الأكيد أن متغيرات كثيرة ستحدث في عهد هذه الحكومة: على صعيد التوازنات السياسية، والمواقع في الإدارات. يعرف برّي أنه مستهدف من العهد، كما أن الحريري وجنبلاط مستهدفان أيضاً.
وهذا الثلاثي يحاول مع آخرين تشكيل جبهة مضادة للدفاع عن النفس. لكن مساعيهم لدفاعهم عن أنفسهم لن تنجح على الأرجح.
هناك من يعتبر أن القرارات والإجراءات التي تتخذ في التعيينات وغيرها، تحظى بتغطية خارجية. فمثل هذه القرارات لا يمكن اتخاذها من دون ضوء أخضر خارجي. وخصوصاً في ما يتعلق بتعيين نواب حاكم مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف. وهذه تُقر بناء على توافق سياسي، يحفظ لفرنجية موقعين، ويحفظ حصة لبرّي. أما المواقع الأخرى فستكون في صالح دياب وعون وباسيل. وما يسري على هذه التعيينات سيسري على غيرها مستقبلاً.