هل أدرك محور "الممانعة" عمق الانقلاب الإقليمي؟!

لم ينتهِ الأمر مع محور "الممانعة" بحرب غزة الكارثية؛ فتجربة لبنان واضحة مع الضربات القاصمة التي تلقاها "حزب الله"، وتحوُّل "حرب الإسناد" التي تورط فيها الحزب المذكور إلى حرب تدميرية في الجنوب اللبناني ومختلف مناطق البيئة الحاضنة للحزب.

وإذا ما عاينّا النموذج السوري، ندرك أن الهجوم المضاد على طهران وأذرعها في المنطقة ليس جزئياً أو عقابياً، بل إنه يتعدى قطاع غزة وتدمير حركة "حماس" ليشمل الإقليم بأسره، وصولاً إلى الأصل في كل ما جرى منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول 2023، ونعني بذلك قلب إيران، التي تتعرض أذرعها لتدمير ممنهج، من دون أن يكون في مقدورها أن تفعل الكثير من أجل إنقاذ مشروعها الإقليمي الذي أنفقت عليه على مدى عقود عشرات مليارات الدولارات، فمكّنها من اختراق العالم العربي إلى مرحلة وصل فيها مسؤولون كبار في طهران إلى حد التبجّح بالسيطرة على أربع عواصم عربية إذا استثنينا قطاع غزة.

وللتذكير، معلوم أن الأرشيف حافل بعشرات المواقف والتصريحات وخطب الجمعة الصدارة من إيران، تكشف بالتفاصيل حجم التدخل والتورط في ضرب استقرار الكيانات في الجوار العربي، وفي استغلال العنوان الفلسطيني من أجل تسهيل الاختراق. حتى بالنسبة إلى عملية "طوفان الأقصى" التي انتهت إلى فاجعة تاريخية، خرج مسؤولون إيرانيون في الأسابيع الأولى التي أعقبتها، ملمّحين إلى أنها أتت كرد على مشاريع التطبيع العربية -الإسرائيلية لاسيما بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل التي كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أشّر إليها خلال مقابلة أجرتها معه محطة "فوكس نيوز" في 20 أيلول 2023 أي قبل الهجوم بـ17 يوماً. وألمحت شخصيات إيرانية أخرى إلى أن من بين أسباب الهجوم في غزة إجهاض مشروع "الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي" الذي جرى التوقيع عليه في نيودلهي في 10 أيلول  2023 ويمثل تحالفاً اقتصادياً دولياً أميركياً-آسيوياً-عربياً- إسرائيلياً- أوروبياً.

الهجوم المضاد بدأ في قطاع غزة الذي جرى توريطه بقيادة حركة "حماس" وتقديمه كبش فداء للمشروع الإيراني الإقليمي، وفي مكان ما صب في صالح روسيا المتعبة بحربها مع أوكرانيا، وفي صالح الصين التي ما كانت تنظر بعين الرضا إلى تحالف بهذا الحجم ينطلق من منافستها الآسيوية الأولى الهند الساعية إلى اقتناص فرصة الخلاف الصيني –الأميركي لانتزاع جزء من الاستثمارات الغربية في الصناعات من طريق الصين.

 

لكن ما حصل بعد 7 تشرين الأول 2023 أن الغرب، وفي الأمام إسرائيل والولايات المتحدة ضمناً، وجد فرصة تاريخية لضرب المشروع الإيراني في المنطقة وتقويضه، وإيصال النظام في طهران إلى حافة الانهيار. فطالت حرب غزة أكثر من عام إلى أن جرى تدمير حركة "حماس" ومعها القطاع على رؤوس أهله. ثم انتقل الدور إلى أهم الفصائل والأذرع الإيرانية في المنطقة أي "حزب الله" في لبنان، الذي انطلقت الحرب ضده غداة عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتنياهو من رحلة إلى واشنطن بنهاية تموز  2024 حيث ألقى خطاباً في الكونغرس الأميركي، والتقى كلاً من الرئيس جو بايدن ونائبته والمرشحة آنذاك للرئاسة كاملا هاريس، والمرشح دونالد ترامب.

بعد عودته من واشنطن بثلاثة أيام بدأ الهجوم الكبير على بقية الفصائل، وبالمناسبة على إيران في عقر دارها. اغتيل القائد العسكري الأعلى في "حزب الله" فؤاد شكر في قلب معقل حزبه في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومن ثم اغتيل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة "حماس" إسماعيل هنية في غرفة نومه في شقة تقع في قلب مجمع رئاسي في طهران يتولى مسؤوليته الأمنية "الحرس الثوري". وبين 17و27 أيلول  التالي وبعد أن رد "حزب الله على اغتيال شكر بشكل محدود بدأ الاجتياح العسكري على مختلف الأصعدة بدءاً بعملية "البيجر"، ثم اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، وكرّت سبحة الحرب في لبنان إلى حين تدمير قسم كبير من قدرات الحزب العسكرية وإنجاز اتفاق لوقف النار يفتح الباب أمام نزع سلاح الحزب بشكل تام.

وغداة وقف إطلاق النار في لبنان بدأ الانقلاب في سوريا وسقط نظام الأسد في 8 كانون الأول. وواضح وصول قطار التغيير إلى العراق واليمن مع تسلّم الفصائل المقربة من إيران إنذاراً بوجوب تسليم أسلحتها للحكومة وإلا…

ثمة طلائع تغيير أميركي في نمط التعامل مع جماعة الحوثي، وتمدد اليد الإسرائيلية كما حصل يوم أمس إلى قلب الحديدة وصنعاء وربما لاحقاً صعدة… إلى أن يجري تقليم أظافر طهران في الإقليم.