المصدر: أساس ميديا
الكاتب: ملاك عقيل
الخميس 18 كانون الثاني 2024 08:07:22
لم تلقَ دعوة النائب جبران باسيل الأخيرة أيّ صدى يُذكر في الكواليس السياسية بعدما تقصّد رئيس التيار الوطني الحر إيجاد فسحة إعلامية من منبر محطة "أو.تي.في" الحزبية ليوجّه رسالة على الهواء "للثنائي الشيعي وصولاً إلى المعارضة بأنّ الخيارات الرئاسية الحالية (سليمان فرنجية وجوزف عون وجهاد أزعور) لا توصل إلى رئيس، وفي حال وَصَل سيفشل. لذلك تعالوا لنتفاهم على شخصية ذات رؤية إصلاحية مع حكومة إصلاحية".
في المقابلة نفسها برّر باسيل "التقاطع الذي حصل مع قوى المعارضة على اسم أزعور بأنّه أوجَدَ توازناً"، لكنه ذكّر بشرط "التقاطع على أكثر من اسم"، ومنبّهاً "من طرح اسم واحد وضرورة التوافق على برنامج للحكم... وانتخاب الرئيس من دون المسيحيين ما بتقطع".
باسيل في شبه عزلة؟
هكذا في عزّ أزمة ثقة كبيرة مع حليفه الأوّل والأوحد الحزب، وتغطية سياسية كاملة لحكومة نجيب ميقاتي "المتقمّصة" لصلاحيّات رئيس الجمهورية والتي لم تعكّرها "الانتفاضة" المسيحية الخجولة على ردّ حكومة ميقاتي ثلاثة قوانين إلى مجلس النواب بوصفها صلاحية لصيقة برئيس الجمهورية، ووسط أزمة تحالفات غير مسبوقة يعاني منها التيار الوطني الحر جعلت رئيسه في شبه عزلة سياسية، لا يزال باسيل يحاول فرض شروطه الرئاسية مع تذكير دائم من جانبه بأنّه "المرشّح الشرعي الوحيد لرئاسة الجمهورية لكن فرصة نجاحي بالرئاسة غير مؤمّنة".
يقرّ باسيل في جلساته المغلقة بأنّه مؤيّد لعدد كبير من المرشّحين ليس من ضمنهم بالطبع فرنجية وعون، ويتعامل مع وصول أيّ منهما باعتباره حصاراً كاملاً للحالة الباسيليّة وزرع ألغام قد تقضي على فرصة وصوله في الانتخابات الرئاسية بعد ستّ سنوات من ولاية "خصمه" في بعبدا، والأهمّ انتزاع ورقة "المكاسب" منه من الوزير إلى المدير وصولاً إلى الناطور.
عروض "سلطويّة"
لا يمكن التكهّن بنتائج سياسة السقوف العالية التي ينتهجها باسيل، والتي على ما يبدو لن تُكسِبه معركة الرئاسة بغضّ النظر عن الاسم، حتى لو وصل أقلّ الموارنة تمثيلاً إلى بعبدا، لمجرّد أنّ من سيجلس مكان ميشال عون ليس وريثه السياسي جبران باسيل.
لكنّ المؤكّد أنّ رئيس التيار الذي يوحي دائماً بوجود "عروض مُغرية" له بأن يكون "شريك سلطة" من دون أن يُفصِح عن المرجع أو المرجعيّات التي تقدّم له هذه العروض، يحاول تأمين مكتسبات سلطوية ملموسة قبل استحقاق الرئاسة لهدفين أساسيَّين: عدم استبعاده عن طاولة القرار في العهد الرئاسي المقبل والإبقاء على "أذرعه" شغّالة في الإدارات والوزارات والمؤسّسات العامّة.
هكذا يُصبِح مفهوماً استباق باسيل لسمير جعجع بكسر "حُرم التشريع" بغياب رئيس الجمهورية من خلال تأمين التغطية المسيحية لجلسة مجلس النواب التي مدّدت، بمفهوم باسيل الخاص، للمجالس البلدية الواقعة تحت سيطرته الحزبية في المناطق أو المستفيد منها، أو عند قبوله بتعيينات من الدرجة الأولى في الحكومة إذا كانت ستأتي بقائد جيش جديد يقطع حبل التمديد للعماد جوزف عون.
سلّة انتدابات؟
كما أنّه خلال الأسبوع الماضي انتقل النقاش بشأن الشغور في النيابة العامّة التمييزية عند إحالة القاضي غسان عويدات إلى التقاعد في 22 شباط المقبل، من إشكالية من سيُكلِّف ومن سيُكلَّف إلى إمكانية حصول انتدابات عبر وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى لمركز النائب العامّ التمييزي ومراكز أخرى شاغرة.
وفق المعلومات، وفي ظلّ إمكانية الانتداب تقدّم دور وزير العدل المحسوب على فريق باسيل في الحكومة، وإن بات يُغرّد خارج سربه، حيث سجّلت حركة لقاءات واتصالات مع رئيس التيار الوطني الحر والرئيس عون اللذين أبديا حماسة لفكرة الانتدابات.
لكنّ "تيار باسيل" نأى بنفسه عن التدخّل بملفّ النيابة العامّة التمييزية بسبب طابعه السنّيّ وبروز توجّه عامّ لتكليف رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار بمهامّ مدّعي عامّ التمييز بقرار من رئيس مجلس القضاء الأعلى، وذلك على الرغم من محاولات بعض الأطراف التدخّل مع باسيل لمصلحة رئيس محكمة استئناف بيروت القاضي أيمن عويدات لأنّ قرار انتدابه يحتاج إلى توقيع وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى.
خيار جمال الحجار، وفق مطّلعين، هو إشكالي بامتياز في ظلّ تأكيد قانونيّين أن لا صلاحية للرئيس الأوّل بالتدخّل أصلاً في عمل النيابة العامّة التمييزية، فكيف بانتداب قاضٍ ينوب عن مدّعي عامّ التمييز بعد إحالته إلى التقاعد.
كما تشير المعطيات إلى أنّ الانتدابات المرتقبة قد تشمل اسم القاضي أيمن عويدات على مركز قضائي أساسي غير النائب العامّ التمييزي.
البقاء داخل "المطبخ"
بتأكيد العارفين، "يريد باسيل البقاء داخل مطبخ التعيينات على اختلاف أنواعها، خصوصاً بعدما استشعر خطراً سياسياً حقيقياً ببدء مشروع "ترئيس" قائد الجيش بعد إقرار قانون التمديد له في مجلس النواب".
وفق المعلومات، قد تطال الانتدابات ليس فقط المواقع الشاغرة بل مراكز هي حالياً مشغولة بالتكليف أو بالإنابة كمفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ورئيس التفتيش القضائي والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت، بعبدا، طرابلس، صيدا، جبل لبنان، البقاع... إضافة إلى مواقع شاغرة حالياً كقاضي التحقيق الأول في بيروت، النائب العامّ الاستئنافي في الشمال، قاضي التحقيق الأول في البقاع، قاضي التحقيق الأول العسكري...
... والتعيينات العسكريّة؟
أمّا لناحية التعيينات العسكرية، وبعدما أُقِرّ التمديد لقائد الجيش يتصدّى باسيل بالكامل لإجراء تعيينات في المجلس العسكري تطال رئاسة الأركان (موقع درزي)، إضافة إلى موقعَي مدير عام الإدارة (موقع شيعي) والمفتّش العام (أرثوذكسي).
الأساس، برأي باسيل، هي قيادة الجيش، ومنح سنة إضافية لعون في موقعه يجعل أيّ تعيينات عسكرية حالية من دون جدوى بغضّ النظر عن صدورها عن حكومة تصريف أعمال، حيث إنّ التعيينات العسكرية الدسمة ستأتي بعد تعيين قائد جيش جديد.
هنا تفيد المعلومات بأنّ الثنائي الشيعي ومع مرور الوقت بات مُتحمّساً لتعيينات تشمل في هذه الحال ضبّاطاً شيعة كتعيين العميد رياض علّام مديراً عامّاً للإدارة في المجلس العسكري في الجيش، أو صدور برقية فصل، إذا تعذّر التعيين، بتعيين العميد سليم عبده رئيساً لوحدة الإدارة المركزية في مجلس القيادة بقوى الأمن خلفاً للعميد حسين خشفة، إلى جانب العضو الشيعي الثاني المعيّن بالأصالة رئيس جهاز أمن السفارات العميد موسى كرنيب، علماً أنّه من أصل 11 عضواً في مجلس القيادة هناك خمسة مسيحيّين (3 موارنة وواحد كاثوليكي وواحد أرثوذكسي) يعتبر باسيل أنّه المرجع الأول لتعيينهم. فيما تؤكّد أوساط معنيّة أنّ إقرار التعيينات العسكرية الشاملة "لا يزال مُتعذّراً".
أمّا في حال أيّ ترتيبات داخلية تطال ضبّاطاً في الجيش وقوى الأمن يتصرّف باسيل على أساس أنّ له الكلمة الفصل في اختيار الضبّاط المسيحيين وعلى رأسهم قائد الدرك (موقع ماروني) الذي يشغله بالإنابة حالياً قائد منطقة البقاع العميد ربيع مجاعص (أرثوذكسي) المدعوم من النائب الياس بو صعب.