هل تجاوز السجال بين بري وخلف تحت قبّة البرلمان سقف النظام الداخلي؟

مضى 371 يوماً على وجود النائب ملحم خلف معتصماً داخل مجلس النواب مطالباً بانتظام عمل المؤسسات بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية. هذا الرئيس الذي تريده الكتل النيابية المؤثّرة في كفّة ميزان التصويت على مقاسها في الغالب، فيما يلفّ الجمود الحركة النيابية اللازمة لإتمام هذا الاستحقاق الذي هو من أولى أولويات مسؤولية النائب المنتخَب من الشعب، بحسب خلف المستمر في اعتصامه للحضّ على القيام به. وهو ما كرره في اليوم 370 على اعتصامه في اجتماع الهيئة العامة لمجلس النواب في حضور غالبية نيابية فاقت الأكثرية المطلوبة لانتخاب رئيس للجمهورية حيث طلب الكلام في مقتبل الجلسة قبل الشروع في مناقشة مشروع الموازنة ووفق النظام الداخلي لمجلس النواب الذي يتيح الكلام للنائب قبل بدء المناقشة استناداً الى المادة 59 منه: "لكل من النواب حق التعليق على موضوع الاوراق مرة واحدة شرط ان لا تتعدى مدة الكلام خمس دقائق".

ولدى محاولة ممارسة نائب بيروت هذا الحق قاطعه رئيس المجلس نبيه بري بمنحه الكلام خلال المناقشة، إلا ان خلف أصرّ على الادلاء بكلامه، وفق النظام وقبل البدء بهذه المناقشة مدلياً بدلوه وبموقفه المعارض لعقد جلسة نيابية إلا لانتخاب رئيس للجمهورية. وفي الأثناء اختلط كلامه بكلام رئيس المجلس المُصرّ على موقفه بدوره. وتوجه خلف مرة اخرى بنداء الى جميع الموجودين في المجلس حثّهم فيه على اتمام هذا الاستحقاق . وقال لـ"النهار" إن "هذا ما تقتضيه اولوية الاولويات بانتظام الحياة العامة ومدخلها انتخاب رئيس للجمهورية طبقاً للمادة 74 من الدستور التي تحتم اجتماع المجلس فوراً بحكم القانون لانتخاب رئيس جديد عند خلوّ سدة الرئاسة"، مضيفاً أن "التئام المجلس حظي بحضور وافر من النواب فاق العدد المطلوب لانتخاب هذا الرئيس، وما عدا ذلك تنتفي اولويته، وإلا نكون نتّبع نهجا ترقيعيا لا يحترم الديموقراطية ويخالف الدستور، كذلك مخالفته بعدم المصادقة على قطع الحساب من دون أي اكتراث له، الى عدم احترام فصل السلطات لأن مجلس النواب الذي تتشكل الحكومة من قواه السياسية يقوم بتغطية فشلها، وتتقاذف هاتان السلطتان الادوار بهدف تأدية استمرار نهج المحاصصة ووضع اليد على السلطة. كل ذلك يشكل انقلاباً على الجمهورية". ليستشهد خلف بكلام الفقيه القانوني النائب الراحل حسن الرفاعي "ان عدم الإنتخاب المتعمَّد لرئيسٍ للجمهورية هو انقلاب على الدستور والجمهورية". وما يحصل، بحسبه "انقلاب لا يمكننا إغماض أعيننا عنه لان الدولة ستسقط على رؤوس الجميع ما دام هذا النهج مستمراً. لذا حذّرت في كلامي بالامس وطالبت بإعادة انتظام الحياة العامة وانقاذ الدولة والناس الذين كفروا بالواقع".

في مستهل الجلسة طلب خلف الكلام قانوناً بالنظام لعدم ارادته الدخول في صلب الموضوع المخصص لمشروع الموازنة انطلاقاً من مسلك النائب القانوني والدستوري اللذين يولياه الحق بالادلاء بموقفه والتنبيه الى مضمونه قبل الشروع بموضوع الجلسة، ومفاده وجود مخالفة دستورية في عقدها لغير غاية انتخاب الرئيس بهدف تصويب ما يحصل، لأن الشروع بمناقشة المشروع المطروح مخالف للدستور الذي ينأى بنفسه عن مخالفته.

الرئيس بري المعروف بكياسته في التعامل خلال جلسات المجلس غابت تعليقاته المحببة فيما تابع خلف طرحه بان لا اولوية تتقدم على اولوية انتخاب رئيس للجمهورية، ليبادره رئيس المجلس بإعطائه الكلام خلال مناقشة المشروع، ما رفضه خلف مصراً على الكلام وفق النظام قبل الانصراف الى المناقشة باعتبار انه لن يحضر الجلسة انطلاقا من موقفه المعارض لالتئام الهيئة العامة للمجلس إلا إنفاذاً للمادة 74، وردّ عليه الرئيس بري: "ما رح اعمل منك بطل وطلّعك من القاعة"، ويُسمع صوت نائب في القاعة معلقاً: "ما حدا بيطلع من القاعة"، ليرد خلف بحدة "الشعب اللبناني مَن يطلّعني من القاعة". وغادرها عند الانتهاء من كلامه.

لم يسبق ان وصلت حدة السجال الى التلويح بإخراج نائب من قاعة المجلس إستعمله رئيس المجلس، وهو المتمرس الاكبر بدوره وحدود نظام السلطة التي يترأسها، لثني خلف عن الكلام، ولم يصل مطاف هذا التلويح الى استعماله بكلام مباشر بإخراج من القاعة وفق منطوق المادة 109 من النظام الداخلي حيث يتجاوز هذا الأمر صلاحيات رئيس المجلس باعتبار ان هذه الصلاحية تعود الى المجلس الذي يصدر قراراً بإخراج نائب من القاعة، بحسب مصادر قانونية.