هل تعيد الحكومة الجديدة الحياة للسوق العقارية؟

تتجدد الآمال مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وبدء مشاورات تشكيل الحكومة، بإنقاذ الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من أزمات خانقة. وفي طليعة الملفات الساخنة، يبرز القطاع العقاري الذي يشهد اليوم تحديات معقّدة، وسط تساؤلات محورية: هل يمكن للشباب اللبناني استعادة حقّه في التملّك؟ أم أن الأحلام ستبقى رهينة الغلاء والانهيار المالي؟

بحسب نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان، وليد موسى، فإن السوق العقارية تعيش مرحلة ضبابية غير مسبوقة، نتيجة أزمات متشابكة تتراوح بين الجشع، الفوضى وغياب السياسات الجريئة. ومع الأجواء الإيجابية التي أفرزتها التطورات السياسية الأخيرة، يتساءل موسى عبر "نداء الوطن": "هل يمكن أن نشهد تحولاً حقيقياً في هذا القطاع؟

أرقام لا تعكس الحقيقة

يشير التقرير الاقتصادي الصادر عن بنك عوده للربع الرابع من عام 2024 إلى ارتفاع عمليات البيع العقارية بنسبة 60%. كما كشفت "الدولية للمعلومات" عن ارتفاع المعاملات المسجّلة في الدوائر العقارية من 12,125 معاملة عام 2023 إلى 26,430 معاملة عام 2024. لكن موسى يلفت إلى أن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة السوق، موضحاً أن ارتفاع معدلات البيع يعود إلى تسجيل عمليات عالقة من سنوات الإغلاق أثناء جائحة كورونا وما تبعها، ما جعلها تبدو وكأنها عمليات بيع جديدة لعام 2024.

ويؤكد موسى أن حقيقة البيوعات التي تمت في 2024 كانت "ضعيفة جداً، ليصبح هذا العام من أضعف الأعوام في التاريخ المعاصر للقطاع العقاري، وربما الأضعف على الإطلاق". ولفت إلى أن أسعار العقارات شهدت انخفاضاً كبيراً خلال عام 2019 مقارنةً بالسنوات التي سبقت ذلك العام. إلا أنه منذ عام 2019، بدأت الأسعار بالارتفاع تدريجياً مع توجّه السوق نحو الدولرة وتحسّن الوضع الاقتصادي بشكل نسبي، ما انعكس على القدرة الشرائية للمواطنين وزاد من اهتمام المستثمر اللبناني بالقطاع العقاري. وأوضح أن الأسعار سجّلت ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بعام 2019، خصوصاً في المناطق التي تتمتع بقدرة شرائية قوية واهتمام من الجاليات اللبنانية في الخارج.

أسباب انهيار السوق

ويرى موسى أن التراجع الحاد في القطاع يعود إلى عوامل متشابكة أبرزها:

- عدم انتظام عمل الدوائر العقارية: أثّر ذلك على رغبة المستثمرين الذين واجهوا صعوبة في نقل الملكية، ما جعل العمليات تقتصر على عقود البيع فقط، لا سيما في مناطق مثل جبل لبنان والمتن.

- الأوضاع الأمنية،: مع اندلاع "حرب الإسناد" أواخر 2023 والتصعيد العسكري عام 2024، تقلّصت حركة المغتربين في الصيف وتأثرت السوق سلباً.

- غياب القروض المصرفية: اقتصرت عمليات الشراء على عدد محدود من المغتربين والفئات التي تمتلك سيولة نقدية، لكن هذا لم يكن كافياً لتحريك السوق.

- غياب الاستقرار السياسي: استمرار الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية خلال العام الماضي وعدم تحقيق استقرار سياسي واقتصادي كان له أثر مدمّر على السوق العقارية.

التحديات وفرص الإصلاح

بحسب موسى، لا يمكن لـ "القطاع العقاري أن يزدهر في غياب قطاع مصرفي سليم". وأشار إلى أهمية العلاقة الوطيدة بين القطاعين. وقال إن على نقابة الوسطاء العقاريين "القيام بدور كبير في تصويب المسار من خلال المطالبة بتشريعات عادلة تنظّم السوق وتحدّ من التلاعب بالأسعار".

ودعا موسى إلى إنشاء وزارة للإسكان تتولى وضع سياسات إسكانية طويلة الأمد تتيح للشباب اللبناني امتلاك منازل بأسعار معقولة. أضاف: "إن الأجواء الإيجابية وحدها ليست كافية. بل يجب وضع خطط سكنية شاملة تشمل تنظيم المهن العقارية، وتشجيع استثمار اللبنانيين المقيمين والمغتربين، ومواكبة إعادة الإعمار في المناطق المتضررة".

المغتربون: ثروة يجب استثمارها

وفي السياق نفسه، أوضح موسى أن المغتربين اللبنانيين يمثلون "رافعة اقتصادية ضخمة، لكن استثماراتهم في العقارات غالباً ما كانت تُستغل لرفع الأسعار بدلاً من تنشيط السوق". ودعا إلى "تقديم ضمانات قانونية، عقود شفافة، وحوافز مثل الإعفاءات الضريبية أو برامج الإسكان التعاوني لجذب استثمارات المغتربين بطريقة مستدامة".

نظرة مستقبلية

على الرغم من التحديات الكبيرة، فإن موسى يرى "بارقة أمل" مع تشكيل الحكومة الجديدة. ويقول: "إن الأجواء الإيجابية وحدها ليست كافية. وهناك شروط ومتطلبات يجب تحقيقها، مثل تنظيم المهن العقارية، وتشجيع الاستثمار العقاري للبنانيين المقيمين والمغتربين والأجانب، ووضع سياسات إسكانية تمكّن اللبنانيين من شراء مساكن بأسعار معقولة (Affordable Housing)".

وشدّد أخيراً على ضرورة مواكبة إعادة الإعمار في المناطق المتضررة، وتنظيم هذه الرؤى ضمن خطط سكنية شاملة، بإشراف وزارة إسكانية.

يبدو أن القطاع العقاري في لبنان يقف على مفترق طرق حاسم. فهل ستتمكن الدولة من تقديم الحلول الجريئة لإعادة الاستقرار إلى السوق؟ أم ستبقى الأزمة مستمرة في ظل غياب السياسات الواضحة؟ الإجابة تكمن في القرارات التي ستتخذها الدولة والقطاع الخاص معاً في المرحلة المقبلة.