هل تعيد السياسة الخارجية ترامب إلى البيت الأبيض؟

بحسب تقرير لشركة "يوغوف" لأبحاث السوق نشرته في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، حلت السياسة الخارجية في المرتبة الثامنة من حيث الأهمية لدى الناخبين الأميركيين المسجلين. في سلسلة من الاستطلاعات الحديثة، طلبت "يوغوف" من الناخبين تسمية ثلاثة من أصل ثمانية مواضيع تهم الناخبين، فاختاروا السياسة الخارجية بنسبة 19 في المئة. بين ناخبي المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس، حلت الشؤون الخارجية في المرتبة السابعة (15 في المئة)، بينما حلت بين ناخبي المرشح الجمهوري دونالد ترامب في المرتبة الرابعة (22 في المئة).

تميل هذه الأرقام إلى تأكيد أن الشؤون الخارجية لا تحتل أولوية متقدمة لدى الناخبين الأميركيين، حتى مع اشتعال الحروب في شرق أوروبا والشرق الأوسط، مع العلم أنه في هذا المضمار، يهتم الناخبون أكثر بالحرب في غزة من اهتمامهم بحرب أوكرانيا.

تفصيل دقيق

اللافت في تقرير "يوغوف" أن الناخبين المسجلين يثقون بقدرة ترامب على التعامل مع الأمن الدولي أكثر بقليل من ثقتهم بقدرات هاريس. والتفصيل المفارق أن ناخبي ترامب لا يعرفون كثيراً عن مقترحات هاريس في السياسة الخارجية. وجدت الشركة أن تلك المقترحات تلاقي شعبية أكثر لدى الناخب في المعدل العام. فنحو 75 في المئة من الناخبين يؤيدون خططها لمواصلة العقوبات على روسيا وتقييد صادرات التكنولوجيا إلى الصين والحفاظ على الاتفاقات الدولية.

وما ينظر إليه العالم باعتباره سياسة خارجية أميركية قد يكون مختلفاً عن نظرة الناخبين الأميركيين إليه، بخاصة في موضوع حيوي: الهجرة والحدود. ففي استطلاع لـ"مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" نشرته في 11 من الشهر الحالي، حلت الهجرة على الحدود الأميركية - المكسيكية في المرتبة الأولى ضمن اهتمامات الناخب الأميركي في السياسة الخارجية مع 50 في المئة، تلتها قضية التغير المناخي (40) ثم الحرب بين إسرائيل و"حماس" (35) وبعدها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كما العلاقات الأميركية مع الصين (28 نقطة للمسألتين).

لا تظهر هذه الأرقام الكثير من الفروقات التي يمكن أن تحسم السباق بشكل أو بآخر. فماذا لو تم حصر الموضوع في الولايات المتأرجحة؟

بحسب استطلاع لمعهد "كايتو" الأميركي الشهر الماضي، أعرب ما يزيد بقليل عن نصف المستطلعين في بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن عن قناعتهم بأن الولايات المتحدة "متورطة جداً" في النزاعات العالمية. وقال أكثر من 60 في المئة منهم إن السياسات الحالية لا تضع في الاعتبار مصلحة أميركا أولاً. ولفت نصفهم تقريباً إلى أنهم يميلون إلى عدم انتخاب مرشح لا يمثل تطلعاتهم في السياسة الخارجية. في كل ولاية من الولايات الثلاث، تمتع ترامب بتقدم على منافسته في الثقة بسياسته الخارجية بلغ 4 في المئة.

عن "الخرافة"

في وقت سابق من الشهر الجاري، فنّد الأستاذ المشارك للحوكمة في كلية دارتموث جيفري فريدمان والمحاضر في جامعة لندن أندرو باين "خرافة" أن السياسة الخارجية غير مهمة في الانتخابات. وميّزا في مجلة "فورين أفيرز" بين أن يقدّم المرشحون خطة مفصلة عن رؤيتهم الخارجية من جهة والبروز بمظهر قوة أمام الناخب من جهة أخرى، إذ إن الأخير هو الأكثر أهمية لدى الناخبين.

يرى هؤلاء أن الصلابة والحزم والقدرة الذهنية مهمة في اختيار مرشحيهم. وعد المرشح دوايت أيزنهاور أن "يذهب إلى كوريا" من دون إعطاء مزيد من التفاصيل، فبدا أكثر قوة من منافسه الديموقراطي ألداي ستيفنسون. وأخبر ريتشارد نيكسون الناخبين أن لديه خطة سرية لتحقيق "سلام مشرّف" مع فيتنام. وبالرغم من أنه لم يقدم ما يشير إلى اختلاف جوهري في السياسة عن منافسه الديموقراطي هوبرت همفري، أظهرت الاستطلاعات حينها أن نيكسون بدا أقوى في السياسة الخارجية. حتى بيل كلينتون وعد بإظهار "القيادة الحقيقية" في البوسنة بعكس بوش الأب الذي كان متردداً في الانخراط بالنزاع.

لطالما مثّل إظهار قوة الشخصية عاملاً مهماً في السباقات الانتخابية. حديث ترامب عن أن الحروب لم تكن لتحدث لو ظل رئيساً أميركياً في الأعوام الأربعة الماضية هو محاولة لإثبات قوته الشخصية. تدرك هاريس هذا العامل، لهذا توجهت بالكلام إلى ترامب خلال المناظرة الرئاسية قائلة إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "سيتناولك على الغداء".

هل توصله السياسة الخارجية إلى البيت الأبيض؟

الإجابة صعبة لكن ثمة استطلاعان على الأقل قد يعطيان مؤشراً. ذكر استطلاع في أواسط آب (أغسطس) لـ"معهد الشؤون العالمية" شمل الولايات المتأرجحة أن ترامب يتقدم بثماني نقاط على منافسته لدى سؤال المستطلعين عن القائد الأقوى في السياسة الدولية (على المستوى الوطني، تقدمت هاريس بأربع نقاط).

وفي أوائل أيلول (سبتمبر)، وجد استطلاع لمجلة "إيكونوميست" أنه بينما وصف 52 في المئة المرشحَين بأنهما قويان جداً أو قويان إلى حد ما، قال 56 في المئة من المستقلين الأمر نفسه عن ترامب بينما كان لدى 43 في المئة منهم رأي مماثل عن هاريس.

يبيّن هذان الاستطلاعان تصوّراً عاماً لدى الناخبين مفاده أن ترامب أفضل من هاريس في التعامل مع السياسة الخارجية، ويبدو أن هذا التصور قد يكون سائداً بالتحديد لدى الناخبين الأكثر تأثيراً على الانتخابات. في سباق محتدم كهذا، قد تلعب فعلاً السياسة الخارجية دوراً ما في الجائزة الكبرى.