هل تولد الحكومة الجديد خلال الساعات الـ 48 المقبلة؟

تشكّل الأسابيعُ الثلاثةُ المقبلةُ «فرصة جديدة» لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل والقرار الدولي 1701 بعد «الوقت الإضافي» (على هدنة الستين يوماً) الذي طلبتْه تل أبيب وجَرى التفاهم عليه برعايةِ الدول الحاضِنة لمجمل هذا المسار خصوصاً الولايات المتحدة، قبل أن توافق عليه بيروت على وهج انزلاقِ الوضعِ في الجنوب اللبناني إلى توتراتٍ بدأتْ مع انتهاء «الوقت الأصلي» لمهلة الشهرين (فجر الأحد) وإطلاق سكان عشرات القرى الحدودية «يوميات العودة»، التي تغمّستْ بالدماء، إلى بلداتٍ كانت محظورة عليهم.

 

ورغم أن تمديدَ وقف النار حتى 18 فبراير المقبل، الذي كان البيت الأبيض أول من أعلنه ليل الأحد، قبل أن يؤكد لبنان الرسمي صباح أمس السيرَ به، يُفترض أن يكون وفّر «شبكةَ أمانٍ» للأسابيع الثلاثة المقبلة تَعكس أن اتفاقَ 27 نوفمبر لن يَنهار وأن الأيام الـ 21 الآتية يفترض أن تشهد متابعةً لعملية انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى التي مازال يحتلّها، خصوصاً في القطاع الشرقي من الجنوب، وانتشار الجيش اللبناني في كامل جنوب الليطاني بعد سحْب «حزب الله» إلى شمال النهر، إلا أنّ المَخاوف بقيتْ من أن يتحوّل إصرارُ بيئة الحزب على العودةِ «خارج التوقيت» الجديد للاتفاق باباً لـ «رياح ساخنة» يمكن أن تهبّ من مسرح الدماء المهدورة (سقط الأحد والاثنين ما لا يقلّ عن 25 ضحية و150 جريحاً بينهم نساء وأطفال):

- سواء من «حزب الله» في اتجاه الداخل اللبناني بعدما بات التعاطي مع الاندفاعة الشعبية للعودة على أنها في أحد جوانبها عنصر ضغط منظّم في ملفات سياسية ليس أقلّها تشكيل الحكومة وبيانها الوزاري، ومحاولة لرسْم «خطوط حمر» أمام العهد الجديد، رئيساً للجمهورية (العماد جوزف عون) ورئيساً مكلفاً التأليف (القاضي نواف سلام)، الذي دشّن وصوله مرحلة جديدة في لبنان ما بعد التحولات الجيو – سياسية في المنطقة والتي تكبّد المحور الإيراني الخسائر الأكبر فيها.

 

- أو من إسرائيل التي لا يمكن إسقاط إمكان أن تجعلَ أي «جرعة زائدة» من التوتير المفرط منْفذاً للعودة إلى حربٍ في كنف إدارة الرئيس دونالد ترامب ووفق موازين ما بعد إضعاف حزب الله في حرب الـ 65 يوماً الضارية وما بعد سقوط نظام بشار الأسد في سورية، وربما هروباً إلى الأمام من أزماتٍ آتية على بنيامين نتنياهو بحيث يُعْلي مجدداً صوت «المَدافع» لإكمال «المهمة» على جبهة «حزب الله» الذي لم يسلّم أساساً بأن اتفاق وقف النار يشتمل في مندرجاته على تفكيك بنيته العسكرية في كل لبنان.

 

وفي وقت أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد «التشاور مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري والاتصالات التي جرت مع الجانب الأميركي (...) استمرارَ العمل بموجب تفاهم وقف النار حتى 18 فبراير 2025»، فإنّ أوساطاً سياسية اعتبرتْ أنه وبمعزل عن المَشهدية «الأهلية»، وما وفّرته من قوة دفْعٍ فَرَضَتْ أو عَجّلَتْ انسحاباتٍ إسرائيليةً من بلدات قال خصوم «حزب الله» إنها كانت على «جدول الإخلاء» أساساً خصوصاً في القطاعين الغربي والأوسط، فإنّ التمديد في ذاته شكّل نقطةً لمصلحة تل أبيب التي حقّقت هدفين:

 

- الأوّل الرغبة في استمرار عملياتها في قرى حدودية، رغم أنّها كانت تحبّذ تمديداً لا يقلّ عن شهر، حتى إكمال نسف ما تقول إنه أنفاق وبنى تحتية لـ «حزب الله» في هذه البلدات قبل أن يدخل إليها الجيش اللبناني.

 

- والثاني الحصول على غطاءٍ أميركي وحتى لبناني لبقاء احتلالها، وهو ما سيجعل التحركات الشعبية بحال استمرّت «مكشوفةً» على عكس ما كان عليه الحال يوم الأحد، أي قبل إقرار تمديد الهدنة، وهي المرحلة الانتقالية من اتفاق وقف النار الذي تقع في الأساس الغالبية الساحقة من موجباته على الجانب اللبناني لجهةِ تفكيك البنية العسكرية لـ «حزب الله» بدءاً من جنوب الليطاني ومنْع إعادة تسليحه وضبط المعابر والمرافق الحدودية، ليبقى على عاتق تل أبيب الانسحاب من الأراضي التي احتلّتها خلال الحرب وإعادة الأسرى (أعلن مصدر قريب من «حزب الله» أمس أن إسرائيل أسرت 7 من مقاتليه خلال الحرب وانها اعتقلت أربعة أشخاص في قرى حدودية الأحد خلال محاولة الأهالي دخول بلدات رغم عدم الانسحاب منها) والذهاب الى مفاوضات حول الحدود البرية.

 

ولم يكن عابراً أن البيان الذي أصدره ميقاتي حول هذا التمديد أشار إلى أن القرار جاء «بعد الاطلاع على تقرير لجنة مراقبة التفاهم والتي تعمل على تطبيق القرار 1701»، موضحاً أنه في ضوء ذلك «فإن الحكومة اللبنانية تؤكد الحفاظ على سيادة لبنان وأمنه واستمرار العمل بموجب تفاهم وقف النار حتى 18 فبراير. كما تتابع اللجنة تنفيذ كل بنود تفاهم وقف النار وتطبيق الـ 1701».

 

وتابع أنه «وبناء على طلب الحكومة اللبنانية، ستبدأ الولايات المتحدة مفاوضات لإعادة المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية والذين اعتقلتهم إسرائيل بعد السابع من اكتوبر (2023)»، وهي النقطة التي اعتُبرت بمثابة «تعويضٍ» للبنان عن «تمديد الاحتلال».

 

في موازاة ذلك، أكد الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية «التزام تل أبيب باتفاق وقف النار مع لبنان، مشيراً إلى ضرورة انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني».

 

وأضاف أن «القوات ستبقى على الحدود مع لبنان، بسبب عدم التزام الطرف الآخر بالاتفاق (...) ونرفض إعادة انتشار قوات حزب الله على حدودنا»، وذلك بعدما كان الناطق افيخاي ادرعي أعلن أن «الجيش أعاد انتشاره في الفترة الأخيرة في مواقع مختلفة من جنوب لبنان، عملاً ووفقاً لاتفاق وقف النار وذلك بهدف تمكين انتشار فعال للجيش اللبناني تدريجاً، وتفكيك وإبعاد حزب الله بعناصره وبنيته التحتية، من جنوب لبنان».

 

وأوضح «ان تنفيذ الاتفاق يتواصل حيث تتم عملية الانتشار بشكل تدريجي وفي بعض المناطق تتأجل وتحتاج إلى مزيد من الوقت وذلك لضمان عدم تمكين حزب الله من اعادة ترسيخ قوته ميدانياً».

 

إفراط إسرائيلي

 

وإذ رصد إعلاميون، إفراطاً إسرائيلياً في التصدي لمواطنين حاولوا دخول بلداتٍ «ممنوعة» عليهم بإطلاق الرصاص سريعاً، في مؤشّرٍ إلى استقواء إضافي بتمديد مهلة الـ 60 يوماً، شككت أوساط على خصومة مع الحزب في مناخاتٍ تحدّثت عن أن الحزب أبلغ مَن يعنيهم الأمر أنه لا يُشارك في أي اتصالات داخلية أو خارجية بخصوص تمديد مهلة الـ 60 يوماً وأنه متمسِّك بنصّ الاتفاق وضرورة الانسحاب الإسرائيلي دون أي تأخير، معتبرة أن ذلك سيعني سحب التفويض المعطى لـ «الأخ الأكبر» بري بالتفاوض عن الثنائي في ملف الحرب كما العناوين الداخلية وأن أي إصرارٍ على التفلّت من موجبات التمديد ولو بحِراكٍ شعبي ينطوي على رسائل بعدم الثقة بقدرة دول الرعاية لاتفاق وقف النار على إلزام إسرائيل به سيُفسَّر على أنه «سحب للثقة» من بري.

 

«بنك أهداف»

 

وترى هذه الأوساط في الوقت نفسه أن ثمة «بنك أهداف» بات واضحاً لـ «مشهديةَ العودة» بدءاً من الأحد، والتي وصفها حزب «القوات اللبنانية» بأنها «فيلم هوليوودي ويا للأسف بدماء الجنوبيين»أراده الحزب لتصوير «أنّ الأهالي أخرجوا بالقوة إسرائيل فيما جيشها لم ينسحب سوى من القرى التي كان قرر الانسحاب منها، وليقول إنّ منطق ما يسمى المقاومة مازال مستمراً رغم أنّه هو أصلا من أدخل إسرائيل الى الجنوب (...)»، ومن أبرز هذه الأهداف التي عزّزها مشهد «غزوة» الدراجات النارية ليل الأحد لمناطق عدة في بيروت ومحيطها وبينها مناطق ذات غالبية مسيحية مثل الجميزة وعين الرمانة وبرج حمود:

 

- إحياء سردية «الجيش والشعب والمقاومة»، مستفيداً من مواكبة الجيش اللبناني للأهالي وتقدُّمه صفوف العائدين بعد فتْح الطريق لهم في أكثر من بلدة دخلها أمس للمرة الأولى، ومن فَرْضِ المرجعية الشرعية التي تمثّلها المؤسسة العسكرية نفسها كقوةٍ أُجبرت إسرائيل المحتلّة على احترامها، على عكس أي وجود مسلّح خارج الشرعية.

 

وإذ أشاع البعض أن هذه السردية يُراد أن تكون في صلب البيان الوزاري للحكومة العتيدة «أو لا حكومة»، اعتبرت دوائر متابعة أن هذا الأمر لم يعد متاحاً في هذا الشكل في ضوء إدراك الجميع بأن مثل هذه المعادلة تعني زرع «عبوة ناسفة» في مجمل المسار الجديد الذي يرعاه الخارج والذي يشكل محكاً رئيسياً فيه استيلاد الحكومة والتركيبة التي سترسو عليها وبيانها الوزاري المستمد من روحية اتفاق وقف النار والقرار 1701 واتفاق الطائف في ما خص سلاح «حزب الله».

 

المُعادلة

 

وفيما توّج الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في كلمته مساء أمس «عودة» إعلاء معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، سبقه نائب الحزب ابراهيم الموسوي الذي قال «هذا شعبنا يفرض في الجنوب معادلة الجيش والشعب والمقاومة، رضي من رضي، أو أبى من أبى، وان لم يسطروها في البيان الوزاري، فقد سُطرت من خلال الزحف الشعبي».

 

- توجيه رسالة إلى العهد الجديد، وإلى مجمل خصوم الحزب بأن الخسارة التي يَفترضون أنه تعرّض لها في الحرب غير قابلة للتسييل في اللعبة الداخلية حيث يَحتفظ الحزب بعناصر القوة الشعبية والقدرة على استنهاض بيئته في الاتجاهات التي تخدم مقتضيات المرحلة، وسط اعتقادٍ بأن الرسالة الأكبر الى جانب البُعد السيادي لخطاب القسَم للرئيس عون وكلمة الرئيس سلام بعد تكليفه تتصل بمسار التأليف وإصرار الثنائي الشيعي على حقيبة المال من حصته وتمثيله في الشكل الذي يُبقى اليد العليا له في التسمية.

 

على أن ثمة مَن يرى الحزب الذي تعوّد قبل «حرب لبنان الثالثة» أن يؤثّر ويدير مجريات الواقع الداخلي في محطاتٍ بـ«وهج السلاح»- ومن دون حتى استخدامه - أو بـ «الضغط على الزناد» في بعض المراحل، عبّر من خلال مسيرات الدراجات النارية والتي تسببت ببعض الاحتكاكات في عدد من المناطق في ضوء شعارات رُفعت خلالها وإطلاق رصاص رافَقَها، عن انتكاسةٍ في قدرته على تغيير مجريات الأحداث ومحاولته استعادة توازن كُسر في امتداده الإقليمي وذلك من خلال حركات محلية أقرب إلى «قنابل صوتية».

 

استفزازات

 

وفي حين تدعو الأوساط التي هي على خصومة مع الحزب الى انتظار ما إذا كان سيتم في اليومين المقبلين إصدار مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، وفق ما شاع أمس، وكيف ستكون تركيبتها، توقفت عند بيان الجيش اللبناني الذي أعلن أنه «على خلفية قيام بعض المواطنين الذين يستقلون دراجات نارية ويرفعون أعلاماً حزبية بمسيرات في عدد من المناطق اللبنانية ليل الأحد، تخلّلها إطلاق نار واستفزازات ما يؤدي إلى تهديد السلم الأهلي، سيّرت وحدات من الجيش دوريات لمنع الأعمال المخلّة بالأمن والاستقرار، وأوقفت عدة أشخاص، فيما تستمر ملاحقة بقية المتورطين»، داعياً "المواطنين إلى التحلي بالمسؤولية، والتصرف بحكمة حفاظاً على الوحدة الوطنية والعيش المشترك».