المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الثلاثاء 17 أيلول 2024 07:56:00
صباح اليوم التالي لانفجار مرفأ بيروت آب 2020، وبعد وعي حقيقة ما لحق من دمار وخراب بأهراء القمح، التي امتصت وفق خبراء المتفجرات نحو 70% من عصف الانفجار، منقذةً بمتانتها وصلابة هندستها، بيروت وأهلها من توسّع الموت والخراب، ساد السؤال البديهي: أين سيُخزَّن القمح؟ فيما لبنان لا يملك أهراءً بديلة، أو صوامع صالحة للتخزين الموقت، ريثما يعاد بناء الأهراء المركزية.
لم تعدم الدولة الحيلة، وتعاونت وقتذاك مع المطاحن الكبرى لتخزين القمح المستورد في مخازن الأخيرة دون كلفة، وأثمر هذا التعاون المستمر حتى اليوم، استقراراً في سوق الخبز، وديمومة في تأمين أكثر السلع الاستهلاكية ضرورةً وحساسية اجتماعية.
وفيما الحل الذي اعتُمد منذ نحو 5 سنوات، لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، يحتاج الواقع إلى مبادرة جدية، تعيد بناء أهراء مركزية جديدة في مرفأ بيروت في أسرع وقت، أو تفريع التخزين، كما اقترح البعض، إلى أهراء عدة، تُبنى بالقرب من مرافئ المدن الساحلية، تسهيلاً لرسوّ بواخر الشحن.
بيد أن ما سبق يحتاج إنجازه إلى سنوات وربما أكثر، في ظل تعاظم الأزمة الاقتصادية والسياسية، وغياب التمويل، في وقت تحتاج فيه البلاد بصورة طارئة إلى صوامع، يُخزن فيها نحو 100 ألف طن متري من القمح المنتج محلياً، من أصل 500 إلى 600 ألف طن متري، يحتاج إليها ويستوردها لبنان سنوياً، من دول مثل أوكرانيا (80%) وروسيا (15%)، وفق دراسة أعدّها برنامج الأغذية العالمي.
وبناءً على ذلك، يحاول وزير الزراعة عباس الحاج حسن، الدفع باتجاه بناء صوامع تخزين مناطقية للقمح، تابعة لوزارة الزراعة، تكون مخصصة لتخزين الإنتاج المحلي فقط، قريبة من حقول الإنتاج، تتوافر فيها جميع الشروط الصحية والبيئية ومسارات النقل والتفريغ، وتُبنى على مساحات عقارية تملكها الدولة، محاذية لمواقع أو ثكن الجيش اللبناني لضرورات الأمن والحماية.
هذه الخطوة الوليدة، التي نال الوزير موافقة مجلس الوزراء عليها، لا تزال بحاجة إلى المزيد من المتابعة، والبحث عن مصادر التمويل، والتوافق على مواقعها الجغرافية. بيد أن "دولتنا ومنعرفها" ونعرف مسبقاً أن المشروع سيدخل حتماً، في بازار من المزيدات السياسية، والمحاصصات المناطقية والطائفية المعتادة، قبل ولادته القيصرية.
خطوة وزارة الزراعة، إذا قُيّضت لها الحياة، ستعود بالفائدة المباشرة على مزارعي القمح، بعد تفعيل الدولة مجدداً شراء حصادهم ذي الجودة التي تفوق القمح المستورد، أو تصديره إلى الخارج. وفي كلتا الحالتين، سيتحقق ربح ووفر ليسا بقليلين من العملة الصعبة التي يسدَّد بها سعر القمح المستورد.
ومع وجود مساحات كافية لتخزين القمح، سيبادر المزارعون إلى زيادة إنتاجهم، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار القمح عالمياً، بالإضافة إلى وجود مساحات صالحة لزراعته موزعة بشكل أساسي في مناطق البقاعين الأوسط والشمالي وعكار والضنية. وتقدر المساحات المشار إليها بنحو 300 ألف دونم، قادرة على إنتاج 250 ألف طن سنوياً، بما يعادل نصف حاجة السوق المحلية سنوياً، علماً بأن المساحة الإجمالية المزروعة بالقمح في لبنان كانت نحو 45,000 هكتار في 2022، فيما طموح الوزارة زراعة نحو 300 ألف هكتار من القمح بنوعيه الطريّ والقاسي إضافة الى الشعير خصوصاً أنه تتوافر مساحات شاسعة يمكن استثمارها في هذا الإطار.
يحتاج الواقع الاقتصادي المتردّي إلى مبادرة للنهوض بقطاع يستنزف مئات ملايين الدولارات من احتياطي مصرف لبنان، وميزان المدفوعات، خصوصاً بعد وقف البنك الدولي دعم إنتاج الرغيف، والارتفاع المتوقع لسعر الخبز بنحو 30%، وفق دراسة WFP بدءاً من منتصف أيلول الجاري.
ولكن، هل إنشاء صوامع قمح أفقية سيكون بديلاً من أهراء المرفأ؟
الحاج حسن يؤكد لـ"النهار" أن هذه الصوامع ستكون تابعة لوزارة الزراعة وهي حتماً ليست بديلاً من أهراء المرفأ التي لا يمكن الاستغناء عنها للتخزين الاستراتيجي للقمح بنوعيه الطري والقاسي إضافة الى الشعير. وتنحصر وجهة الصوامع الأفقية بتخزين المحصول المحلي المكدس الذي ستتعاون الوزارة مع المزارعين على إنتاجه"، موضحاً أن الفكرة هي خلاصة التعاون بين وزارة الزراعة ودول الجوار، وقد "انطلقت من زيارتي الأخيرة للأردن حيث عاينت ميدانياً صوامع القمح الأفقية التي تتميّز بتقنيات حديثة".
وفيما تبدي وزارة الزراعة استعدادها لبناء صوامع تخزين أفقية، في أراضٍ تابعة لها، دون تحميل الخزينة أي أعباء، والتوجه لتأمين التمويل من المنظمات أو الجهات الدولية المانحة، فإن السؤال: من سيموّل المشروع؟ وأين ستُبنى؟
يكشف الحاج حسن أن برنامج الأغذية العالمي (WFP) ساعد وزارة الزراعة في إعداد دراسة حول إنشاء "صوامع قمح أفقية" وهو على استعداد لتسويق المشروع عند الجهات المانحة وفي مقدمهم الأمم المتحدة، مشيراً الى أنه سيبدأ التواصل مع نائب المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران رضا للبحث في التمويل. ولم ينس الحاج حسن شركاء لبنان في زراعة القمح، وهم كثر مثل "الفاو" والـUNDP و"أكساد" والمنظمة العربية للتنمية الزراعية، ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، بالإضافة الى الجيش الذي تكفل بحماية الصوامع والقمح من أي اعتداءات أو سرقة.
ماذا عن الكلفة وفي أي مناطق يفترض بناؤها؟ يشير الحاج حسن إلى أن "الكلفة الإجمالية لبناء صوامع أفقية لتخزين 100 ألف طن نحو مليونين و400 ألف دولار، فيما لبنان يخزن نحو 200 ألف طن من القمح في أهراء المرفأ، وتالياً فإن تكلفة بناء أهراء عمودية بين 35 الى 40 مليون دولار. أما المناطق التي يُفترض بناء الصوامع فيها، فهي المناطق الجافة، حيث المساحات المسطحة التي تُزرع بالقمح مثل البقاعين الأوسط والشمالي وعكار والضنية.
ووفق دراسة برنامج الأغذية العالمي، يعتمد خط أنابيب حبوب القمح حصرياً على القطاع التجاري في عمليات الاستحواذ والشحن والنقل والتخزين من خلال 11 مطحنة مسجّلة، تعمل 6 مطاحن رئيسية منها كمستوردين/مشترين للسوق بأكمله. ونظراً للاعتماد على استيراد القمح، فإن تخزين كميات كبيرة من الحبوب واحتياطيها في لبنان من شأنه أن يوفر للحكومة الفرصة للتخفيف من الصدمات الناجمة عن عوامل خارجية أو داخلية، وتالياً المساعدة في توفير الاستقرار من حيث توافر القمح وأسعاره.
وتشير الدراسة الى أهمية إنشاء الصوامع على خلفية "أن إمكان التعرض لمخاطر صدمات سلسلة توريد القمح مرتفع للغاية، فيما تنبع الصدمة الخارجية الرئيسية من عدم الاستقرار والصراع في منطقة البحر الأسود". ونتيجة لذلك فإن القيود غير المتوقعة في التوافر والوصول والسعر يمكن أن تقيّد الواردات إلى لبنان. أما على المستوى المحلي/الإقليمي، فيمكن أن يتصاعد الوضع الأمني السائد في لبنان والدول المجاورة بسرعة بما يؤدي إلى اضطرابات وحصار مفاجئ في الممرات البحرية في لبنان".
ووفق الدراسة فإن الخيار المفضل للبنان هو تخزين القبو بسعة إجمالية إرشادية قدرها 100 ألف طن متري أي ما يعادل احتياجات 3 أشهر من الحبوب للخبز العربي فقط، موضحة أن "خيار تخزين القبو يُعَدّ مثالياً ليس فقط لفعاليته من حيث التكلفة، ولكن أيضاً لتحقيقه العملي والأسهل مقارنة بخيار صومعة الأسمنت".
أما الإطار الزمني المطلوب لتسليم المشروع فيتطلب بين 6 إلى 9 أشهر.