هل سيكون ممكنًا فرملة المنحى "اللاهب" للانهيار قبل الارتطام المروّع؟

يشكل الأسبوع الطالع اختباراً حقيقياً لمدى إدراكِ السلطات اللبنانية المخاطر الكبرى المترتّبة على ترْك الانهياراتِ المالية والسياسية «تجرف» ما تبقى من «مَنافذ» ضيّقة لإخراج البلاد «قبل فوات الأوان» من القعر الذي مازالت «تتدحرج» صوبه منذ نحو 3 أعوام.
ولم يتطلّب الأمر كثير عناءٍ لتبيان أن «الموجةَ العنفية» غير المسبوقة التي أطلت برأسها الأسبوع الماضي واستهدفت مَصارف مترافقةً مع تسخين الشارع باحتجاجاتٍ على وقع الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، ما هي إلا «بروفة» لِما يكمن للبنان على مفترق مأزقِ الانتخابات الرئاسية التي باتت واقعياً أشبه بـ «تقاطع طرق» للأزمة المالية وأخواتها والصراع السياسي الكبير المفتوح منذ 2005.
وتعاطتْ بيروت باهتمامٍ بالغ مع «جرس الإنذار» الذي شكّله تحذيرُ الكويت لرعاياها في لبنان بـ «ضرورة أخذ الحيطة والحذر في تنقلاتهم والابتعاد عن مواقع الاحتجاجات والاضطرابات الأمنية في عدد من المناطق اللبنانية والالتزام والتقيد بالتعليمات الصادرة عن السلطات الرسمية المختصة»، وسط خشيةٍ من أن يكون هذا التطور «تحذيراً سبّاقاً» وفاتحةً لمواقف مماثلة من دول خليجية وربما غربية أخرى ربْطاً بما شهده الشارع في الأيام الماضية وتسود مخاوف من أن يُستكمل هذا الأسبوع الذي يضرب موعداً مع أكثر من تَحرُّك نقابي في غمرة تَمَدُّد «الثقب الأسود» المالي والنقدي مُنْذِراً بابتلاع بقايا «صمامات الأمان» في الواقع اللبناني.
ولم تساهم المناخاتُ الداخلية التي واكبتْ «التمرين الساخن» في الشارع في تبريد القلق من الآتي، بعدما أعطى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله توصيفاً «ماكرو» لِما يشهده لبنان يرتكز على اتهام واشنطن بفرْض حصار عليه ومحذّراً إياها من جرّ «بلاد الأرز» إلى الفوضى من خلال الأزمة الاقتصادية لأن ذلك «سيؤدي لامتداد هذه الفوضى إلى كل المنطقة، وسنمدّ يدنا لمَن يؤلمهم حتى لو أدى ذلك إلى الحرب مع إسرائيل».
وفي المقابل كانت مقاربة «ميكرو» لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن المركزي (الجمعة) إذ لم يتوانَ عن القول تعليقاً على ما حصل من اعتداءات وأعمال حرق أمام فروع عدد من المصارف «وكأن هناك فقسة زر»، معلناً «من خلال متابعتي ما جرى سألتُ نفسي هل فعلاً هؤلاء هم مِن المودعين أم أنّ هناك إيعازاً ما من مكان ما للقيام بما حصل؟».
وبين هذين الحدّيْن يضيف خصومُ «حزب الله» المحليون إلى «المسرح السياسي» لـ «التحميةِ» في الشارع محاولةَ إعدادِ الأرضية لِما يشبه «الجلْب السياسي» للجميع إلى خيار سليمان فرنجية الرئاسي، وسط توقف هؤلاء عند اقتراب الحزب من إعلان ترشيحه وفق ما عبّر عنه كلام رئيس كتلة نوابه محمد رعد عن «أننا لم نفصح عن مرشّحنا، ولكن لدينا مَن نرغب في أن يكون رئيساً، ونريد أن نطرحه لإقناع الآخرين به»، مؤكداً «هناك شوط قطعناه في ما يتعلّق بانتخاب الرئيس، ومازلنا ننتظر أن تتفتّح العقول».
وإذا كانت هذه القراءات المتباينة لِما يجري «ميدانياً» تتقاطع في النتيجة عند أن ثمة «استثماراً»، يُخشى أن يتحوّل متعدد الاتجاه، لـ «برميل البارود» المالي - المعيشي بهدف «توجيه عصْفه» نحو استحقاق دستوري أو للإمعان في تسديد ضربات «كاسرة للتوازنات» الداخلية، فإن الساعات المقبلة تكتسب أهمية كبرى لجهة تحديد هل سيكون ممكناً فرْملة المنحى «اللاهب» للانهيار الذي يقرّب البلاد بسرعة تصاعدية من الارتطام المروع، أم أن ما كُتب قد كُتب على صعيد اعتماد سياسة «الأرض المحروقة» في سياق تسعير «التدافع الخشن» على تخوم المكاسرة السياسية بشقّيها الداخلي والخارجي.

من هنا تتّجه الأنظار لِما إذا كانت السلطاتُ المعنية ستنجح في معاودة الإمساك ولو «بالخيط الرفيع» الذي مازال يحول دون «الانفلات الجهنّمي» للدولار الأسود، بعدما بات الواقع النقدي عالقاً بين «فكّي كماشة» الإضراب المفتوح الجزئي للمصارف اعتراضاً على أحكام قضائية بحق بعضها وما تعتبره «استدعاءات تعسفية» لبعضها الآخر بشبهات تبييض أموال وإلزامها بمخالفة قانون السرية المصرفية، وضيق هامش المناورة أمام مصرف لبنان للتدخّل في السوق بعدما تضاءلتْ الأدوات التي يملكها وصار كل ضخٍّ لـ «بقايا الاحتياطي» من العملة الخضراء يتم «شفطه» من «غيلان الصيارفة» ولا يكفي كإبرة تخدير بالكاد تدوم صلاحيتها أسبوعاً أو اثنين.
وبأي حال ما شهدْته الأيام الماضية أكد التلازم بين أي تدخل مفترض في السوق جرى الترويج لأن «المركزي» يعدّ له وبين عودة القطاع المصرفي عن إضرابه المفتوح.