المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: طوني جبران
الأحد 20 نيسان 2025 13:01:36
عبرت مراجع سياسية وديبلوماسية عن جملة من المخاوف التي توحي بأن الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم انه وفي خطابه الاخير - الذي لم يحمل اي مناسبة لبنانية داخلية - لم يلامس الخطوط الحمر فحسب، انما تجاوزها على اكثر من مستوى، ولا سيما ما بلغته المعالجات الجارية لتحديد الآلية الواجب اعتمادها ليتخلص الحزب من سلاحه، ذلك ان النقاش في مصيره لم يعد مطروحا بعدما دخلت المفاوضات في اطر البحث عن آلية تنفيذ مثل هذا القرار والمواعيد المحتملة بعدما اعتبر رئيس الجمهورية ان العام 2025 سيكون عام طي الحديث عن مثل هذا السلاح.
وقبل الدخول في حجم ونوعية الخطوط الحمر التي تجاوزها خطاب قاسم مساء يوم الجمعة الماضي، لا بد من لفت النظر الى مسألة مهمة تتعلق في الشكل، ذلك أنه من المسموح لعدد من نواب "كتلة الوفاء للمقاومة" او من القياديين الحزبيين سواء كانوا من رؤساء الاجهزة واصحاب المهام الخاصة في الحزب او في عضوية المجلس السياسي فيه ان يعبروا عن مواقف مختلفة وان جاءت متناقضة، وبلهجة عالية تحاكي شكل ومضمون ونوعية المناسبات الحزبية التي تفرض خطابا "نهضويا" او "شعبويا" لمراعاة مشاعر البيئة الحاضنة المنكوبة في الحزب. ويمكنهم ان يتجاوزوا فيه السقوف التي بلغتها المفاوضات الداخلية والمواقف الدولية بشأن مصير السلاح غير الشرعي، إما ان يتجاوزها اكبر المسؤولين في الحزب ورأس الهرم الحزبي فيه اي امينه العام، فتلك مسألة اخرى لها حسابات مختلفة في الداخل والخارج في الحاضر كما في المستقبل وتترتب عليها مسؤوليات اخرى اقل ما يقال فيها أنها من الأخطاء الجسام التي لا يجوز ان ترتكب.
وعلى هذه الخلفيات، تعتقد المراجع السياسية والحزبية في قراءتها للواقع القائم على الساحة الشيعية تحديدا والوطنية عامة، عبر "المركزية" أنها لم تفاجأ بمواقف بعض المنظرين من اصحاب الرؤوس الحامية الذين يدورون في فلك المقاومة وما كان يسمى بــ "محور الممانعة" ولا يتحملون في الحزب اي مسؤولية مباشرة او غير مباشرة الذين يرفعون من منسوب التوتر بخطاب او بكلمات خارج ما هو مطروح من بحث في الاندية الداخلية والخارجية، ولا بمواقف بعض الاعلاميين والمسؤولين الحزبيين الذين عادوا الى الحياة اليومية العلنية بعد اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله مهما بالغت في التحدي واطلاق الاتهامات يمينا وشمالا وفي الداخل كما في الخارج. ولكن عندما يتوقفون أمام مواقف الأمين العام الجديد للحزب تتبدل الآراء وتقاس المواقف بميزان مختلف.
وتضيف هذه المراجع، عندما يصل الامر الى ابداء الرأي في موقف من على هذا المستوى، فهو المؤتمن على حصيلة المفاوضات الاخيرة بعدما فوض "الاخ الاكبر" الرئيس نبيه بري بإبرام التفاهمات التي تم التوصل إليها. وهو يعرف ما انتهت إليه مع الجانب الاميركي والوسطاء الغربيين والعرب، وما فرض من شروط ألقيت مسؤولية تنفيذها على عاتق الحزب الذي أطلق الحرب تحت شعار "الإلهاء والإسناد" ولا يمكنه التنكر لها مهما كانت العقبات التي تمنعه من الاعتراف بمثل هذه الحقائق.
وعليه: لم تكتف المراجع بالتذكير بهذه الملاحظات فقرأت في مواقفه ليل الجمعة الماضية خروجا على كل ما تم التوصل اليه في حينه وما رافق سلسلة الاتصالات التي أجراها رئيس الجمهورية مع رئيسي مجلس النواب والحكومة وقيادة الحزب بالوسائل المعتمدة لترجمة القرار المتخذ بتسهيل وضع الجيش و"اليونيفيل" يدها على مواقع الحزب في جنوبي الليطاني وبجمع السلاح وتفكيك مصانعه على مساحة لبنان فخرج بذلك على مجموعة الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها بسهولة.
وأضافت المراجع ان الحكومة لم تنطلق في مناقشاتها حول مصير السلاح غير الشرعي في آخر جلسة لها يوم الخميس الماضي بمشاركة قائد الجيش العماد رودولف هيكل من فراغ. لا بل فهي تترجم قرارا اتخذ بحصر قرار مصير السلاح برئيس الجمهورية ولا حاجة لطاولة حوار مستديرة ولا مستطيلة ولا على شكل"U" فالقرار واضح وصريح ولم يعد هناك نقاش في مصير السلاح ولا الإحتفاظ به بأيد غير شرعية وخارج ما يمكن ان تسيطر عليه الدولة ومؤسساتها العسكرية والامنية؟
ولذلك تختم المراجع لتقول إن النظر الى مواقف الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم وإصراره على الاحتفاظ بسلاح انهى مظاهر الحياة اليومية في الجنوب ودمر ما دمره من المنشآت السكنية والانمائية المختلفة وانهى ما نعمت به المنطقة من أمن واستقرار طيلة السنوات الفاصلة عن حرب العام 2006 وما بنته الهبات والقروض الخارجية، لا شك في انه وبالاضافة الى تسخيره في المفاوضات الاميركية - الايرانية حول ملفها النووي إن كان له مكان في ورقة من اوراقها، فهو محاولة لتسويق مثل هذا القرار وتسييله في السياسة الداخلية والسعي الى تثمينه بما يمكن الحصول عليه في الداخل من مكتسبات واثمان سياسية لم يعد لها اي سوق للمناقشة. فالظروف تبدلت وانتهت مرحلة الاستقواء به بعدما دفع اللبنانيون ثمنه مسبقا من أرزاقهم ومالهم وارواحهم ولم يعد أمرا ممكنا على الإطلاق ونقطة على السطر.