المصدر: النهار
الكاتب: عباس صباغ
الجمعة 26 كانون الثاني 2024 07:17:17
دعوة جديدة للاضراب في الادارة العامة وجّهها "تجمّع موظفي الادارة العامة" بدءا من الاثنين المقبل للمطالبة بتصحيح الرواتب ورفعها الى ما لا يقل عن 600 دولار شهرياً. فهل سيلتزم الموظفون بعد عودتهم من اضراب استمر أكثر من سنة؟
لم يتضمن مشروع موازنة 2024 تصحيحاً للرواتب والاجور بما يتناسب مع مطالب الموظفين والمتقاعدين حيث يتم التحضير لتحرك لافت في الايام المقبلة.
فالدعوة للاضراب تزامنت مع مناقشة مجلس النواب مشروع قانون الموازنة وجاءت بعد ايام من اعلان وزارة المال عودة العمل في امانات السجل العقاري لإنجاز المعاملات المكدسة، وهي بعشرات الآلاف، فيما سُجل تحرك خجول امام مدخل البرلمان الثلثاء الفائت ولم يُستكمل بعده لاسباب عدة. والسؤال: هل دعت رابطة موظفي الادارة العامة للاضراب؟
رئيسة الرابطة نوال نصر اكدت لـ"النهار" ان "لا دعوة للاضراب المفتوح الاثنين المقبل، والرابطة سيكون لها موقف مما يجري على صعيد الحقوق وكيف ستتعاطى الحكومة معها".
وجددت الرابطة موقفها الرافض لتمادي الحكومة في اهمال حقوق الموظفين. وسبق لها ان اوقفت تمديد الاضراب في 13 تشرين الاول عام 2023 افساحاً في المجال لمزيد من الواردات للخزينة العامة.
كذلك سبق للرابطة ان بدأت سلسلة اضرابات بدءاً من العام 2021، ومن ثم كسرت الحكومة الاضراب بقضية الانتاجية، وعندها عاد الموظفون الى العمل ولكن ليس لتقبّلهم ما اقرته الحكومة من زيادة لجهة الانتاجية.
وللحصول على بدل الانتاجية، يتعين على الموظف الحضور 20 يوماً، وفي حال حضوره 19 يوماً لا يحصل على أي شيء، وهذا شرط تعسفي في استعمال السلطة ومخالفة للدستور والقانون، ما يجعل الموظف يعمل "سخرة"، ومَن اعطاهم الحق بأن يحسموا الـ19 يوماً في حال تغيّبه يوما واحدا؟
ويأخذ الموظفون عدم اثارة قضيتهم خلال مناقشة الموازنة. أما الحديث عن ترشيق القطاع العام فبات امراً مموجاً في ظل الشغور في الادارة العامة والذي وصل الى 80 في المئة في مختلف الفئات، وكيف يمكن الترشيق في ظل هذا النقص؟
الى ذلك، ثمة موظفون بمسمّيات مختلفة تعاقدت معهم الادارة في مختلف الوزارات. وفي الحديث عن التخمة لماذا هذا التعاقد غير المبني على أي دراسة ولا يخضع لأي رقابة؟ وهناك رواتب عالية لهؤلاء بعضها بالدولار، فيما يصار الى اهمال الموظفين الذين التحقوا بوظائفهم من خلال الاصول المتبعة.
ومعلوم ان هناك 32 مليون دولار فوّض الى وزير المال اقتراضها من البنك الدولي لاعادة تقييم الاوضاع في الوظائف العامة، وسيعمل في هذا المجال 500 موظف وتكون حصة كل منهم 64 الف دولار، وهذا الامر ليس سوى هدر ويصل الى حد السرقة، لان الموظفين يستطيعون القيام بوظائفهم عندما يتم انصافهم.
ولا تزال مسألة التوظيفات السياسية من أكثر مزاريب الهدر.
"مضاعفة الرواتب فاقمت الازمة"
اقرت الحكومة زيادة الرواتب وفق معادلة تقضي بزيادتها بحسب الفئات. فسائقٌ في ادارة تابعة لوزارة معيّنة يصل راتبه الى 6 ملايين ليرة قبل الزيادة، أي ما يفوق راتب مدير عام في الادارة العامة، وهذا الامر فيه ظلم لموظفي الادارة العامة.
لقد حوّلت الحكومة بقراراتها الموظفين من محدودي الدخل الى معدومي الدخل. وهناك امثلة على الوضع المزري الذي وصلت اليه حال الموظفين الذين يلجأ الكثير منهم الى جمعيات خيرية للحصول على وجبات طعام.
في المقابل، هناك موظفون يجنون اموالاً طائلة من الرشى، وهذا يتطلب تفعيل اجهزة الرقابة وضرورة محاسبة المرتشين حصراً وليس ظلم كل الموظفين ودفعهم الى الاحتيال والرشوة.
ويؤكد النقابي محمد قاسم لـ"النهار" ان الزيادات على الرواتب يجب ان توازي الكلفة الحقيقية للمعيشة، بمعنى تصحيح الرواتب لجميع العاملين في القطاع العام والاسلاك العسكرية والمتقاعدين. ويلفت الى انه "يجب ان تصبح الاجور والرواتب متناسبة مع ما كانت قيمتها عام 2019 لانه على سبيل المثال في حال تم تصحيح رواتب الفئة الخامسة بنسبة 16 ضعفاً، وينسحب ذلك على الفئات الوظيفية الاخرى، عندها تصبح قيمة الراتب ما يوازي فقط 40 في المئة من قيمته عام 2019، والامر يصبح اكثر سوءاً لدى المتقاعدين لان راتبهم سيكون اقل من 14 في المئة من قيمته في ذلك العام".
ويوضح قاسم ان "الحكومة عوض ان تعالج ازمة الموظفين والمتقاعدين على مختلف تسمياتهم بتصحيح رواتبهم ومعاشاتهم التقاعدية وفق مؤشر الغلاء وارتفاع الاسعار والتضخم، فإنها تنتهج سياسة الهروب الى الامام وعدم التصدي لازمة حقيقية تتطلب معالجة موضوعية وعادلة تخفف تداعيات الارتفاع الجنوني للاسعار والخدمات". واكد ان تحركات ضاغطة ستنطلق لمواكبة جلسات مجلس الوزراء وصولاً الى تحقيق مطلب تصحيح الرواتب والاجور على نحو يتناسب مع غلاء المعيشة.
وبالعودة للدعوة الى الاضراب، فإن مدى جدية ذلك التحرك سيظهر يوم الاثنين مع ترجيحات بأن لا يكون الالتزام به لافتاً، فيما يضع متابعون لاوضاع الادارة العامة تلك الدعوة في سياق مغاير للاهداف المرجوة من التحرك.