المصدر: الوكالة المركزية
الكاتب: طوني جبران
الاثنين 31 آذار 2025 11:47:39
لم يشكل جديدا كلام رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو عن "تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية كل ما يحدث على أراضيها"، وانه "وجه الجيش بالتحرك بقوة في لبنان"، ولا تهديد وزير دفاعه يسرائيل كاتس بـ "قصف العاصمة اللبنانية بيروت، ردًا على استهداف مستوطنة المطلة" على خلفية "تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية الهجمات الصاروخية من أراضيها"، ولا قول رئيس أركان الجيش الاسرائيلي إيال زامير إن "لبنان يتحمل مسؤولية الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار". ذلك ان الحكومة اللبنانية ومنذ ان وافقت في 27 تشرين الثاني 2024، تحملت عبء الفشل الذي انتهت اليه حرب "الإلهاء والاسناد" بالإنابة عن "محور الممانعة" ومن يمثله في لبنان.
وتجمع مصادر سياسية وديبلوماسية وعسكرية في حديثها لـ "المركزية" على القول ان الحكومة السابقة قررت تحمل المسؤوليات الجسام التي ألقيت على عاتق دولة مشلّعة الأوصال افتقدت رئيس جمهوريتها لفترة طويلة، وهي تعاني إفلاسا غير مسبوق بعدما بلغت مرحلة الشلل والانحلال على اكثر من مستوى ولا سيما على المستويات الاجتماعية والنقدية والتربوية والصحية والخدماتية. وان عليها من خلال تبنيها للتفاهم ان تقود عملية اعادة بناء وإعمار مستحيلة لإزالة ما دمرته الآلة العسكرية الاسرائيلية بقدرات مالية ومادية متواضعة. فكيف بالنسبة الى قرارها بالتعويض على آلاف الضحايا من اللبنانيين الذين دفعوا ثمن مغامرة حمقاء قادت الى زج لبنان في آتون حرب لم يكن لهم ولها ولا للدولة ومؤسساتها العسكرية والمدنية فيها اي دور حتى لحظة التوصل الى وقف العمليات العدائية بين حزب ودولة. وهي عملية جاءت نتيجة مفاوضات غيبت مؤسساتها ومسؤوليها لصالح "ثنائية" من خارج الدولة وقد تمثلت في المفاوضات برئيس حركة حزبية تشكل احدى طرفيها وكانت شريكة في الحرب، دخلتها متأخرة بعد اندلاعها وصادف ان رئيسها هو رأس السلطة التشريعية التي عليها محاسبة الحكومة ان اخطأت او اصابت فقاد مفاوضات وصفها بأنها شاقة ومضنية بالنيابة عن "حزب الله" والمحور بكامله الذي استخدم الاراضي اللبنانية منصة لحرب اقليمية لا ناقة لأكثرية الشعب اللبناني ولا جمل فيها بمن فيهم هو نفسه.
ولئلا تتحمل الحكومة هذه المسؤوليات الجسام التي يمكن ان تنوء تحتها اي سلطة مركزية قوية، - تضيف المصادر عينها – لتقول: انه بات واضحا ومن المنطقي ان على من قاد البلاد الى هذه المحطة ان يتحمل كامل المسؤولية واقل ما يفرض من واجبات طوعية لا إكراه فيها الاعتراف بالهزيمة مدخلا الى مشروع لاعفائه من ذيول جريمة ارتكبها فريق بحق وطن وشعب، وما انتهت اليه النكبة التي حلت، وربما كان عليه التنحي عن الحياة السياسية. وفي حال العكس على من خاض هذه الحرب العودة الى محرضه ومنبع قوته ومصدر سلاحه وثيابه وماله ورواتب عناصره ليتحمل الى جانبه كل تبعات هذه الحرب ونتائجها للخروج من المآزق التي وقع اللبنانيون ضحيتها.
ليس في ما سبق من ملاحظات ما يثير العتب بقدر ما يحويه من منطق وواقعية، إن جاءت ردات الفعل على ما جرى بهذه الحدة. فالمواقف التي يطلقها قادة المقاومة وفي مقدمهم امينها العام الجديد ومن يدور في فلكها بتحميل الدولة مسؤولية ما جرّته خيباته ما يفوق اي منطق دولتي سياسيا كان ام استراتيجيا. كما عليهم التوقف فورا عن تحميل باقي اللبنانيين مسؤولية ما جرى، وذلك لعدم قدرتهم على الدفاع عن نظرياتهم المعلبة والمغلفة بشعارات جهادية ودنيوية افتقدت قيمتها عند مقارنتها بما انتهت اليه تطورات الحرب. فالشعارات التي رفعت "على طريق القدس" ارتدّت وبالا على اصحابها وبدلا من التقدم شبرا واحدا باتجاه المدينة المقدسة انكفأ مطلقوها حتى العمق السوري ومنه الى العراقي، وانتشر النازحون من بيئتهم في اصقاع العالم وتوزع الجرحى والمصابون على مختلف العواصم العربية والخليجية والغربية ولم تستضف العاصمة التي رعتهم وشجعتهم على الحرب سوى مجموعة ممن اصابهم العمى الجزئي او الكامل بفعل علمية "تفجير البايجر" والـ "ووكي توكي" قبل وقف العمليات العدائية واغتيال كبار قادتهم ومسؤوليهم على المستوى الجهادي والعسكري وآلاف المقاتلين الشباب عدا عن حجم التدمير غير المسبوق في عشرات المدن والقرى الجنوبية ومناطق مختلفة من بيئة الحزب الحاضنة حيث ما انتشرت عائلات مسؤوليهم في كل لبنان.
على هذه الخلفيات تصر المصادر عينها على قيادة المقاومة أو من تبقى منهم، على ضرورة التواضع والتراجع عن تصنيف الناس وفرزهم بادعاء صفة "الاشرف" من بينهم، ووقف توجيه الإتهامات للمسؤولين اللبنانيين الذي عارضوا ونبهوا منذ اليوم الأول لمخاطر الحرب التي شنت. كما حذروا من حجم الأوهام التي زرعت في عقول البيئة الحاضنة إلى ان قادتهم الى الانقلاب على كل مظاهر الدولة والاعتقاد ان بقدرتهم الانابة عن كل اللبنانيين في اتخاذ قرارات بنيت على شعارات همايونية ووهمية لم يكن هناك اي أمل بتحقيق اي منها. فهم انقادوا الى حرب لم يعدوا العدة يوما لنتائجها والاستراتيجية التي يجب ان تسبق اي قرار بهذا الحجم تحسبا لمثل هذه المواجهة غير المتكافئة في اي ميدان سياسي او ديبلوماسي وعسكري وامني – مخابراتي وخصوصا انهم ظهروا ومعهم رعاتهم مكشوفين على العدو بكل اسلحته وأجهزته المتطورة وما جنده من "ذكاء اصطناعي" في خدمة الحرب.
وختاما تحار المصادر عينها كيف يمكن تحديد وتوصيف ما جرى سوى بالدعوة الى المصارحة بأن على من فاوض وخصوصا رئيس مجلس النواب نبيه بري ان يفصل في التفسيرات المتناقضة للتفاهمات التي تحققت ونفي التفسيرات الدولية والاقليمية بما فيها تلك التي يصر عليها رعاته الخليجيون والغربيون وفي مقدمهم الولايات المتحدة الاميركية قبل محاسبة اللبنانيين والسعي الى اقناعهم بما ليس منطقيا على الاطلاق. وقناعتهم مهما تجلت، لا تكفي ولا تفيد. وفي حال العكس سيستمر الوضع على ما هو عليه من التلهي في حال من المراوحة الى حين تحقيق هذه العوامل. والى حينه لا يمكن الحديث عن أمن مستتب واستقرار مستدام، وانماء واعادة اعمار أو قروض ومساعدات تنقذ الوضع النقدي والاقتصادي في البلاد عدا عن المخاطر المترتبة على استمرار العمليات العسكرية العدائية المبررة دوليا واقليميا على النحو الجاري وما يمكن ان تقود اليه من كوارث إضافية متوقعة.