المصدر: النهار
الكاتب: جورج عيسى
السبت 1 آذار 2025 00:02:27
كان من المفترض أن تكون زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي البيت الأبيض تتويجاً لخفض الحرب الكلامية بين كييف والإدارة الأميركية بعدما استعرت خلال الأسبوعين الماضيين. وكان من المفترض أيضاً أن تشهد القمة توقيع اتفاقية الموارد المعدنية التي طال انتظارها. انقلب التفاؤل رأساً على عقب مع التوتر الذي ساد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه جيه دي فانس من جهة، وبين زيلينسكي من جهة أخرى.
كانت الساعات الأربع والعشرين التي سبقت زيارة زيلينسكي واعدة للأوكرانيين. ترامب يتراجع عن وصف الرئيس الأوكراني بـ "الديكتاتور من دون انتخابات" قائلاً: "لا أصدق أنني قلت ذلك". وفي استدارة قد تكون الأكثر إثارة للدهشة، تابع ترامب في تصريح عن الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا: "سنرى ما إذا كان يمكننا استعادتها، استعادة الكثير منها".
شرارة فانس
لاحظت المراسلة في البيت الأبيض لورا روزن أن فانس هو الذي صعّد الموقف. ففي نهاية المؤتمر الصحافي، اقترب ترامب من زيلينسكي وربّت على كتفه. لكن فانس قال في الدقيقة الأربعين: "لقد جربنا مسار جو بايدن، (مسار) التباهي والتظاهر بأن كلمات رئيس الولايات المتحدة كانت مهمة أكثر من تصرفات رئيس الولايات المتحدة. ما يجعل أميركا دولة جيدة هو انخراط أميركا في الديبلوماسية؟ هذا ما يفعله الرئيس ترامب".
ثم سأل زيلينسكي ما إذا كان بإمكانه طرح سؤال عن الديبلوماسية، مشيراً إلى أن روسيا سبق أن انتهكت عمليات وقف إطلاق النار السابقة. رد فانس: "أعتقد أن مجيئك إلى المكتب البيضوي لمحاولة التقاضي في هذا الأمر أمام وسائل الإعلام الأميركية هو عدم احترام... يجب أن تشكر الرئيس على محاولته إحضارك إلى هذا المؤتمر".
هنا كان واضحاً أن الأمور ستنزلق أكثر إلى التصعيد الكلامي. دعا زيلينسكي فانس لزيارة أوكرانيا ومعرفة المشاكل التي تواجهها فرد عليه بالقول إنه يتابع التقارير ويرى أن زيلينسكي يأخذ الزوار في "رحلة بروباغندا"، ثم سأله عما إذا كان يعارض فكرة أن لديه مشكلة في تجنيد الشبان، مكرراً قوله إن زيلينسكي لا يظهر الاحترام للإدارة.
كتبت روزن على "أكس" أن زيلينسكي حاول تهدئة الأمر حين قال إن "لدى الجميع مشاكل، حتى أنتم. لكن لديكم محيط جميل (يقصد عازلاً جغرافياً) ولا تشعرون (بالمشاكل) الآن. لكن ستشعرون بها في المستقبل". استدعى ذلك رداً من ترامب الذي طلب منه ألا يقول كيف سيشعر الأميركيون، لأن أميركا تشعر بأنها قوية جداً وجيدة جداً. "أنتم لست الآن في موقف قوي جداً. لقد سمحتم لأنفسكم بأن تكونوا في موقف سيئ جداً".
واتهم ترامب زيلينسكي بأنه "يقامر" بحياة الملايين من الناس وبحرب عالمية ثالثة وبأنه لا يحترم الولايات المتحدة. وسط الحديث المتوتر والمتداخل بين المسؤولين الثلاثة، سأل مراسل عما سيحصل لو خرقت روسيا وقف إطلاق النار، رد ترامب: "ماذا لو حصل أي شيء؟ ماذا لو تساقطت القنابل على رأسك الآن... لقد خرقوه مع بايدن... لأنهم لم يحترموه" أو يحترموا أوباما.
عن الـ "كمين"
رأى البعض أن ما حصل مع زيلينسكي كان "كميناً". ربما كان كذلك، وخصوصاً من فانس الذي لم يصوت على حزمة المساعدات الأخيرة في الكونغرس (نيسان/أبريل 2024). الكاتب المحافط في مجلة "ناشونال ريفيو" دان ماكلافلين أشار إلى أن فانس يتحول بسرعة في جدالاته السياسية الخارجية إلى الهجوم الشخصي على محاوريه، مما يظهر ضعف حجته. وفي مثل على ذلك، ذكر ماكلافلين أن فانس لم يتحدث عن "خطأ" زيلينسكي في مقاربته، بل عن "عدم احترامه".
وكتب ستيف بينين في "أم أس أن بي سي" أن فانس لم يكن يحضر دوماً في المكتب البيضوي لمقابلة الزعماء الأجانب، لكنه شارك "بشكل حريص" في الاجتماع مع زيلينسكي، ولعب "دوراً مباشراً" في تحول الاجتماع إلى مباراة صراخ قبيحة. وعدد الكثير من المرات التي شكر فيها زيلينسكي الولايات المتحدة على الدعم الذي قدمته، بعدما أوحى فانس بأن الضيف الأوكراني لم يظهر الامتنان.
إذا كان هذا الأمر فخاً من فانس فزيلينسكي لم يساعد نفسه كثيراً في تفاديه بحسب البعض. لفت الصحافي في "واشنطن بوست" مارك ثيسن وهو مؤيد لأوكرانيا إلى أن ما حصل هو خطأ زيلينسكي "بالكامل" لأنه أدخل نفسه في هذا المشادة الكلامية بعدما قال ترامب إنه يريد مساعدة أوكرانيا على استعادة أراضيها. وكان للسيناتور الأميركي ليندسي غراهام موقف مماثل أيضاً، هو الذي زار أوكرانيا خلال الحرب.
مع ذلك، وجد زيلينسكي دعماً أوروبياً إذ قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار ترامب قبل أيام، إنه يجب شكر الدول التي تقدم المساعدات إلى أوكرانيا، لكن يتعين أيضاً احترام الذين يخوضون القتال. وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك: "عزيزي زيلينسكي، أصدقائي الأوكرانيين الأعزاء، لستم لوحدكم".
السؤال الأبرز في الساعات المقبلة هو الوجهة التي ستتدحرج إليها الأمور بين الطرفين. اللافت في بيان ترامب بعد نهاية القمة قوله إن ما حدث كان مفيداً لجهة إظهار أن زيلينسكي "غير جاهز للسلام" وأنه لم يحترم البيت الأبيض. غير أنه تابع: "بإمكانه العودة (إلى المكتب البيضوي) حين يكون جاهزاً للسلام". هذا مؤشر أولي إلى أن ترامب لم يدخل حالة من القطيعة مع أوكرانيا ورئيسها – وذلك حتى ساعة إصدار بيانه على الأقل. في نهاية المطاف، يتبين أن التوقعات والمواقف بشأن الملف الأوكراني هي، بمعظمها، شديدة التقلب.