تكثف هذه الأيام الضغوطات الخارجية على لبنان للقبول بمبدأ التفاوض المباشر مع إسرائيل، ربطا بموضوع حصر السلاح في يد الدولة كون الضغوطات في القضية الأخيرة باتت غير ذات جدوى.
 
لكن في موازاة ترقّب مآلات الوساطات الخارجية في موضوع التفاوض ومنها الوساطة المصرية، بعد أن قدّم لبنان تنازلا كبيرا بقبوله غير الرسمي بوجود مدنيين في فريق التفاوض، يدخل لبنان مرحلة جديدة من التوتر السياسي إلى جانب ذلك العسكري والأمني.
 
فالأفرقاء الداخليون المخاصمون لثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» يُعدّان العدّة لمعركة كبرى تتعلق بتعديل قانون الانتخاب، تحديدا المادة 112 من القانون الحالي لتوفير الحق للبنانيين غير المقيمين (المغتربين) بانتخاب النواب المقبلين كافة من مكان إقامة هؤلاء اللبنانيين في الخارج.
 
هذا الأمر يعارضه الثنائي بشدّة ويصنّفه بمثابة عدوان عليه كونه يعتبر أن ناخبيه لا يستطيعون ممارسة حقهم في الخارج نتيجة الظرف السياسي المحاصر لهما. مع ان الواقع اليوم يشابه ذاك الذي كان قائما في الانتخابات الماضية وسيكون مشابها لأية انتخابات مقبلة.
 
وبما ان رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يطرح القانون المعجل المكرر الذي وقّعه 67 نائبا لنقاش التعديل في المجلس، سيكون على الحكومة تلقّف كرة النار الخميس المقبل بعد الانتهاء من صياغة اللجنة الوزارية الفرعية.
 
ويبدو ان القانون سيمرّ عبر الحكومة نتيجة موازين القوى المائل لغير صالح الثنائي، وهو ما سيحرج بري في المجلس من دون إجباره على مناقشته سريعا.
 
فهذا الأمر سيتخذ وقتا طويلا، إذ ان تعديل القانون الحالي سينتظر قوانين أخرى مطروحة وهي لن تُطرح أصلا قبل الانتهاء من نقاش الموازنة، وهو ما سيتخذ أسابيع، ستكون البلاد خلالها عرضة لسجالات وتوترات كبيرة.
 
وفي كل الأحوال قد يكون آخر ما تحتاج إليه البلاد اليوم أن تضيف سجال الانتخابات الى حالة اللااستقرار القائمة واللايقين بسبب الاعتداءات الإسرائيلية شبه اليومية التي لا يمكن أصلا إجراء الانتخابات خلالها.
 
فموضوع الانتخابات النيابية غير مشابه لتلك البلدية التي اتُفق فيها على التزكية في 94 بلدية، ولم تجرِ معارك كبيرة في البلديات الباقية، ثم ان الاعتداءات الإسرائيلية لم تكن مشابهة في وتيرتها لما هي عليه اليوم وربما ما ستكون عليه غدا.
 
وإذا أضفنا الموضوع الأمني الى ذلك اللوجستي والزمني مع انقضاء المهل، والأهم، الجو المتوتر وخشية ثنائي «حزب الله» و«أمل» من انحسار في عدد حلفائهما في المجلس النيابي ناهيك عن قدرة أخصامهما على خرقهما في مقعد شيعي ما أو أكثر، سيكون تأجيل الانتخابات خيارا جدّيا بفعل الأمر الواقع، كما يلفت الانتباه متابعون لحماوة السجال المتصاعد باضطراد.
 
هذا التأجيل لا يعارضه كليا أخصام الثنائي بما ان الزمن سيكون حليفهم في إضعاف «حزب الله» الذي سيتآكل مع الوقت عبر الضغوطات الهائلة المختلفة عسكريا وماليا، حسب هؤلاء. وبما ان حكومة الرئيس نواف سلام سيكون لديها متّسعا أكثر من الوقت لتنفيذ مهمة محاصرة الحزب مدعومة من الخارج الأميركي والسعودي خاصة.
 
وسيقاوم أخصام الحزب أي مخطط لـ«حشر» الانتخابات زمنيا ثم إجرائها على الطريقة الغابرة بالدفع بمغتربي الثنائي للقدوم والانتخاب في لبنان، مع ان أحزابا كـ«القوات اللبنانية» في إمكانها جلب ناخبيها وتملك من الأموال والتنظيم والشعبية ما يسمح لها بالاستفادة من أي قانون للتمدد في المجلس النيابي.
 
لكن أخصام الثنائي سيضغطون لإجراء الانتخابات في موعدها على أساس تعديل القانون النافذ الحالي، وإذا لم يحصل هذا الأمر سيستفيدون من التأجيل سنتين كما يريد الثنائي لكي يشكّل المجلس المقبل المقرِر الكامل لانتخاب رئيس الجمهورية.
 
وبذلك قد يتمخض الواقع عن إجماع عند مختلف الأفرقاء، أو أقلّه عدم معارضة أي تأجيل «تقني» للانتخابات رهانا منهم على الوقت وظرفا أفضل للانقضاض على الآخر.