هل يتحوّل ملف تفجير المرفأ إلى ورقة ضغط سياسية والقضية المبدئية نكران الحقيقة؟

4 آب 2021 كان الجرح لا يزال ينزف دموعا ودما ودمارا على أنقاض العاصمة بيروت وأشلاء 220 ضحية سقطوا في تفجير مرفأ بيروت. يومها وقف أهالي الضحايا ومواطنون أمام الإهراءات المشلعة وصرخوا: بدنا الحقيقة.

 4 آب 2022 وقفة ثانية لا بل وقفات وآهات خافتة والسؤال نفسه...أين الحقيقة؟ من فجر مرفأ بيروت ومن سمح بتخزين مواد نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12؟ من قتل أولادنا وماذا يمنع من أن تتكرر الجريمة ؟

وعشية الذكرى الثالثة سيقف أهالي الضحايا من جديد أمام تمثال المغترب ويصرخون أين الحقيقة ولماذا ينكرها المجرمون ويرفض المتهمون المثول أمام المحقق العدلي؟

وقفات وتجمعات ستتجدد سنة بعد سنة في وطن كثرت فيه جرائم التفجير والإغتيالات وقلّت الحقيقة. حتى الأسئلة ستتكاثر سنة بعد سنة، تماما كما عداد الضحايا الذي ارتفع إلى 233 ضحية عدا عن الجرحى والمصابين بإعاقات جسدية وما زالوا يعانون في منازلهم حد الموت. 

خرقٌ وحيد سُجِّل عشية الذكرى الثالثة في جدار التحقيقات تمثل بتسلّم وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب رسالة من 15 سفيرا وقائما بالأعمال من الدول الموقعة على البيان المشترك الخاص بانفجار مرفأ بيروت في مجلس حقوق الانسان، يحثون فيها الجهات اللبنانية المختصة على الإسراع في التحقيقات القضائية الخاصة بانفجار مرفأ بيروت، بخلاف المنحى البطيء الذي سلكته حتى تاريخه، معربين عن قلقهم من الاستمرار في إعاقتها. 

المبادرة لاقت صدى إيجابياً في الأوساط الديبلوماسية الغربية مع تأكيد بوحبيب التزام الحكومة اللبنانية بكشف الملابسات المحيطة بانفجار المرفأ، لكن قوله بأن" المسؤولية تعود للقضاء اللبناني الذي عليه القيام بمهامه، وفقاً للقوانين والأصول التي ترعى عمل القضاء في ظل مبدأ فصل السلطات" أعاد إقفال الخرق الذي أحدثته الرسالة.

مصادر مطلعة تؤكد لـ"المركزية" أن الرسالة التي سلّمها السفراء والقائمون بالأعمال للوزير بوحبيب تؤكد أن "عين الدول وقلوبهم مع أهالي الضحايا" وحرص المجتمع الدولي على ضرورة استكمال التحقيقات بغية الوصول إلى الحقيقة. لكن ما يجب التوقف عنده هو  " عودة الحراك الدولي بعد طول سبات غداة انتهاء أعمال اللجنة الخماسية لأجل لبنان في الدوحة الذي شارك فيه ممثلو المملكة العربية السعودية ومصر والولايات المُتحدة وقطر، والموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان وتشديدهم في البيان الختامي "على الحاجة الماسة إلى الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون، لا سيما فيما يتعلق بالتحقيق في تفجير مرفأ بيروت عام 2020".

إلا أن هذه التوصية أعادت الكرة إلى مرمى التساؤلات وفق المصادر" ماذا يعني دخول الدول العربية على خط التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟ وهل يُفهم من ذلك أن هناك جدية في استكمال التحقيقات أم أنها محاولات  للضغط على الحكومة اللبنانية والسلطة القضائية مقابل تسوية ما؟ وإذا سلمنا جدلا بأن التوصية ستسلك طريقها نحو الترجمة – وهذا حتما غير وارد إنطلاقا من الوقائع على الأرض – فعلى أي أساس سيتم ذلك؟  وما الذي أصبح متاحا بعدما كان مستحيلا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية؟ هل يكون الحراك الدولي حول ملف التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت مجرد مناورة أم محاولة للضغط على الجسم القضائي لمتابعة مسار التحقيقات؟ ".

ما تخشاه المصادر نقلا عن أجواء أهالي الضحايا أن تتحول قضية تفجير المرفأ وملف التحقيقات إلى ورقة ضغط سياسية تتلاعب بها الدول على حساب الحقيقة وليس قضية مبدئية إنطلاقا من استحالة إحراز أي خرق أو تقدم في ملف التحقيقات مما يؤكد صحة مخاوف الاهالي . 

إذا موقف من هنا وأسئلة مصيرية مستجدة يطرحها أهالي الضحايا عشية الذكرى الثالثة لجريمة تفجير المرفأ. وفي ما تبقى الأسئلة ضمن دائرة مقفلة تؤكد المصادر أن رسالة السفراء اليوم والحراك الدولي يشكلان دعما لأهالي الضحايا مع التأكيد على عدم تفريغ الملف من مضمونه لكن فاعلية الحراك لن يترجم على الأرض إلا بمشهدية واحدة وعنوان وحيد " لا تخافوا نحن معكم وندعم كل تحركاتكم للوصول إلى الحقيقة في جريمة المرفأ". عدا ذلك لا يمكن استخلاص أي عبرة من كل هذه الإشارات الإيجابية ولن يكون هناك أي تقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام إلا إذا قرر المحقق العدلي القاضي طارق البيطار إصدار القرار الظني ونشره في وسائل الإعلام. هنا يكون الخرق جديا. لكن حتى هذا الأمر فيه الكثير من الشك، إذ ترجح المصادر أن تستند لجنة تقصي الحقائق الدولية على المعلومات التي جمعها البيطار من خلال تحقيقاته. في النهاية أهمية الحقيقة تكمن في وقعها وليس في نشرها في الهواء .وتختم المصادر: ما الجدوى من إصدار القرار الظني طالما ليس هناك أرضية جاهزة ونكران للحقيقة؟".