هل يرفع لبنان صوته في قمَّة الدوحة..؟

لم تكن الغارة الإسرائيلية على الدوحة مجرد عدوان عسكري عابر، بل عدوان بمستوى جريمة موصوفة بكل المقاييس، نقلت المنطقة إلى مرحلة جديدة من التصعيد المفتوح. أن تستهدف إسرائيل عاصمة دولة خليجية مستقرة وذات وزن دولي كقطر، فهذا يعني أن لا مكان في العالم العربي بات في مأمن من غطرسة الاحتلال وعدوانيته. والأخطر أن هذا العدوان تمّ في ظل صمت غربي فاضح وتغطية أميركية معلنة، الأمر الذي يضع الأمة العربية والإسلامية برمتها أمام مسؤولية تاريخية: إمّا أن تردع إسرائيل فعلاً، أو أن تبقى المنطقة رهينة حسابات القوة الإسرائيلية والدعم الأميركي المفتوح غير المسبوق لها.

لبنان، الذي عرف منذ عقود مرارة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، يدرك أكثر من غيره أنّ ما جرى في الدوحة ليس بعيداً عنه. فالطائرات التي خرقت أجواء قطر، هي ذاتها التي لم تتوقف عن انتهاك سماء لبنان، والذهنية التي قصفت الدوحة هي نفسها التي دمّرت الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع. من هنا، لا يمكن للبنان أن يتعامل مع الغارة على أنها شأن قطري صرف، بل هي تهديد مباشر لأمنه الوطني ولسيادته الممزقة أصلاً تحت وطأة الانتهاكات اليومية.

أمام هذا المشهد، لا يملك لبنان ترف الصمت أو الاكتفاء ببيانات التضامن. عليه أن يذهب إلى مؤتمر القمة العربية – الإسلامية وهو يرفع صوته عالياً، مطالباً بمواقف تتجاوز حدود الشجب والإدانة الشكلية. المطلوب قرارات عملية تضع حداً لسياسة الإفلات من العقاب التي تتمتع بها إسرائيل منذ عقود.

ما الذي ينبغي أن يطالب به لبنان تحديداً؟
أولاً: موقف عربي – إسلامي موحَّد يحمِّل إسرائيل مسؤولية جرائمها بشكل مباشر، ويضع الولايات المتحدة في موقع الشريك الكامل في العدوان. فمن دون تسمية الأشياء بأسمائها، سيبقى الموقف العربي باهتاً عاجزاً، وتستمر واشنطن في مدّ إسرائيل بأدوات القتل من دون أي حساب.

ثانياً: إقرار آلية ردع عربية – إسلامية، ليس بالضرورة عسكرية مباشرة، بل عبر حزمة إجراءات سياسية واقتصادية، تبدأ من خفض مستوى العلاقات مع المعتدي وحُماته، مروراً بإعادة النظر في الاتفاقيات التي تمنحه الغطاء، وصولاً إلى مقاطعة فعلية تضغط على مراكز القرار الدولي.

ثالثاً: تأسيس صندوق عربي – إسلامي دائم لدعم الدول المتضررة من العدوان الإسرائيلي، وفي مقدمها لبنان وفلسطين. فلا يمكن القبول بأن يظل لبنان وحيداً في مواجهة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الكارثية الناجمة عن الاعتداءات، بينما يبقى الدعم في إطار الشعارات.

رابعاً: تحريك المسار القانوني الدولي بجدِّية. على القمة أن تتبنى خطة شاملة لملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية بتهم جرائم الحرب، وأن توفر الغطاء الدبلوماسي للبنان وغيره كي لا يبقى عرضة للابتزاز السياسي حين يرفع دعاواه.
لقد أثبتت التجربة أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة والضغط المباشر. وكل تردُّد أو مساومة يفسَّر في تل أبيب وواشنطن على أنه ضوء أخضر لمزيد من الجرائم. لذلك، فإن الردّ العربي والإسلامي يجب أن يكون بحجم العدوان على الأقل.

إن لبنان، الذي يقف على خطوط المواجهة الأمامية، ليس في وارد المزايدات ولا في موقع القدرة على خوض معارك منفردة. لكنه يملك الشرعية الأخلاقية والتاريخية ليقول لأهل القمة: كفى تردُّداً وصمتاً، فالغارة على الدوحة اليوم قد تكون الغارة على بيروت أو أي عاصمة عربية غداً. وإذا لم تتحمل القمة مسؤولياتها، فإنها عملياً تمنح إسرائيل رخصة مجانية لاستباحة المنطقة بأسرها.

إن ما هو مطروح اليوم ليس مجرد بيانات دعم، بل خيارات وجودية: إمّا أن يكون العرب والمسلمون شركاء في صناعة الردع والدفاع عن الكرامة والسيادة، أو أن يتحولوا إلى شهود زور على مجازر تُرتكب واحدة تلوَ الأخرى. وعلى لبنان أن يكون في طليعة من يرفع هذا الصوت في القمة، لا دفاعاً عن نفسه فقط، بل عن حق العرب جميعاً في أن يعيشوا آمنين في أوطانهم.