هل يزور الرئيس سلام البقاع بعد الجنوب والشمال؟

يتساءل البقاعيون بعد جولة رئيس الحكومة نواف سلام على الجنوب والشمال، متى يحين دور البقاع؟ وهي المنطقة التي لطالما اعتبرت خارج حسابات الدولة إلّا في الأزمات الأمنية أو الاستحقاقات الانتخابية، وبينما حملت زياراته الجنوبية والشمالية أبعاداً سياسية واقتصادية واضحة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيحظى البقاع بالاهتمام ذاته؟ أم أن المنطقة ستبقى في موقعها المعتاد على هامش الأولويات الحكومية؟

يحتاج البقاع، حاله كحال مختلف المناطق اللبنانية، إلى التزامات حكومية واضحة، وحلول جذرية لمشكلاته المتراكمة، بعد تهميش اقتصادي وتنموي واضح، أنتج بنى تحتية متآكلة، وخدمات أساسية شبه معدومة، وغياباً للاستثمارات، وهو ينتظر الزيارة ووضعه على بساط الحكومة التنمويّ. فالقطاع الزراعي الذي يفترض أن يكون ركيزة الاقتصاد البقاعي، يواجه انهياراً بسبب غياب الدعم الرسمي، وارتفاع كلفة الإنتاج، وتراجع الأسواق المحلية والخارجية، بفعل التهريب وتشويه صورة لبنان الزراعية، والعداء للأشقاء العرب.

أمنياً، يعيش البقاع حلقةً مفرغة من الفوضى، تتداخل فيها مشاكل التهريب وانتشار السلاح، وغياب سلطة الدولة الحقيقية، ويترك الجيش اللبناني وحده في ساحة الدفاع عن الحدود وضبط الأوضاع الأمنية الداخلية، التي تتفاقم فيها المشاكل، وتأتي الحلول الأمنية الترقيعية والموقتة، بفعل التدخلات والوساطات، ما يؤدي إلى غياب الدولة المعتاد، وكأن المنطقة محكومة بأن تبقى خارج إطار التنمية والاستقرار، ما يفرض تعزيز سلطتها دون الاكتفاء بالإجراءات الظرفية.

في حال قرّر الرئيس نواف سلام زيارة البقاع، فإنّ الأولويات يجب أن تكون واضحة، فالملف الأمني يضغط على ما عداه وخصوصاً على الحدود، ما يتطلب حلولاً مستدامة وبسط سلطة الدولة بشكل متوازن، تبدّد هاجس المواطن البقاعي بأنه مستهدف أمنياً فقط. كذلك يتلهّف البقاعيون إلى مشاريع صناعية وزراعية تصبّ في مصلحة المزارعين ودعم الاستثمارات، وإيجاد حلول لأزمات المياه والكهرباء التي تخنق المنطقة، إضافةً إلى فتح الأبواب أمام أسواق جديدة لتصريف إنتاج المزارعين، عوضاً من تركهم تحت رحمة التجار أو التهريب غير الشرعي للخضار والفواكه من المحيط.

يأخذ الحديث عن اللامركزية الإدارية والتنموية بعداً خاصاً في البقاع، حيث يشعر الناس بأن دولتهم لا تحضر إلّا في الملفات القضائية والأمنية، بينما تغيب عن المحطات الإنمائية، وهنا ستكون زيارة الرئيس سلام فرصة لإثبات أن الحكومة تنظر إلى البقاع كجزء أساسي من الدولة. وإذا كان سلام يسعى فعلياً لترسيخ حضور الدولة، فإن البقاع يجب أن يكون المحطة التالية ضمن جدول أعماله، وكلّما تأخرت الزيارة أو غابت القرارات الحاسمة بشأن المنطقة، فسّر ذلك بأنه استكمال لنهج التهميش الذي لطالما عانت منه هذه البقعة الجغرافية المهمة.

إن تحقيق التوازن بين مختلف المناطق اللبنانية يتطلّب أكثر من زيارات بروتوكولية، بل يحتاج إلى خطط تنفيذية فعلية تتجاوز الوعود المعتادة، وتتطلّب قرارات شجاعة وإرادة سياسية حقيقية، تعالج التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها البقاع. وفيما حملت زيارة الرئيس سلام إلى الجنوب رسائل سياسية وأمنية، إلى جانب التأكيد على أهمية التنمية، وكان عنوان الزيارة إلى الشمال ذا طابع اقتصادي، تصدّره تفعيل مطار القليعات ومشاريع حيوية، يجمع البقاع بين الواقع السياسي والأمني، والإنماء الذي يغيب عنه منذ عقود، وحاجة الناس إلى شعورهم بأنهم جزء أساسي في صلب وتكوين الدولة.

نجح الرئيس جوزاف عون يوم كان قائداً للجيش في احتضان البقاع على امتداده، فكان الحضور الأمني لافتاً في عهده والاستقرار الذي نعمت به المنطقة، مصحوباً بسلسلة من المشاريع والدعم وفتح شبكات من الطرقات على امتداد السلسلة الشرقية، ساهمت في ربط المراكز العسكرية ببعضها البعض، وتسهيل تنقّل المزارعين، إضافة إلى الصفحة التي فتحها مع العشائر، والزيارات المتكرّرة التي كان يقوم بها، وحرصه على التواصل معها، فهل يستكمل سلام ما بدأه عون؟