هل يستفيد لبنان من خطة ترامب في غزة؟

كشف الرئيس دونالد ترامب بعد اجتماعه برئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يوم الاثنين الفائت عن خطته لوقف نار دائم في غزة. وبالتالي إنهاء المأساة الواقعة على الفلسطينيين منذ ما يزيد عن سنتين متواصلتين.


تدعو الخطة كُلاًّ من حماس واسرائيل للالتزام بوقف كامل للنار في غزة، على ان تقوم حماس بالمقابل باطلاق جميع الرهائن الاحياء والاموات لديها خلال 72 ساعة من سريان وقف النار. وتطلق اسرائيل من جهتها سراح 250 سجيناً فلسطينياً من المحكومين بالمؤبد، الى جانب 1700 معتقل فلسطيني، جرى اعتقالهم في اعقاب هجوم طوفان الاقصى في السابع من تشرين عام 2023.


ما صدر عن نتيجة اجتماع البيت الابيض يوم الاثنين يفيد بأن نتنياهو قد قبل بصيغة المشروع الذي عرضه الرئيس ترامب، ولكن لا بدَّ من انتظار قرار حماس والذي يحدد مدى قبولها او رفضها لمضمون الخطة. وهنا نسارع الى القول بأن الخطة لم تلحظ مطلباً أساسياً لحماس بوجوب انسحاب الجيش الاسرائيلي الكامل من غزة، والذي يشكل بداية البحث في سبل اقامة دولة فلسطينية تضم الضفة الغربية وقطاع غزة، وبما يلتقي ويحقق مطالب عدة دول كبرى وغربية، اعترفت تاريخياً بدعمها لإسرائيل.


تناول وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس هذا الموضوع في صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الاربعاء الماضي، معتبراً بأن هذه الموجة من الاعترافات لا تشكل رفضاً لسياسات نتنياهو فقط بل تهدد مستقبل الدولة الاسرائيلية وأمنها، المتوافَق عليه من قبل مختلف الاحزاب والقيادات الاسرائيلية.


من اجل ضمان نجاح هذه الخطة، فقد تضمنت نصاً بضرورة انشاء مجموعة دولية تدعى «هيئة السلام» تكون خاضعة لاشراف الرئيس ترامب شخصياً، وتُشكَّل هذه الهيئة من مجموعة من الخبراء الفلسطينيين والدوليين، ومن بينهم رئيس وزراء بريطانيا الاسبق طوني بلير، والذي كان قد سبق ان وضع خطة خاصة لتحقيق السلام.


لكن يبدو بأن الخطة تستبعد مشاركة حماس او السلطة الفلسطينية في هذه الهيئة المؤقتة لادارة القطاع، ويبدو بأن ترامب ونتنياهو قد توافقا على انه يمكن في مرحلة لاحقة ان تشارك السلطة الفلسطينية في ادارة القطاع، بعد اجرائها للاصلاحات العامة المطلوبة. وتتعارض هذه الفقرة مع قرار الجمعية العامة للامم المتحدة والذي صوتت عليه بالموافقة 142 دولة، والذي نص على دور اساسي تضطلع به السلطة الفلسطينية في ادارة القطاع.


وكان من البديهي والمطلوب بإلحاح ان تنص الخطة على البدء بإدخال جميع انواع المساعدات التي يحتاجها السكان في القطاع، بالاضافة الى وجود خطة اقتصادية باشراف الرئيس ترامب، والذي تحثّ جميع السكان للعودة الى مدنهم او مخيماتهم ومنازلهم. ونسجّل هنا ان هذا البند يتناقض كلياً مع المشروع الذي طرحه الرئيس ترامب حول انشاء مشروع عقاري تطويري للقطاع، يحوّله الى ريفييرا سياحية، مع نقل الفلسطينيين الى مصر والاردن.


يبقى السؤال الأبرز: هل ستقبل حماس هذه الخطة العامة التي قدّمها ترامب والتي نالت موافقة نتنياهو؟
في الواقع ليس من السهل الاجابة على هذا السؤال حول موقف حماس، وذلك لان المشروع يقضي بتخلِّيها عن سلاحها، ويمنعها من المشاركة في ادارة القطاع بعد وقف اطلاق النار. ويستوجب هذا الامر التساؤل على موقف ايران من هذه الخطة، لانها في حال تنفيذها ستعني القضاء على الدور الايراني في القضية الفلسطينية. وسينتزع بالتالي الحجة التي كانت تستعملها ايران واذرعتها الاخرى، وخصوصاً حزب الله وانصار الله، لتهديد الكيان الاسرائيلي.


من واجب حماس في دراستها للخطة والبحث لاختيار قبولها او رفضها عليها ان تأخذ بعين الاعتبار الاضرار بالارواح وبالعمران الذي اصاب اهل القطاع حين تجاوز عدد القتلى ستين الفاً والمصابون بضع مئات الألوف واكثرهم من النساء والاطفال، وأن كل هذه التضحيات قد جاءت نتيجة الهجوم الذي شنته حماس في 7 تشرين 2023 على غلاف غزة. لا بدّ ان تدرك حماس ان خطة ترامب ستكون قادرة دون سواها على الزام نتنياهو وحكومة اليمين على الالتزام بوقف النار وبانهاء حالة الحرب، وبالتالي فتح الباب امام بدء خطة اعمارية واقتصادية، يمكن تقديرها بما يزيد عن مئة مليار دولار اميركي، ولا يمكن توقع تأمين هذه الاموال الا في حال تأكدت الدول المشاركة من قبول واضح من قبل حماس بالسير قدماً لاعادة بناء مستقبل الشعب الفلسطيني ومن مشروع السلام الاقليمي، الذي يقول ترامب أنه سيسعى الى تحقيقه بدءاً من وقف الحرب في غزة.


تأتي خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة في اعقاب التحوّل الذي جرى في مواقف عدد من الدول الهامة والتي عرفت بصداقتها وبدعمها لإسرائيل، حيث اعترفت يومي 21 و22 ايلول بالدولة الفلسطينية، واستدعت هذه الاعترافات ان يتهمها رئيس وزراء اسرائيل، وكما هو متوقع منه، بأنها تقدم جائزة كبرى للارهابيين، الذين نفذوا عملية 7 تشرين اول 2023.


بالرغم من المؤتمر الذي انعقد في نيويورك مؤخراً، والذي حضّرت له كُلٌّ من فرنسا والمملكة العربية السعودية من اجل احياء فكرة حل الدولتين بقي الامل بحل الدولتين بعيداً وضحلاً، وذلك بانتظار حصول تبدُّل جذري في موقفي الولايات المتحدة واسرائيل.
بات من الضروري والملحّ ان تقبل حماس والجهاد الاسلامي خطة الرئيس ترامب لوقف النار وانهاء الحرب في غزة. بضمانة اميركية مع الحؤول دون تنفيذ الحكومة الاسرائيلية خطتها لضم الضفة الغربية او على الاقل اجزاء منها لاسرائيل. ولا بدّ ان يدرك جميع الفرقاء الفلسطينيين اهمية كسب الموقف الاميركي وبدعم عربي شامل لصالح احياء حل الدولتين.


ولن يكون كافياً قبول حماس بخطة ترامب بل يجب ان يتبع ذلك قرار حاسم بحل الخلافات بين حماس ومنظمة التحرير في خطوة صادقة وجريئة لتوحيد الموقف الفلسطيني وفتح فرصة جديدة لبدء المفاوضات لحل الدولتين.
اذا قبلت حماس خطة ترامب وتوقفت الحرب، سيفتح ذلك الفرصة الذهبية امام القيادات الفلسطينية لإجراء عملية اصلاحية واسعة، والتحضير لانتخابات عامة ضمن عملية ديمقراطية تحضيراً لبناء السلطة الصالحة والموحدة.
اذا نجحت خطة ترامب في غزة فإن ذلك سيشكل البداية لمشروع سلام اقليمي يمكن ان يستفيد منه لبنان من اجل التخلص من سلاح حزب الله وانهاء النفوذ الايراني.