هل يسرّع التصعيد فرصة التفاهم الحدودي؟

من دون التقليل من وطأة مقتل الفتية الأبرياء في مجدل شمس، فإن ثمة مصادر سياسية ترى استثماراً إسرائيلياً تضعه في جملة احتمالات من بينها محاولة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي تواصل معه المسؤولون الأميركيون من أجل دوزنة الرد العسكري على قصف الجولان السوري المحتل، لاحتواء كل المطالب الداخلية المتفاعلة منذ تشرين الأول الماضي من أجل توجيه ضربة قاصمة لـ" حزب الله" يلتقي حولها اليمين المتطرف مع المعارضة وحتى مع الجيش الاسرائيلي كذلك، علماً بأن إسرائيل تلقت نصائح من أصدقائها بالاكتفاء بتوجيه ضربات نوعية كما تفعل في المنطقة الحدودية بعيداً من التورّط في حرب تستدرجها الى تورط أكبر يصعب أن تخاطر به في تفعيل جبهة ثانية مفتوحة أصلاً.

ومن بين هذه الاحتمالات وأهمها محاولة تحصيل ما تريد الحكومة الإسرائيلية تحصيله من أي تفاهم محتمل للتهدئة في الجنوب أي إبعاد الحزب الى مدى معيّن بعيداً من الحدود اللبنانية الإسرائيلية وعودة المستوطنين الإسرائيليين الى القرى الحدودية مع لبنان باعتباره الهدف الأساسي الذي تريده إسرائيل. لفت هذه المصادر في الساعات الأخيرة موقفان أحدهما لوزير الخارجية عبد الله بو حبيب وقوله "إن حزب الله مستعد للانسحاب الى ما وراء الليطاني إذا أوقفت إسرائيل خروقاتها"، وهذا البند مطروح من ضمن آلية التفاهم المرتقبة التي عمل ولا يزال يعمل عليها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين وإن لم ترد على لسان المسؤولين اللبنانيين أو الاوراق التي عُرضت مع الخارج عبارة انسحاب الحزب الى ما وراء الليطاني ولكن وروده في سياق المساعي والجهود من أجل منع التصعيد الإسرائيلي في ظل التهديدات للانتقام لمجزرة مجدل شمس كما يقول المسؤولون الاسرائيليون أثار اهتماماً. يضاف الى ذلك الاهتمام بمدى موافقة الحزب على ذلك.

والموقف الآخر هو ما أعلنه المتحدث باسم الحكومة الألمانية من دعوة "كل الفرقاء خصوصاً إيران إلى منع التصعيد بعد هجوم الجولان"، في إشارة علنية واضحة تعيد الأمور الى إيران والصراع معها في المنطقة لا فقط الى تبادل للنار أو العمليات العسكرية بين الحزب وإسرائيل وتدخل إيران حكماً في المساعي لوقف التصعيد فيما ثمة تأكيدات ديبلوماسية أن هذا الجانب تتم تغطيته في تواصل غير مباشرة بين واشنطن وطهران.

التصعيد الكلامي الإسرائيلي معطوفاً على تمديد مهلة الرد الإسرائيلي الذي تم توقعه في الساعات الماضية فور انتهاء اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي إضافة الى التساؤلات عن حجمه وطبيعته، تركا المجال واسعاً للتطلع الى المساعي الديبلوماسية المحفزة لتفاهم على نار هذا التصعيد وتالياً انتظاراً لكيفية ترجمة نتائج هذه المساعي. فاحتمال انتشار الصراع تملك ورقته إسرائيل وكذلك تملك ورقته إيران، والتفاوض غير المباشر يحصل بالنار أيضاً في ظل التهديد بتوسيع الحرب.

والتصعيد الطارئ بين إسرائيل والحزب نتيجة القصف على مجدل شمس لم يكن مفاجئاً بل كان متوقعاً الى درجة ما في ظل المخاوف من خطأ ما على غرار خطأ استهداف صاروخ فتية وأولاد. وهو يحفز أكثر من أجل تسريع الوصول الى نتائج في موضوع الاتفاق على وقف للنار في غزة كتمهيد لوقف النار في لبنان فيما المفاوضات قائمة بقوة على هذا المستوى على رغم الكلام عن عراقيل كان آخرها تقديم نتنياهو تعديلات عن ورقة الاتفاق في الاجتماع الذي عقد في روما الأحد بين ممثلين عن الولايات المتحدة وقطر ومصر.

لكن على رغم سريان انطباعات بأن الاستنفار القوي من أجل التصعيد يترك مجالاً لتقدم فرص التوصّل الى تسوية أو تفاهم في لبنان راهناً وراء الأبواب المغلقة، فإن المصادر السياسية لا تعتقد أن الحزب قد يكون في وارد الذهاب الى تظهيرها قبل وقف الحرب في غزة حتى لو أنه يبحث في رأي البعض عن مخرج ينهي الاستنزاف الحاصل الدامي والثقيل بالنسبة إليه. فهذا التزام علني بالنسبة إليه لا يستطيع التراجع عنه فيما يعتبر استخدامه للضغط من أجل تحسين اتفاق غزة. ولكن الكثير من العوامل على المحك حتى بالنسبة الى إيران فيما يتم التعويل على فرصة لنتنياهو للاستفادة من عطلة الكنيست من أجل تفعيل أمور لا يرغب في مساءلته عليها.