هل يفتح إغتيال الطبطبائي الباب لجولة جديدة من التصعيد الإسرائيلي في لبنان؟

يخشى مواكبون عن كثب للوضع اللبناني والتحذيرات التي يجول بها موفدون دوليون على المسؤولين والقادة اللبنانيين منذ فترة، أن تكون عملية اغتيال رئيس أركان «حزب الله» هيثم الطبطبائي، في غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، الأحد، شرارة تُشعل جولة جديدة من الحرب بين الحزب وإسرائيل، في ظل اتهامات الأخيرة للحزب بإعادة بناء قدراته العسكرية.

ويُشبّه كثر المرحلة الراهنة بتلك التي سبقت حرب سبتمبر (أيلول) - أكتوبر (تشرين الأول) 2024، حينما اغتالت إسرائيل فؤاد شكر، القائد العسكري لـ«حزب الله» نهاية يوليو (تموز) 2024 في ضاحية بيروت الجنوبية، قبل أن تطلق سلسلة عمليات اغتيال، وضمن ما عُرف بعمليات «البيجر» قبل أن تشن حرباً موسعة استمرت 66 يوماً.

خلال تشييع الطبطبائي، الاثنين، قال رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ علي دعموش إن «الإسرائيليين قلقون من رد محتمل للحزب»، مشدداً على أن «من واجب الدولة مواجهة العدوان بكل الوسائل وحماية مواطنيها وسيادتها ورفض الإملاءات الأميركية والإسرائيلية التي تعني الاستسلام».

افتتاحية الحرب

ويعتبر رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري- أنيجما»، رياض قهوجي، أنه «عندما قررت إسرائيل تنفيذ عملية اغتيال الطبطبائي كانت تدرك تماماً أن الحزب سيكون أمام خيار الرد، أي أنها تحاول جر الحزب للحرب التي تجهزت لها بشكل جيد».

ورجح قهوجي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون عملية الاغتيال هذه «بمثابة افتتاحية للحرب، فهي تشبه افتتاحية الحرب السابقة حين اغتالت القيادي بالحزب فؤاد شكر وتلتها عمليات اغتيال قيادات الصف الأول والثاني، علماً بأنه في الاجتماع الذي كان يعقده الطبطبائي كانت هناك قيادات صف ثانٍ قضت بالعملية».

ويتوقع قهوجي أن «يكرر الإسرائيلي هذه الضربة وأن نكون بصدد ضربات نوعية حتى لا يجد الحزب أمامه إلا خيار الرد»، متحدثاً عن «صراع شديد داخل الحزب حول ما إذا كان عليه الرد الآن فيدخل الحرب وحيداً ويلاقي مصيراً سيئاً جداً أو يبقى ملتزماً بالقرار الإيراني بتجنب الرد مهما قضى له من قادة». ويضيف قهوجي: «هناك توجيهات إيرانية بإعادة إحياء قدرات الحزب وإبقائه كخط دفاع متقدم لطهران وكي يبقى الحزب ورقة بيدها، وبالمقابل تل أبيب تتحرك لإنهاء هذه الورقة قبل أن تفتح مجدداً الجبهة مع إيران».

الطبطبائي - شكر

ويوافق أستاذ القانون والسياسات الخارجية في باريس الدكتور محيي الدين الشحيمي على أن «مرحلة استهداف الطبطبائي من حيث الشكل والمضمون تشبه الفترة التي اغتيل فيها شكر»، موضحاً أن «كليهما في المرتبة الحزبية نفسها في قيادة الأركان، وسبق اغتيالهما مروحة من الزيارات المكوكية الدولية وتحذيرات متشابكة إقليمية ومحلية. وهذا ما نشهده راهناً، حيث يمر لبنان بالسياق التشبيهي نفسه مع فارق كبير وهو أن الحزب اختلف، والموازين الإقليمية تبعثرت ويوجد اتفاق دولي حيز التنفيذ».

ويعتبر الشحيمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الحزب يقف اليوم أمام النسخة المخففة عن الحزب العام الماضي من العدة والقوة والعتاد والبنية التحتية. أضف أن نظام بشار الأسد سقط وانتهى الكوريدور الذي يربط طهران ببيروت عبر العراق وسوريا، وخسر الحزب كل قادته المؤثرين والمؤسسين والذين كانوا يحظون باستقلالية هامشية ونوع من لامركزية للقرار».

خروقات مستمرة للحزب

ويعتبر مواكبون عن كثب لوضعية «حزب الله» أن لعملية اغتيال الطبطبائي دلالات كثيرة حول واقع الحزب الراهن بحيث إن العملاء ما زالوا ينشطون بصفوفه كما أن كل محاولات قادته وعناصره التخفي والاختباء لا تنجح.

ويتحدث الشحيمي عن دلالتين لهذه العملية: «الأولى هي الخرق الأمني واللوجيستي للجسم الخفي في الحزب؛ بحيث لم يعد بإمكانه الاستحواذ على نطاق معلوماتي شامل، حيث دمرت البيئة الهيكلية للنطاق الحيوي. ويتزامن كذلك مع الانكشاف التحركي غير المحدود لتكتيكات الفرق العملياتية في الحزب. أما الدلالة الثانية، فهي الانكشاف السطحي والأفقي والعمودي البنيوي بشكل فاضح وعدم استطاعة الحزب بناءها من جديد، كما يزعم على لسان قادته الحاليين، وبحسب ما ورد في متن خطاب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم».

ويلفت الشحيمي إلى أن «كل ذلك يكرّس واقع حالة ضعف الحزب وأكثر من قبل بكثير حتى مع عجزه على لملمة نفسه من الخسائر والضربات، كما يدل على عجزه عن حماية نفسه وعناصره وبيئته ومناطقه. وعدم قدرته على الرد. بالتالي انفضاح أمره من عملية جدواه في أصول الردع البنيوي وحالة التوازن، وهي نتيجة مباشرة لحالة النكران وعدم الاعتراف وإصراره على المزيد من المغامرات لنفسه ولوكيله الأساس الإيراني في طهران وعلى حساب ناسه ودولته».

خيارات «حزب الله»

ويقف «حزب الله» بعد اغتيال الطبطبائي أمام احتمال وضع حد لسياسة ضبط النفس التي ينتهجها منذ اتفاق وقف النار رغم الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية المتواصلة، ما يهدد بجولة حرب مفتوحة على كل السيناريوهات، كما أمام احتمال مواصلة امتصاص الضربات وشراء الوقت بانتظار أن تتبدل الظروف الإقليمية والدولية لصالحه وصالح إيران.

أما الشحيمي فلا يرى إلا خياراً واحداً أمام الحزب؛ ألا وهو في «تسليم سلاحه للدولة وأن يكون حزباً سياسياً مثله مثل باقي الأحزاب، وبحسب القوانين اللبنانية التي يخالفها في تشكيله وترسانته»، معتبراً أن «مرحلة الترف انتهت، وضاقت مساحة المناورات، ولم يعد الوقت لصالحه ولصالح لبنان. لأن التداعيات ستكون غير حميدة على الإطلاق».

ويستعد الجيش الإسرائيلي لخيار رد «حزب الله»؛ لذلك أعلن، الاثنين، عن اتّخاذ «قرار بتعزيز ورفع درجة الجهوزية بشكل كبير في منظومة الدفاع الجوي في الشمال».

وتحدّث عن «تقديرات بأن لدى (حزب الله) عدة خيارات محتملة للرد على إسرائيل رداً على اغتيال الطبطبائي، منها إطلاق الصواريخ أو تنفيذ عمليات اقتحام للنقاط الـ5 جنوبي لبنان».