هل يكون أحمد الشرع الرئيس المقبل للجمهورية العربية السورية؟

القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، هل يكون هو رئيس الجمهورية السورية المقبل؟ أصبح السؤال يُطرح بقوة في الكواليس السورية اجتماعياً وسياسياً، وبالنظر إلى الوقائع العسكرية وموازين القوى. تدرّج الشرع في خطابه وفي ألقابه، من قائد جهادي، إلى رئيس جبهة النصرة، وبعدها قائد هيئة تحرير الشام وحالياً قائد الإدارة الجديدة، ولاحقاً سيكون مرشحاً للرئاسة في الانتخابات المقبلة التي يفترض أن تجري خلال أشهر قليلة بعد إنجاز التعديلات الدستورية اللازمة. المواقف التي يتخذها تشير إلى أن الرجل قد أعدّ نفسه إعداداً جيداً للتعاطي بواقعية والانفتاح على الدول. مجموعات هيئة تحرير الشام وحلفائها المنتشرين في دمشق وغيرها من المناطق، يشيرون إلى انضباط كبير، والتزام مطلق بتوجيهاته.

لوائح العقوبات
سارع الشرع والمعروف أكثر باسم "الجولاني" إلى فتح علاقات وصلات إقليمية ودولية. قدّم خطاباً يتلاءم مع الدول الغربية ما دفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى تسريب خبر عن احتمال رفع الهيئة عن لوائح العقوبات، فيما أقر هو باستعداده لحلّ الهيئة. في الشوارع وعلى بعض السيارات تُرفع صوره. تنتظر دمشق، زيارات سياسية من بينها لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان برفقة رئيس المخابرات ابراهيم كالين لعقد لقاءات مع الشرع، كما أن قطر أعلنت عن فتح سفارتها، وهناك استعداد لتقديم مساعدات إنسانية كثيرة، وسط معطيات تشير في دمشق إلى زيارات متتالية لمسؤولين قطريين.

فصائل الجنوب
المنهج الواقعي الذي اعتمده الجولاني في الأيام الأولى، كان سيفضي إلى الإبقاء على الحكومة السورية برئاسة محمد غازي الجلالي لإدارة مرحلة تصريف الأعمال خلال ثلاثة أشهر، وهي الحكومة التي كانت محسوبة على نظام بشار الأسد. كان هناك تواصل مع هذه الحكومة، وعقد الشرع لقاءً مع رئيسها، لكن بعض الحسابات هي التي حالت دون ذلك، فدفعت بالشرع إلى العدول عن الفكرة، وذلك لا يتعلق بموقف الجلالي الذي كان متعاوناً، إما ببعض التنافس الذي ظهر على السطح بين فصائل هيئة تحرير الشام بقيادة الشرع، وبين بعض فصائل الجنوب بقيادة "أحمد العودة". هنا تجدر الإشارة إلى أن فصائل الجنوب كانت قد احتفظت بكامل أسلحتها بعد إجرائها مصالحة مع النظام السوري قبل سنوات وبرعاية روسية. ومع سقوط حمص بيد المعارضة السورية وبدء التحرك باتجاه دمشق، سارعت فصائل الجنوب بقيادة العودة للوصول إلى دمشق، وقد وصلت طلائعها قبل هيئة تحرير الشام، وفوراً كان اتجاه فصائل الجنوب إلى منزل الجلالي رئيس الحكومة، وعملوا على اقتياده إلى مقر رئاسة الوزراء لتلاوة بيان تأييد الثورة ومهاجمة الأسد. حصل تشكيك بأن تكون فصائل الجنوب قد عقدت تفاهماً معيناً مع الجلالي، برعاية بعض الدول الإقليمية.

وحدة سوريا المركزية
تتمسك هيئة تحرير الشام بمبدأ وحدة سوريا المركزية، وتعتبر أن فصائل الجنوب لديها توجهات أخرى، وتريد أن تفرض حضورها ووجودها في دمشق، وهذا ما أجهض مسألة استمرار الجلالي لقيادة المرحلة الانتقالية. تقرّ الهيئة ببعض التجاوزات التي حصلت في دمشق في اليوم الأول لسقوط الأسد، وتتهم فصائل الجنوب بارتكابها. على الإثر، اتخذ قرار في الهيئة لإعادة الإمساك بكل المفاصل السياسية، وإبقاء السلطة في يدها وهو ما حدا بمنح صلاحيات الحكومة إلى حكومة الإنقاذ في إدلب برئاسة محمد البشير لمدة ثلاثة أشهر، خلاله يتم العمل على تشكيل لجنة دستورية والتحضير للانتخابات. استمر التنافس بين الهيئة وفصائل الجنوب، لكن الشرع بقي مصراً على لملمة الأمر وعقد مصالحة، وبنتيجة اتصالات كثيرة أجرى زيارة إلى درعا وعقد لقاءً مع العودة، تمت المصالحة على أساس أن تبقى سوريا موحدة، وإعادة تشكيل الجيش وعدم ترك أي أسلحة خارج نطاق الدولة.

الانتخابات الرئاسية
يحرص على سوريا الموحدة، يركز حالياً على نقطتين، أولاً الإمساك بكل المعابر الحدودية والسيطرة عليها من قبله مركزياً، وثانياً التفرغ للملمة الوضع الداخلي مع كل الفصائل الأخرى وضبط الوضع، بالإضافة إلى توسيع مدى شرعيته لدى كل المكونات، ولذلك يعمل على إعطاء الضمانات والطمأنة لكل الأقليات وهناك خطوط مفتوحة معها. ما يقوله المؤيدون له والمتحمسون للنتائج التي حققها "أنه حرّر سوريا من النظام وعمل على توحيدها"، فهو أخذ الولاء بالحرب والولاء بالدم من مريديه ومؤيديه وحالياً يريد أن ينال الولاء في السياسة على أن يُترجم الأمر بخوضه الانتخابات الرئاسية مرشحاً ورئيساً.

يركز على منطقة دير الزور لمنع حصول أي انفصال عن الجغرافيا السورية من قبل الأكراد، وهو عرض على المجموعات الكردية المختلفة التفاوض، مع التمتع بقوة عسكرية كبيرة، تحرير دير الزور والدخول إليها والاحتفالات التي عمتها أعطت إشارة واضحة للمجموعات الكردية، وفتحت خطوط وقنوات التواصل للبحث في صيغة تلائم الطرفين، لتجنب الدخول في حرب دموية لا تنتهي ولا تكون في مصلحة أحد. يحضّر أيضاً لعقد مؤتمر حوار وطني شامل، أو مؤتمر سوري عام للبحث في التعديلات الدستورية المقترحة ولآليات وضع نظام سياسي جديد.

توحيد سوريا
في خضم انهماكه بتحسين الصورة وترتيب الوضع السياسي، خرج معارضون له ومن فصائل جهادية أخرى، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في "سجون الجولاني" وذلك رداً على ما يقوم به من عمليات إطلاق سراح للمعتقلين من سجون الأسد. في هذا السياق يقر مسؤولون في الهيئة عن وجود معتقلين في إدلب، وسيتم العمل على إطلاق سراحهم، ولكن هناك معتقلون آخرون هم من قيادات "جبهة النصرة" والفصائل الجهادية الأخرى، الذين رفضوا أي تنازل أو تطور في خطابهم، وهم من المؤثرين والمفوهين، وهؤلاء في حال استمروا بالتأثير على المحيطين بهم، سيشكلون خطراً كبيراً على ما حققته هيئة تحرير الشام، وعلى الاستقرار، وعلى الأقليات أيضاً.
قبل الانتقال إلى معركة إسقاط النظام، و"توحيد سوريا" خاض الجولاني حروباً كثيرة داخل النصرة وخارجها. حاول توحيد القرار من خلال حصره في يده. أضعف كل الفصائل خصوصاً أصحاب التوجهات المتشددة والتي لا تطور في خطابها. ونجح في تقديم صورة جديدة عنه وعن الهيئة، التي هي اليوم تحت أنظار العالم.