المصدر: الراي الكويتية

The official website of the Kataeb Party leader
الاثنين 3 آذار 2025 02:06:47
تتجه أنظار لبنان إلى السعودية ومصر اللتين يزورهما الرئيس جوزف عون اليوم وغداً، الأولى لإعادة تشكيل العلاقة معها وفق المتغيّرات التي عبّر عنها انتخابُه في 9 يناير الماضي ثم تشكيل الرئيس نواف سلام حكومة على قياس الموازين الاقليمية الجديدة بامتدادها الداخلي، والثانية لمعاودة شبْك الوطن الصغير مع شَبَكة الأمان العربية التي اقتيد بعيداً عنها - وصولاً لزجّه في «طوفان النار» الذي انفجر غداة 7 اكتوبر - والتي ستسعى لإخراج القضية الفلسطينية وغزة من «أفخاخ» لا تنفكّ اسرائيل تَنْصبها وتَشي بأن تجرّ إليها دولَ تماسٍ عربية أخرى.
وإذ سيقوم عون اليوم في السعودية، التي يدشّن منها زياراته الخارجية، بإرساء مرتكزاتِ مرحلةٍ جديدة من العلاقات مع الرياض وقيادتها «تُصَحِّحُ» مساراً معتوراً تحوّل معه لبنان، عبر الأدوار الإقليمية لـ «حزب الله» ودعْمه متعدّد البُعد للحوثيين، عاملَ زعزعةٍ لاستقرار المملكة وأمنها القومي، ناهيك عن إلحاقه بقوةِ الأمر الواقع بأجندة المحور الإيراني ومقتضياتِ تمديد نفوذه في الاقليم، فإن محطةَ رئيس الجمهورية في القاهرة غداً، حيث سيشارك في القمة الطارئة تحمل بدورها أهميةً خاصة ليس فقط لأنها أول إطلالة له على العالم العربي بل لأن جوهرَ البحث، أي الوضع في قطاع غزة، «موصولٌ» بما قد يَنتظر لبنان الذي خَرَج من الحرب الطاحنة «مضرجاً بدماء» آلاف أبنائه، ومُثْقَلاً بدمار هائل اختفتْ معه عشرات القرى عن «وجه الأرض» وصارت رماداً، ومُثْخَناً باحتفاظ «خبيثٍ» من إسرائيل بخمسة تلال استراتيجية باتت «تحدّد» منطقةً عازلةً «تتفشّى» بـ... صمت.
وفي الوقت الذي ستشكّل محادثات عون في السعودية مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، فاتحةَ طريقٍ أمام زيارةٍ أخرى لاحقة يُرجَّح أن تكون خلال أسابيع وتضمّ رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء لتوقيع 22 اتفاقاً في مختلف المجالات، ناهيك عن تثبيتها أن الرياض التي أخرجتْ لبنان على «حمّالة اتفاق الطائف» من الحرب الأهلية وساهمت بقوةٍ في إنهاء الشغور الرئاسي الأخير (استمرّ نحو 26 شهراً) تبقى الرافعة الأبرز لمسارِ النهوض من تحت ركام الحرب الأخيرة واستعادة التوازن بجناحيْه الداخلي والاقليمي، فإنّ الترقّب يسود لنتائج هذه المحطة في ضوء كلام الرئيس اللبناني عن أنه سيَبحث إمكان إعادة المملكة العمل بهبةِ الـ 3 مليارات دولار التي كانت مخصَّصة لشراء أسلحة للجيش اللبناني (أعلنت في 2013 وأوقفت الرياض العمل بها في 2016 من ضمن «مراجعة شاملة» للعلاقات مع بيروت).
وفي حين يتم أيضاً رَصْدُ هل يمكن للسعودية أن تعلن رفع الحظر عن سفر رعاياها إلى لبنان وما سيعنيه ذلك على الصعيد السياحي وعائداته المباشرة على الدورة الاقتصادية، فإنّ ثمة اقتناعاً بأن أي توقعاتٍ تتصل بإعادة الإعمار وغيرها من المساهماتِ الاستثمارية تبقى مرهونةً بترجمةِ وعودِ الإصلاحاتِ وفق ما ورد في خطاب القسَم والبيان الوزاري لحكومة سلام، وضمانِ أن يقوم اللبنانيون بما عليهم كي لا يعود بلدهم إلى دوامة «حروب الآخَرين» التي أكد الرئيس عون «اننا تعبنا منها» وهو ما يرتبط في جوهره بمندرجات اتفاق وقف النار مع اسرائيل وتطبيق القرار 1701 كاملاً بما يعني حصر السلاح بيد الدولة وامتلاكها قرار الحرب والسلم.
ورغم الارتياح الداخلي والخارجي لأداء لبنان الرسمي بإزاء أكثر من اختبارٍ ولعلّ أكثرها حساسية موضوع تعليق الطيران من وإلى طهران حتى إشعار آخَر تحت شعار «أمن مطار بيروت والمسافرين» فوق كل اعتبار وذلك في ضوء العين الحمراء الاسرائيلية على هذا المرفق واتهام «حزب الله» بتلقّي أموال إيرانية عبر إيران، وصولاً إلى تشديد الرقابة على الرحلات من العراق وضبْط 2.5 مليون دولار مع مسافر كان آتياً من تركيا، فإن ملامح الاستقرار الذي دخَلته «بلاد الأرز» منذ انتخاب عون ثم تكليف سلام، ليست كافيةً للاطمئنان إلى أن «العواصف انتهتْ»، وخصوصاً في ضوء استمرار «الرياح الساخنة» في الاقليم وتظهير تل ابيب سلوكاً «كاسِراً»، من غزة إلى سورية، مروراً بلبنان.
وترى أوساط مطلعة أن اسرائيل، التي كان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو المسؤول الوحيدَ الذي مرّ لقاؤه بالرئيس دونالد ترامب بسلاسةٍ وكأنه كان «في بيته» (الأبيض) في دلالةٍ على التماهي الكامل في الرؤية والأهداف بين الجانبين، تمارس في غزة وسورية (جنوبها) استراتيجياتٍ تعكس تَصلُّباً أبعد من كونه لرفع السقوف وتحصيل المكاسب، ويَشي بأنه لتعميق التحولات الجيو - سياسية على حساب القضية الفلسطينية، وبهدف تكريس ضمور إيران ومحورها، في الوقت الذي يعكس تطبيقُها اتفاق وقف النار مع لبنان بـ «نسختها» أنها ليست في وارد أي تَهاوُنٍ مع «حزب الله» أو الدولة اللبنانية في ما خص إنهاء وضعية السلاح خارج الشرعية، جنوب الليطاني وشماله.
التلال الخمس
وترى هذه الأوساط أنّ عدم كبْح جماح اسرائيل في غزة وحيال القطاع، وهو المتوقَّع، سيَعْني المزيدَ من إظهار «التفوّق» في تنفيذ اتفاق 27 نوفمبر مع لبنان، وتَصعيب مهمة بيروت في استعادة التلال الخمس و«أخواتها»، رغم الاقتناع بأن بقاء هذه النقاط تحت الاحتلال لم يَعُدْ يقاس في تداعياته بإمكان أن يستخدمه حزب الله لتبرير مشروعية مقاومته، على غرار ما حصل مع مزارع شبعا عقب تحرير العام 2000، أولاً لأنّ موقف الدولة اللبنانية أَعْلى دورَها ومسؤوليتها في «الحرب والسلم» وفي إطلاق مسار حصر السلاح وإن ضمن إطارٍ «ملبْنن»، وثانياً لأنّ الحزب هذه المرة صار وجهاً لوجه مع اسرائيل التي «نأى» بنفسه عن مواجهتها منذ اتفاق وقف النار والتي أطلقت يدَها في التحرك في الأجواء اللبنانية حتى تحقيق «الهدف» (بإنهاء سلاحه) وسيكون أي «تلويح» بالمقاومة ضدّها على طريقة الوقوع «بين فكيّ القرش».
ولا تُسقط الأوساط من حسابها أن تكون التلال الخمسة، التي أعلنت اسرائيل أنها تلقت موافقة أميركية على البقاء فيها، باتت ذات أهمية كبيرة لتل ابيب تفوق البُعد العسكري، في ظل اعتقادٍ أنها ستبقى ورقة ضغط لضمانِ تنفيذ لبنان اتفاق 27 نوفمبر كاملاً في ما خص «حزب الله» وسلاحه وأيضاً لربْط بيروت في النهاية بمسارِ حلولٍ مستدامة، تطبيعاً كما ترغب تل ابيب، أو عودة إلى اتفاق الهدنة كحدّ أقصى يمكن «بلاد الأرز» أن تسير به، وهو ما يعكس الصعوبات التي تعترض الخيار الديبلوماسي للبنان لاسترجاع أراضيه ولو عبر «صيغ خلاقة» لمشكلة التلال تشارك فيها دول غربية.