هل ينطلق قطار السكة الحديد مع انطلاق قطار الدولة؟

تاريخ القطار في لبنان جزء من تاريخ طويل من النقل بدأ في أواخر القرن التاسع عشر، وشهد ذروته قبل الحرب الأهلية، لكنه توقف عملياً في التسعينيات رغم وجود شبكة واسعة من السكك الحديد ( نحو 403 كلم) ومحطات تاريخية مثل رياق وطرابلس. هناك حنين شعبي كبير للقطار كحل للأزمات الاقتصادية والازدحام المروري، وتُطرح باستمرار مشاريع لإعادة إحياء الشبكة ولا سيما لربط لبنان بسوريا، لكنها تصطدم بعقبات مالية وسياسية، مع استمرار المحاولات لتأهيل بعض المحطات لأغراض ثقافية. 

أول خط سكة حديد كان مشروعاً فرنسياً لربط بيروت بدمشق وحوران في عهد الدولة العثمانية، بدأ العمل به في تسعينيات القرن التاسع عشر، و تطورت الشبكة لتشمل خطوطاً رئيسية تربط الساحل بالبقاع، وتصل إلى سوريا وتركيا، وشملت "الترامواي" الكهربائي في بيروت وضواحيها. لكن للأسف توقف النشاط تدريجًا بسبب الحرب الأهلية، وتوقف آخر تشغيل تجاري للقطار في عام 1994، وأغلقت الخطوط المتبقية في التسعينيات، وحالياً لا تزال شبكة السكك الحديد موجودة لكنها مهملة يأكلها الصدأ ، على الرغم من وجود بعض المقاطع السليمة نسبياً.

في المحصلة لا تقتصر أهمية القطار في لبنان على الناحية الاقتصادية إذ كان القطار يربط المناطق ويحمل البضائع، و هذا من شأنه أن يخفف من الاعتماد على النقل البري المكلف، بل هناك أهمية اجتماعية وحضارية حيث كان القطار  جزءاً من الهوية اللبنانية، ووسيلة نقل مهمة تربط الناس ببعضهم وتساهم في التنمية. 

اليوم أطلقت  المؤسسة العامة  لمصلحة السكك الحديد والنقل المشترك  فيديو يلقي الضوء على قطاع النقل السككي، وعلى التعديات الحاصلة على أملاك السكة و أهمية القطار الذي كان لبنان "من أوائل الدول العربية التي شهدت انطلاق القطار في عام 1895، بينما في سنة 2025 أصبحنا نحلم بأن يعود إلى العمل". يبرز الفيديو جهود المصلحة في التحضير للمرحلة المقبلة، لإحياء القطاع مجددًا حين تنضج الظروف وعودة ربط لبنان مع الخارج من خلال القطار.

شيا

في السياق أشار المدير العام للنقل المشترك والسكك الحديد زياد شيا في حديث إلى "الوكالة الوطنية للإعلام"  إلى أن  "هذا الفيديو يهدف إلى الإضاءة على قطاع النقل السككي، وعلى التعديات الحاصلة على أملاك السكة التي تقع علينا حاليا مسؤولية الحفاظ عليها وإزالة التعديات عنها، وإظهار ذلك للرأي العام اللبناني والإعلام اللبناني ولكل الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية".

و رأى أن "الإضاءة على أهمية هذا القطاع ضرورية، فهو في كل دول العالم يشكل وسيلة نقل أساسية، و نحن من أوائل الدول العربية التي شهدت انطلاق القطار في عام 1895، بينما في عام 2025 أصبحنا نحلم بأن يعود إلى العمل.

وقال"لذلك تقع علينا مسؤولية اخلاقية ووظيفية ووطنية تدفعنا إلى بذل كل ما نستطيع من جهد لإعادة هذا القطاع إلى سكته الصحيحة، والاستعداد للحظة التي يصدر فيها القرار بإطلاقه من جديد"، لافتاً أن "هذا الفيديو هو عملية إضاءة للرأي العام والإعلام، ومن خلال الإعلام اللبناني ومنصات التواصل نهدف إلى إيصال رسالة واضحة وتحويل الفكرة إلى قضية وطنية شاملة لا تقتصر على العاملين في المصلحة بل تشمل كل من يعنيهم الأمر من مواطنين ومسؤولين وإعلاميين".

وأوضح أن "الفيديو يعرض إضاءة على المسارات السككية والمحطات وأهمية هذا القطاع، وكيف كان وأين أصبح اليوم. فهو يختصر مسيرة عشرات الأعوام في دقيقة وثلاثين ثانية، والهدف منه الإشارة إلى وجود خطة نعمل عليها، وهناك اجتماعات مع رئيسي الجمهورية والحكومة، ودراسات نحضرها لتهيئة الأرضية المناسبة. وهناك أمور لا نستطيع الحديث عنها الآن لأن الناس تعبت من الوعود. والمسؤولية التي تقع علينا حاليا هي إزالة التعديات وتحضير الأرض لأي مشروع نعمل عليه، وليس الوقت مناسبا الآن لإعلان أي تفاصيل إضافية. و يمكن القول إن هناك دراسات جارية، أما تحديد موعد أو إطار زمني فغير ممكن حاليا". 

وختم موجهاً رسالة إلى كل من يعنيهم الأمر قال فيها: "على كل مواطن لبناني مسؤولية في المساهمة بهذا الجهد. لقد مررنا بمرحلة غير مسبوقة من التنمر، وبعض الناس اعتادوا السخرية والمساهمة في خدمة المافيات التي كانت تستولي على أملاك السكك الحديد تحت غطاء التهكم. اليوم تقع مسؤولية كبيرة على الشعب اللبناني والإعلام الذي وقف موقفا مهما ومشرفا إلى جانب هذا القطاع، حتى نوجه رسالة لكل من يعنيهم الأمر، وبخاصة تلك القوى والمافيات التي تسعى إلى تذويب أملاك السكة. هذه الأملاك هي ملك للقطار، لا للسمسرة ولا للمشاريع الخاصة".

إن الحديث عن عودة القطار يبث الأمل في النفوس، وهو إن تحقق سيخفف من زحمة السير ويحفّز المواطنين على استبدال سياراتهم بتذكرة توصلهم إلى أماكنهم المقصودة دون عناء. عل وعسى يصبح الحديث حقيقة وينطلق قطار السكة الحديد وقطار الدولة في آن.