هندسة الاغتيالات.. كيف تخطط إسرائيل لترسيخ نموذج لبنان في غزة؟

صعّدت إسرائيل من وتيرة عملياتها العسكرية في قطاع غزة، عبر تنفيذ عملية اغتيال مركزة استهدفت رائد سعد، الرجل الثاني في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، ما أثار تساؤلات حول إمكانية استمرار اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع وتنفيذ مراحله المتبقية.

وتعتبر هذه العملية الأكثر أهمية في صفوف قيادات القسام منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ استهدفت أحد أقدم المطلوبين لإسرائيل.

ويرى مراقبون أن عملية الاغتيال هذه اختبار لمدى قدرة حماس على "تجرع السم" وامتصاص الخروقات الإسرائيلية للاتفاق، وخطوة نحو ترسيخ النموذج الذي أقامته إسرائيل في لبنان للتعامل مع "حزب الله".

هدفان إسرائيليان
وأشار الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات، إلى أن عملية الاغتيال على أهميتها لن تؤثر على مسار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وقال بشارات، لـ"إرم نيوز"، "لا أعتقد أن عملية الاغتيال ستؤثر على تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار لأن إسرائيل منذ توقيعه وسريانه حتى الآن ارتكبت عشرات الخروقات، من بينها عمليات اغتيال".

وأضاف: "لا يوجد التزام إسرائيلي بالاتفاق إلا أنه بقي صامدا حتى الآن"، مشيرًا إلى أن إسرائيل تعمل على تحقيق هدفين خلال الاتفاق.

ووفق بشارات، الهدف الأول مرتبط بالبعد الأمني وإحراز المزيد من النقاط بعمليات الاغتيال المركزة، لإضعاف القدرات الأمنية للفصائل الفلسطينية في غزة، واستخدام سياسة "جز العشب" لمنع تعافي حماس.

ويشير إلى أن الهدف الثاني هو ترسيخ نموذج لشكل وطبيعة الوضع الأمني في قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة، في سيناريو مشابه لما حدث في لبنان، وتكرار النموذج الذي تم بناؤه مع حزب الله عقب اتفاق وقف إطلاق النار هناك.

خيارات محدودة
وأضاف: "لا يوجد أي طرف يمكنه منع إسرائيل من فعل هذا الشيء، باستثناء الولايات المتحدة التي تتفهم وتراعي الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، وشكل النموذج الذي تريد ترسيخه خلال المرحلة المقبلة.

وأوضح أن هذا الأمر يأتي استخلاصًا للعبر من مبدأ الاحتواء الذي كانت تطبقه إسرائيل خلال فترات ما قبل السابع من أكتوبر، في حين باتت الآن تنتهج سياسة إنهاء الملفات دون ترحيلها حتى تتحول إلى خطر كبير.

وقال إن "خيارات حماس محصورة بشكل كبير لعدة أسباب، أبرزها أنها تريد أن تفوت الفرصة على عودة المواجهة المفتوحة والشاملة مع إسرائيل، لأن ثمنها أكبر بكثير من قبول المعادلة الحالية".

وأضاف: "حماس ستعمل على امتصاص مثل هذه الضربات، وتحاول تفعيل أدواتها السياسية والدبلوماسية لمحاولة تحويل مثل هذه الخروقات للضغط على الوسطاء لمنع إسرائيل من مواصلتها، وإرباك تنفيذ بقية مراحل الاتفاق".

هجوم غير تقليدي 
بدوره، يرى المحلل السياسي ثابت العمور، أن هذا الهجوم يعد غير تقليدي بالنسبة لطبيعة الخروقات التي نفذتها إسرائيل خلال فترة وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أنه لا يتوقع أن يقود لنسف الاتفاق.

وقال العمور، لـ"إرم نيوز" إن "هذا الاغتيال لن يفضي لنسف وقف إطلاق النار وهو ما تراهن عليه إسرائيل، لأن هناك مصلحة فلسطينية في تثبيت واستمرار الاتفاق ساري المفعول وهناك ضغط من الوسطاء من أجل ذلك".

وأضاف: "إسرائيل تستغل هذه المعطيات لتثبيت سيناريو ما يحدث في لبنان عبر اختلاق رواية من جانب واحد، بادعاء أن هناك خرقًا ما، وتنفيذ عمليات الاغتيال".

وتابع: "ما نراه في الحالة الفلسطينية أن الفصائل الفلسطينية لا تتبنى أي خرق، ولا تقوم بأي خرق، ولذلك تقوم إسرائيل باختلاق أي رواية وتنفذ عملية لا تتناسب مع هذا الخرق".

هندسة الاغتيالات
وقال إن "ما يحدث من عمليات اغتيال مركزة تحت عنوان كبير هو هندسة الاغتيالات، ويشير إلى أن إسرائيل كانت تستغل اتفاق وقف إطلاق النار لتحديث بنك الأهداف، واقتناص أي فرصة عملياتية لتنفيذ عمليات الاغتيال".

واعتبر أن عملية الاغتيال هذه مختلفة، لاعتبارات، التبني الإسرائيلي السريع لعملية الاغتيال، والوزن القيادي للمسؤول المستهدف، وكذلك المساعي لتعطيل الذهاب للمرحلة الثانية من الاتفاق.

وأشار العمور إلى أن "الطرف الفلسطيني لا يملك خيارات للرد بالمثل على هذه الخروقات أو التخلي عن الالتزام بوقف إطلاق النار، وهو ما تراهن عليه إسرائيل، التي تريد شد الفصائل الفلسطينية للتخلي عن استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار".

وأضاف أن "إسرائيل تريد نسف الاتفاق بشكل كلي بسبب رغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وائتلافه التخلي عن الضغط الأمريكي المطالب باستكمال تطبيق الاتفاق".