هوكستين وسيجورنيه: لم يعد هناك وقت… أنقذوا لبنان

في زيارته إلى لبنان، حمل الموفد الرئاسي آموس هوكستين مجدّدا ملفّ رئاسة الجمهورية، تحديداً أمام ممثلي نواب المعارضة الذين التقاهم في مجلس النواب الأربعاء. وقاله أيضاً للرئيس نبيه برّي. وأبلغ حاجة “الإرادة الدولية” لانتخاب رئيس يكون على رأس مفاوضات ترسيم الحدود البريّة في “اليوم التالي” بعد نهاية الحرب، كما ينصّ دستور لبنان. كذلك كان واضحاً حين قال أمام برّي: “لدينا ترسانة ضخمة في المنطقة، لكن نتمنّى ألا نضطرّ لاستخدامها”… ومثله قال وزير خارجية فرنسا: “للذهاب إلى الحلّ الدبلوماسي.. والآن”. في حين عبّر الرئيس نجيب ميقاتي على طريقته بالدعوة إلى “الصمت والصبر والصلاة”.

زيارة فيها الكثير من التهديد، تلك التي قام بها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين. لكنّه تهديد مغلّف بـ”المحبة” و”الحرص على لبنان”. انطلاقاً من أنّه “لم يبقَ هناك وقتٌ لإضاعته”. واستناداً إلى أنّ بلاده تمارس ضغوطاً قصوى لوقف إطلاق النار في غزّة، ما يمكن أن ينعكس إيجاباً على لبنان. وهو ما قدّم له الرئيس نبيه برّي خلاصةً في حديث صحافي بالقول: “الوضع اليوم أفضل من الأمس”.

ويمكن تلخيص كلام هوكستين بالآتي: “نتفهّم موقف الحزب عن ربط الحرب في جنوب لبنان بالحرب في غزة، لكنّ علينا البحث عن مسار ثالث. والآن هو الوقت المناسب”. وذلك بحسب مصادر دبلوماسية، أضاف: “كلّ كلمة قالها الرجل… كان يعنيها”.

رغم أنّ الرئيس برّي حاول في تصريحاته التخفيف من هذه الأجواء، إلا أنّ البحث عن “مسار ثالث”، هو بيت القصيد. والكلام كان عن “تطبيق القرار 1701، وإلا فستنفّذ إسرائيل تهديداتها بفرض حزام أمنيّ داخل الحدود اللبنانية ضماناً لعدم إطلاق صواريخ الكاتيوشا باتجاه المستوطنات الشمالية، والقيام بتصعيد أمني لتطويق الحزب في الجنوب وبيروت والبقاع وسوريا”.

وهوكستين قال بعد خروجه من عين التينة كلاماً مماثلاً، حين تحدّث عن حرص الولايات المتحدة الأميركية على أن يتمتّع اللبنانيون بالأمن والاستقرار والازدهار وأن يخرجوا من دوامة الحرب والعنف.

رهان على خرق في الدوحة

كلام هوكستين عن “اليوم التالي” يأتي تزامناً مع جهد أميركي ضخم في المنطقة للوصول إلى تسوية كبرى انطلاقاً من غزة. وبالتالي تفاؤل هوكستين هذا يعود إلى شيء لا يزال غامضاً لم يقُله لأحد. بل ترك انطباعاً مفاجئاً عند الكثيرين حول ما الذي يراهن عليه في تفاؤله هذا. وإن كانت مصادر متابعة للقاءاته كشفت لـ”أساس” أنّه ألمح إلى “اقتراب حصول خرق إيجابي في الدوحة”.

هنا قد تكون مفيدةً استعادة ما نقله موقع “أكسيوس” الأميركي في الساعات الأخيرة عن مضمون اتّصال جرى بين الرئيس الأميركي السابق، والمرشّح الرئاسي دونالد ترامب، وبنيامين نتنياهو. تمنّى خلاله ترامب أن يمضي نتنياهو في اتّفاق وقف إطلاق النار للانتقال إلى “اليوم التالي”. كلام نفاه لاحقاً مكتب نتانياهو.

لكن هل يكون ذلك كافياً لنتفاءل باقتراب الحلّ؟

كلّ شيء ممكن، لا سيّما أنّ نتنياهو أعطى للمرّة الأولى صلاحيّات واسعة لفريقه المفاوض، بالإضافة إلى حضور أميركا بثقل سياسي كبير في المفاوضات.

هوكستين وعون والجيش: دعم المؤسّسة

مؤسّسة الجيش اللبناني أيضاً كانت عنواناً رئيسياً على جدول لقاءات هوكستين. وفي معلومات “أساس” أنّ لقاءه مع قائد الجيش العماد جوزف عون تمحور في جزئه الأكبر حول حاجات المؤسّسة العسكرية لتكون حاضرة في جنوب لبنان في “اليوم التالي”.

استمع هوكستين إلى موقف عون الذي يكرّره دائماً، وسبق للحكومة أن بدأت بوضعه على طاولتها. وخلاصته أنّ الجيش بحاجة إلى تطويع المزيد من العناصر، وبحاجة إلى مستلزمات التطويع من مال وعتاد. وبقرار سياسي يمكن للجيش أن يزيد عديده في الجنوب بحسب ما سيؤول إليه أيّ اتفاق مقبل.

في المعلومات أيضاً أنّ هوكستين كان متفائلاً حين تحدّث عن إرادة الرئيس جو بايدن للوصول إلى حلّ، مشيراً إلى أنّ بايدن أصبح متحرّراً من أيّ ضغوط من أيّ لوبي كان لأنّه لم يعد مرشّحاً رئاسياً. وعليه أصبح يتمتّع بهامش حركة أوسع من السابق. وبناء على ذلك هو ماضٍ في سعيه إلى الوصول إلى حلّ قبل نهاية ولايته في البيت الأبيض.

في الخلاصة، قد يكون كلام هوكستين المتفائل تعبيراً عن أمر واقع، وقد يوضع في سياق المعركة الانتخابية الأميركية. وفي الحالتين فإنّ الوجه الآخر لهوكستين، غير المتفائل، يبقى هو الذي يجب أن نتحسّب له، وهو أنّ “الترسانة موجودة… ونتمنّى عدم استخدامها”.

سيجورنيه: هوكستين باللغة الفرنسية

وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، الذي وصل إلى لبنان أمس، قال من عين التينة إنّه لا يحمل “أيّ رسالة تهديد إلى لبنان”، بل “رسالة دعم فرنسية للبنان في ظل الأوضاع المقلقة ونسعى للتجديد لليونيفيل 12 شهراً جديداً”.

رغم هذا الكلام الدبلوماسي، إلا أنّه يحمل مضمون رسالة هوكستين نفسها، لكن باللغة الفرنسية الأكثر هدوءاً والأبعد عن غرف التفاوض. ودعوته الملحّة للذهاب إلى الحلّ الدبلوماسي “الآن” تشبه تحذير الموفد الأميركي من التصعيد.

والأكثر تعبيراً عن هذه الرسائل البالغة الأهمية، كلام ميقاتي بعد لقائه الوزير الفرنسي: ” ما علينا إلا الصمت والصبر والصلاة”.

وفي وجه التفاؤل “الانتخابي” في حسابات الديمقراطيين الأميركيين، تجمع المصادر على التالي: “انتهت حلول الأرض… الأمر متروك للسماء”.