هوكشتاين من بيروت إلى تل أبيب... الحلّ في متناول اليد فهل ينزل الجميع "عن الشجرة"؟

بين الألغام، تسير «المَهمةُ الأخيرةُ» للموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي كادت زيارتُه المفصليةُ التي حصلت أمس لبيروت، أن «تَعْلَق» في حِبال الردّ اللبناني «حمّال الأوجه» على مقترح وقف النار، ليُعلَّق انتقالُه منها إلى تل أبيب لإكمال مباحثات مع مسؤوليها اليوم على خلاصاتِ المحادثاتِ التي أجْراها في «بلاد الأرز» وإذا كانت الصورةُ اكتملتْ على صعيد النقاط التي أراد لبنان تكييفها مع عنوانيْ «السيادة» و«القرار 1701 بلا زيادة أو نقصان».

وبالكاد «أفْلَتَتْ» زيارةُ هوكشتاين من تأجيلٍ جرى التلويحُ به في إطار ما بدا ضغطَ «ربع الساعة الأخير» من واشنطن لتأكيد حراجة مهمة الموفد الأميركي وأن «هذا الوقت للقرار» كما قال الأخير بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري أمس، وتالياً أن باب المناورات و«التحايل»، من الطرفين، أُقفِل، حتى لاحتْ مؤشراتُ جولةٍ جديدة من «الحرب النفسية» الدبلوماسية مع تأكيد هيئة البثّ الإسرائيلية نَقْلاً عن مسؤولين إسرائيليين «لم نتلقّ تأكيداً بوصول هوكشتاين إلى إسرائيل الأربعاء، وهذا يَعتمد على التطورات في لبنان».
وجاء هذا المناخ ليرفعَ من منسوبِ «حَبْسِ الأنفاس» بإزاء مَهمةٍ بدا أن واشنطن تريدها لـ «إبرام الصفقة»، بناءً على ما سيَصدر عن لبنان في ما خص المقترَح الأميركي، في الوقت الذي أوحي في بيروت بأنّ زرَّ تفجير المسعى أو الدفْع به نحو الانفراج موجود في تل أبيب وبأن إنجاز الردّ اللبناني و«الروتشات» الأخيرة و«التقنية» عليه، في حضور هوكشتاين، سيعني أنّ كرة التعطيل وعرقلة الاتفاق هي في ملعب الاسرائيليين.

وإذ كان من الصعب الجزم بما إذا كان ما نقلته هيئة البث الاسرائيلية هو ضغط من واشنطن أم مزدوج أميركي - اسرائيلي على قاعدة «الحلّ الآن» أو فلتتدحرج كرة النار حتى ما بعد 20 يناير وبالنسَق الهستيري الذي يتصاعد يومياً، وسط معادلاتٍ قاسية ترتسم من قلب بيروت إلى تل أبيب، وبينهما في الجنوب (على الحدود كما في مختلف مناطقه ولا سيما مدينة صور وقراها) والبقاع والضاحية الجنوبية، فإنّ وصول هوكشتاين الى بيروت جاء في الأصل «مشوباً» بربْط انتقاله إلى تل أبيب بـ «التقدّم الذي سيحرزه في لبنان».

«محادثات بناءة»

وبعد «المحادثات البنّاءة جداً» مع بري، والتي أكد في ختامها هوكشتاين «أمامنا فرصة حقيقية للوصول الى نهاية النزاع، وهذه لحظة اتخاذ القرار، وأنا في بيروت لتسهيل اتخاذ هذا القرار ولكن هذا يبقى قرار الأفرقاء، والآن أصبح الحلّ في متناولنا، والنافذة مفتوحة وآمل أن الأيام القريبة والمقبلة ستصل الى حلّ، وأجرينا نقاشات مفيدة للغاية لتضييق الفجوات منذ أسابيع، وسأستمر في القيام بذلك»، كشف رئيس البرلمان أن «الوضع جيّد مبدئياً»، وأن ما تبقى لإنجازه هو «بعض التفاصيل»، مشيراً إلى أن «هناك ممثلاً عنه وممثلاً عن الأميركيين لمناقشة بعض التفاصيل التقنية وبتّها قبل الانتقال إلى المرحلة التالية التي ستكون مغادرة هوكشتاين إلى إسرائيل، وننتظر ما سيحمله من هناك».

وأكد بري، المفوَّض من «حزب الله» التفاوض حوق وقف الحرب (لصحيفة «الشرق الأوسط») «أن الضمانات في ما يخص الموقف الإسرائيلي هي على عاتق الأميركيين». وعما إذا كانت المسودة التي تتم مناقشتها جرى مناقشتها مع الإسرائيليين، رد «هوكشتاين يقول إنه نسق مع الإسرائيليين في ما يخص المسودة»، لكن رئيس البرلمان تدارك «إنها ليست المرة الأولى التي ينكر فيها الإسرائيليون تعهّداتهم».

وإذ عكستْ هذه المناخات دقة المرحلة وحساسيةَ المفاوضات، والتي استدعت أيضاً إرجاء كلمة للأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بعد أقل ساعة من الإعلان عنها، فإن البرقيةَ التي وجّهها الرئيس الأميركي جو بايدن للرئيس بري بمناسبة الذكرى 81 لاستقلال لبنان اعتُبرت بدورها مؤشراً إلى طبيعة اللحظة العصيبة إذ أكد فيها «في هذا الوقت العصيب من تاريخ لبنان، تقف الولايات المتحدة إلى جانب الشعب اللبناني، وأقدّر شراكتكم في العمل الذي ينتظرنا»، معرباً عن تطلعه إلى «تحقيق المزيد من التقدُّم في تحقيق أهدافنا المشتركة، ولا سيّما في السعي لتحقيق الاستقرار والازدهار»، ومتمنياً «للشعب اللبناني القوّة والصمود خلال هذه الأوقات الصعبة».

وبدا واضحاً منذ ما قبل وصول هوكشتاين إلى بيروت أن لبنان الرسمي تعاطى مع حصول الزيارة في ذاتها على أنه إشارة إيجابية وبمثابة تعبيرٍ عن أن الأمور «خلصت من عنا»، كما نُقل عن بري ليل الاثنين بعد ساعتين أمضاها «على السمّاعة» داخل غرفة مُغلقة موصولة هاتفياً مع واشنطن وباريس، وخرج منها ليعلن (كما كشفت قناة «الجديد») مُبتسماً «استبشروا خيراً»، وأنه (أي لبنان) سيلجأ إلى «التشدد الناعم» في موقفه من نقطتين في المسودة.

تتعلّق الأولى «بالدفاع عن النفس» وتبديد أي التباس قد يُفهم منه تفويضاً لاسرائيل بحرية الحركة والتصرف تجاه أي انتهاك للقرار 1701 والاتفاق (في دخول أسلحة الى حزب الله أو إنشاء بنية تحتية عسكرية جنوب الليطاني وغيرها من تهديدات وشيكة أو في طورالتشكُّل).

أما الثانية فتتمحور حول لجنةِ الإشراف على تطبيقِ مندرجات الاتفاق والـ 1701، حيث يفضّل لبنان تفعيلاً للرقابة التي يَعتبر أنها موجودة في متن القرار الدولي نفسه عبر اللجنة الثلاثية (تضم ضباطاً من الجيش اللبناني واليونيفيل واسرائيل) التي تَجتمع دورياً في الناقورة منذ 2006 وتوسيعها لتضم ضباطاً من الولايات المتحدة وفرنسا، عوض إنشاء لجنة تُعتبر بمثابة + على الـ 1701 وبآلياتٍ تنفيذيةٍ قد تطلّ على تعقيداتٍ لجهة معالجة الشكاوى، والأدوات لتحقيق ذلك و«الإمرة لمَن» في هذا السياق، ناهيك عن إمكانِ اتخاذ مثل هذا الإطار الناظم لتطبيق الاتفاق وعاء لإشراف «متعدد الجنسية» على عناوين مضمرة مثل سلاح «حزب الله» خارج جنوب الليطاني وأخرى معلنة أكثر مثل ضبط المعابر مع سورية والمرافق البحرية والجوية.

تفتيش هوكشتاين

وفي الوقت الذي حرص هوكشتاين على «دخول» لبنان (من مطار رفيق الحريري الدولي) عبر تَعَمُّد تظهير إخضاع كل حقائبه، بما فيها الحقيبة الشخصية، للتفتيش الدقيق من الأجهزة الامنية المختصة عملاً بالاجراءات المتبعة في المطار والتي سبق أن أحدثت إشكالاً مع المسؤول الإيراني الرفيع علي لاريجاني حين زار بيروت الأسبوع الماضي، كان لافتاً ما تم تداوله نقلاً عن مصادر من أن «هوكشتاين أكد (قبل وصوله) أنه يفاوض على صيغة تشمل كل لبنان وليس فقط الجنوب. وهناك اعتقاد أميركي أن حزب الله أصبح في وضع عسكري صعب ونجاح مفاوضات هوكشتاين يعني فتح الطريق أمام ترسيم الحدود البرية».

ولفتت المصادر (قناة الحدث) إلى «أنّ الأميركيين يريدون من لبنان الموافقة على إشراف أميركي على أمنَي مرفأ ومطار بيروت وعلى ترتيبات بإشراف أميركي لمنع وصول الأسلحة من سورية لحزب الله، قائلة:«فرنسا وأطراف دولية ستشارك في آليات تطبيق الترتيبات الأمنية بلبنان».

وفي حين أفادت «يديعوت أحرونوت» بأنّ «إسرائيل تقدّر أنّ إيران أعطت الضّوء الأخضر لحزب الله، للموافقة على وقف النّار، لتوجيه رسالة إيجابيّة إلى الرئيس المنتخَب دونالد ترامب، ناقلة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى أنّه بمجرّد وصول هوكشتاين» يمكن استنتاج أنّ هناك فرصةً لتسوية، لكن يستحيل القول إنّ الأمر مؤكّد، لم يكن عابراً إعلان زعيم حزب معسكر الدولة الإسرائيلي بيني غانتس أن «أي اتفاق مع لبنان لا يشمل أمنا حقيقياً لإسرائيل وحرية حركتها في لبنان يعتبر هدية لحزب الله».

ولم يقلّ دلالة ما أورده موقع «أكسيوس» عن مسؤولين إسرائيليين ان «تكثيف الغارات على بيروت هو لزيادة الضغط على حزب الله ليقبل اتفاق وقف النار»، وعن مسؤولين أميركيين أن تل ابيب «طالبت إدارة بايدن برسالة جانبية تضمن لها حرية التحرك في لبنان»، وهو ما لاقتْه إذاعة الجيش الاسرائيلي بحديثها عن أن «خطاب الضمانات الأميركية ضمن التسوية مع لبنان».

وفي الإطار نفسه نقلت شبكة «سي إن إن» عن مصدر إسرائيلي مطّلع إشارتَه إلى «أنّنا نشكّك في احتمال التّوصّل إلى اتفاق وشيك بشأن وقف النّار في لبنان»، لافتاً إلى أنّ «رفض (حزب الله) قبول طلب إسرائيل بالحقّ في ضربه في حال انتهاك وقف النّار، قد يعرّض المفاوضات للخطر»، مركّزاً على أنّ «من دون هذا الشّرط، ليس من المؤكّد إذا كان نتانياهو سيتمكّن من الحصول على موافقة مجلس الوزراء على الاتفاق».

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أكد خلال استقباله هوكشتاين، الذي التقى أيضاً علناً قائد الجيش العماد جوزف عون، «أن الاولوية لدى الحكومة هي وقف النار والعدوان على لبنان وحفظ السيادة اللبنانية على الأراضي اللبنانية كافة»، موضحاً «أن الهمّ الأساسي لدى الحكومة هو عودة النازحين سريعاً الى قراهم وبلداتهم ووقف حرب الابادة الاسرائيلية والتدمير العبثي الحاصل للبلدات اللبنانية»، ومشدداً على «تطبيق القرارات الدولية الواضحة، وتعزيز سلطة الجيش في الجنوب».