واشنطن تطلق مسعى للحل...زيارة هوكشتاين ليست يتيمة!

على الجبهة العسكرية عاصفة تدميرية تشنّها إسرائيل في اتجاه القرى والبلدات اللبنانية، وفي موازاتها يمكن القول إنّ المسار الديبلوماسي قد بدأ، والخطوة الأولى فيه تجلّت في زيارة الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت. والتقييم الأوّلي للمحادثات التي أجراها، لخصّها رئيس مجلس النواب نبيه بري بقوله: «اللقاء كان جيداً، الّا انّ العبرة في النتائج». فهوكشتاين تبلّغ موقف لبنان حول اولوية وقف اطلاق النار والإلتزام الكامل بالقرار 1701، الّا أنّ وجهة الامور النهائية مرهونة بالموقف الإسرائيلي ومدى تجاوبه مع المسعى الاميركي.

وإذا كانت زيارة هوكشتاين الذي التقى الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون، قد اعتُبرت في نظر المتابعين لها أنّها تعكس رغبة أميركية في وضع الحلول على الطاولة، وإنهاء الحرب في اسرع وقت ممكن على ما قال هوكشتاين، إلّا أنّها وفق مطلعين على محادثات الوسيط الأميركي تؤكّد أنّ الأمور في حاجة إلى مزيد من الإنضاج، وخصوصاً أنّ خريطة الحل التي طرحها ترتكز في ظاهرها على تطبيق القرار 1701، وقد يكون في باطنها ما سبق ان تحدث عنه هوكشتاين قبل يومين عن تطوير وتعديل هذا القرار من دون أن يحدّد كيفية او ماهية او آليات التعديل والتطوير.

زيارة مكوكية!

وكشف مصدر واسع الاطلاع لـ»الجمهورية»، انّ زيارة هوكشتاين إلى بيروت ليست يتيمة، بل قد تليها زيارة ثانية في وقت قريب، وربما تتحوّل الى مكوكية بين لبنان واسرائيل، وهذا رهن بقدرته على تضييق هوة الخلافات وإحراز التقدّم نحو وقف الحرب، التي قال هوكشتاين انّ الولايات المتحدة الاميركية تسعى إلى وقف عاجل لإطلاق النار.

ولفت المصدر عينه، إلى زيارة وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن إلى اسرائيل التي يصل اليها في مهمّة تسريعية لإنضاج صفقة وتسوية في غزة، فإنّ البند الأساس فيها هو ملف لبنان والعمل على بلورة وقف إطلاق النار في لبنان. بالتزامن مع تسوية غزة او حتى قبلها، حيث انّ ثمة اشارات اميركية تؤكّد انّ جبهة لبنان برغم عنفها التدميري اكثر يسراً من جبهة غزة، وخصوصاً انّ اغتيال إسرائيل ليحيى السنوار لم يحقق الغاية التي توختها اسرائيل، اي إنهاء غزة وإضعاف «حماس» وتحرير الأسرى، بل اكّد باعتراف الاميركيين والإسرائيليين أنفسهم بأنّ شيئاً لم يتبدّل باغتيال السنوار، ومصير الأسرى الاسرائيليين ما زال متحكماً به من قبل «حماس» وربما بشكل أقسى مما كان عليه قبل اغتيال السنوار.

أجواء المحادثات

أجواء المحادثات التي أجراها هوكشتاين، وفق معلومات «الجمهورية» من مطلعين من كثب على أجوائها، انّها «في الشكل كانت إيجابية وعكست جدّية واشنطن في إنهاء سريع للحرب، واما في جوهرها فلا يمكن تغليب الإيجابية على السلبية وبالعكس، بل انّها كانت مفتاحية أقرب الى إعلان نوايا اميركية جدّية بالسعي الفاعل لوقف اطلاق النار وإعادة الأمن والهدوء للمنطقة الحدودية. ومن هنا فإنّ الزيارة تُعتبر مهمّة جداً في هذا التوقيت، وأهميتها وجدّيتها تتبدّى في انّها تشكّل الخطوة الأولى لوضع الحلول على طاولة البحث عنها. ولكن لتبيان خيط السلبية من خيط الإيجابية يوجب انتظار الموقف الاسرائيلي ممّا هو مطروح. علماً انّ إسرائيل أطلقت بالأمس إشارة ملتبسة عبر اذاعة الجيش الاسرائيلي التي اعلنت مساء امس بأنّ «العملية البرية في جنوب لبنان ستنتهي بعد اسابيع ليعود سكان الشمال إلى منازلهم». فيما نقلت صحيفة تايمز او اسرائيل» العبرية عن مسؤول اسرائيلي قوله «انّ مدير الموساد يسعى لاتفاق ينهي حرب لبنان وغزة».

وبحسب مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، فإنّ المحادثات جرت في أجواء هادئة وطرية، والجانب اللبناني عرض صورة الوضع في ظل الاعتداءات الاسرائيلية والمنحى التدميري الذي تنتهجه اسرائيل للقرى والمدن اللبنانية واستهدافها الإجرامي للمدنيين، (وهوكشتاين قال انّه بات من الضروري إنهاء هذا الوضع). وخلص الجانب اللبناني إلى التأكيد على موقف لبنان لناحية أولوية وقف اطلاق النار فوراً، والالتزام الكلي بالقرار 1701 وتطبيقه بكلّ مندرجاته».

وقالت المصادر عينها، إنّه خلافاً لكلّ ما أُشيع قبل الزيارة من طروحات واشتراطات إسرائيلية، فإنّ هوكشتاين لم يقارب من قريب أو بعيد أياً مما قيل انّها شروط اسرائيلية لوقف اطلاق النار. كما لم يقارب القرار 1559 من قريب او بعيد. ولم يأت على ذكر تجاوز القرار 1701، بل أكّد على اعتبار القرار 1701 مرتكزاً للحلّ الذي ينبغي بلوغه في القريب العاجل، ولا بدّ من تطبيقه. ومن هنا جاء قوله انّه لا يكفي الالتزام بالقرار بل المطلوب تطبيقه، مع إيلاء الثقة بالجيش اللبناني، وضرورة دعمه للقيام بمهمّة الانتشار الواسع في المنطقة الجنوبية، ولاسيما في منطقة عمل قوات «اليونيفيل».

واكّدت المصادر انّ هوكشتاين لم يأتِ على ذكر تعديل مهام القوات الدولية لناحية إخضاع مهمتها للفصل السابع. كما لم يأتِ على ذكر اي إجراء من الجانب الاسرائيلي. واما الملف الرئاسي فلم يكن له مجال واسع في المحادثات على اعتبار انّه ملف يمكن إنجازه بعد الوصول الى اتفاق على وقف اطلاق النار، على قاعدة انتخاب رئيس توافقي للجمهورية.

لا تفاؤل

ورداً على سؤال أبلغ مسؤول كبير إلى «الجمهورية» قوله، «لا مكان الآن للحديث عن تفاؤل او ما شابه ذلك. فالامور ما زالت في بداياتها، والجو الايجابي الذي ساد المحادثات مع هوكشتاين لا يعني انّ الامور حُسمت، حيث لا نخرج من حسباننا مبادرة اسرائيل لتعطيل هذا المسعى في اي لحظة».

وعمّا اذا كانت زيارة هوكشتاين محاولة لجسّ نبض للبنان، لقياس مدى استعداده لتقديم تنازلات قال: «اسرائيل، وبمعزل عن حركة المسعى الأميركي لا نستبعد ان ترفع سقف شروطها لفرض إرادتها وخلق امر واقع يخدم مصلحتها، وتفترض انّ قواعد اللعبة قد تغّيرت وتبدّلت الموازين، كلّ هذا في سياق التهويل والإيهام بأنّ المقاومة قد انتهت، لكن الامور غير ذلك، والحرب لم تنته بعد، والميدان إن لم تنجح مساعي وقف اطلاق النار، سيحدّد من سيقدّم تنازلات، وقد تحصل تنازلات من حيث لا نتوقع».

رفع السقف

اللافت في هذا السياق، هو أنّ اسرائيل استبقت زيارة هوكشتاين برفع سقف شروطها، حيث نقل موقع «أكسيوس» الأميركي، امس الاثنين، عن مسؤولين أميركيين، «أنّ إسرائيل قدّمت لواشنطن الأسبوع الماضي وثيقة تتضمّن شروطها لإنهاء الحرب في لبنان»، مشيراً الى أنّ زيارة هوكشتاين إلى بيروت محدّدة للبحث في إمكانية الوصول إلى حلّ ديبلوماسي للصّراع.

وقال الموقع إنّ «مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلّم الوثيقة إلى البيت الأبيض قبل زيارة هوكشتاين لبيروت»، وانّ هذه الوثيقة جاءت بعد مناقشات أجراها وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر مع وزارة الأمن والجيش بشأن الشروط التي تطالب إسرائيل بأن تكون جزءاً من أي حلّ لإنهاء الحرب في لبنان».

وفي تفاصيل المقترح الاسرائيلي وفق مسؤول اسرائيلي «انّه يُسمح للنازحين على جانبي الحدود بالعودة الى منازلهم، واشترطت فيه إسرائيل السماح لجيشها بالمشاركة في تنفيذ «الإنفاذ الفعّال» للتأكّد من عدم إعادة تسليح «حزب الله» مستقبلاً، وعدم إعادة بناء بنيته التحتية العسكرية في مناطق جنوب لبنان القريبة من الحدود، وان تتمتع قواتها الجوية بحريّة العمل في المجال الجوي اللبناني».

وعقّب «أكسيوس» على هذين الشرطين بالقول إنّهما «يتناقضان مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي ينص على أنّ القوات المسلحة اللبنانية وقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان «اليونيفيل» تفرضان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و»حزب الله».

ونقل موقع «والا» العبري عن مسؤول أميركي قوله إنّه «من غير المرجّح إلى حدّ كبير أن يوافق لبنان والمجتمع الدولي على هذه الشروط، حيث انّها تقوّض سيادة لبنان بشكل كبير».

وبحسب تقديرات المعلّقين الإسرائيليين فإنّ المقترحات الإسرائيلية لا تعني العودة الى القرار 1701، بل الى قرار جديد (1701+)، وشرط إسرائيل بالسماح للجيش الإسرائيلي بتنفيذ أيّ عمل عسكري في لبنان لضمان عدم قيام «حزب الله» بإعادة تسليحه»، أنّ الجيش الإسرائيلي سيكون قادراً على تنفيذ معركة بين الحروب في لبنان».

ووفق هذه التقديرات فإنّ القرار 1701 يحدّ الجيش الإسرائيلي في قدرته على العمل في لبنان من الجو، وأمّا في مقترح الاتفاق الجديد، فتطالب إسرائيل بحرية العمل لسلاح الجو في جميع أنحاء أراضي الدولة اللبنانية، كما انّها تطالب في الوثيقة بـ»ضمانة دولية من الولايات المتحدة وفرنسا لتنفيذ الاتفاقية، ولكن هناك فرصة ضئيلة في أن يحدث ذلك في هذه المرحلة، حيث لا يُرى أنّ فرنسا ستنضمّ إلى مثل هذا الاتفاق».

إسرائيل لتعديل «اليونيفيل»

وفي سياق متصل، أعلنت هيئة البث العبرية نقلاً عن مسؤولين اسرائيليين «أنّ اسرائيل مستعدة لأن تكون «اليونيفيل» جزءاً من تسوية سياسية في لبنان، الّا انّه لا يمكن ان تكون «اليونيفيل» القوة الوحيدة الموجودة في جنوب لبنان».

وبحسب الاعلام الاسرائيلي، فإنّ اسرائيل تريد تغيير الواقع على حدودها عبر إدراج مهمّة «اليونيفيل» تحت الفصل السابع ، بما يجعلها صاحبة الأمرة على الجيش اللبناني، ويمنحها صلاحية الردع والمداهمة لأي مكان تشاءه. وإخلاء كل منطقة جنوب الليطاني من «حزب الله».