وتيرة النزوح أقلّ وأبراج المراقبة ناجعة ولكن...

تتحوّل الاهتمامات اللبنانية تباعاً نحو المحاولات الهادفة لتقليص جذوة الاحتدام المشتعل على الحدود اللبنانية الجنوبية، لكنّ ذلك الاعتناء السياسيّ والأمنيّ بغية خفض المناوشات الحربية والبحث عن إرساء للاستقرار، لا يمنع الإبقاء على المنظار الشاخص نحو التعاريج الحدودية اللبنانية الشمالية والشرقية التي كانت شهدت موجات إضافية من النزوح السوريّ نحو الداخل اللبنانيّ على امتداد الأشهر الماضية، ما وضع تحديات أمام حكومة تصريف الأعمال وجعل الجيش اللبنانيّ يتّخذ تدابير حازمة حتى لا تزدحم الجغرافيا اللبنانية بما لا يمكنها ديموغرافياً في مرحلة حرجة اقتصادياً واجتماعياً. لم يخفت توجيه الرصد العسكريّ نحو الطوبوغرافيا الحدودية اللبنانية الشمالية والشرقية حتى بعدما اجتاحت القنابل المتفجّرة مناطق جنوبية، لكنّ الجنود الذين كانوا يقفون على يابسة المناطق الحدودية اللبنانية السورية بقوا هناك يأخذون على عاتقهم مهمّة المراقبة ومنع تسلّل النازحين رغم أنّ الذين يسعون للانتقال نحو الأراضي اللبنانية من المواطنين السوريين أقلّ من أولئك الذين كانوا يتوجّهون نحو الخريطة اللبنانية قبل مرحلة الاضطرام جنوب لبنان لكنّ المحاولات لم تضمحلّ وإن تراجعت. لا استهانة في ملفّ كهذا بقي يحتاج إلى متابعة حثيثة رغم أنّ الأولويات تغيّرت عند نشوب المعارك القتالية، فماذا في أحدث تطوّراته التي رصدت في غضون الأشهر الماضية؟

في السرد الأمنيّ الرسميّ الذي تابعته "النهار"، إن أفواج الجيش اللبنانيّ الموجودة على الحدود الشمالية والشرقية لا تزال تقوم بمهمّاتها ولم تتغيّر رقعة انتشارها أو الأعمال التي تتولاها حدوداً شمولاً بالبقاء معقلاً عسكرّياً في مواجهة من يطأ التراب اللبنانيّ خلسة. لم تغيّر المجريات الحربية الناشبة جنوباً في فحوى يوميّات الجنود اللبنانيّين على الحدود الشمالية أو الشرقية، فيما يحاول الجيش قدر مستطاعه صدّ أي انتقال غير شرعيّ باتجاه الداخل اللبنانيّ رغم أنّ ثمة عراقيل حاضرة تحول دون القدرة على تنظيم كلّ الحدود. لا يمكن إغفال الطبيعة الحدودية الخاصّة ببعض المناطق التي تجعل الجيش اللبنانيّ أمام إشكاليات. ويحتاج الجيش إلى عسكريين إضافيين ينتشرون في الشمال والبقاع حتى يكون في الاستطاعة ضبط الحدود من كل جوانبها. وهناك مشقّة طابعها سياسيّ لناحية وجود مواطنين لبنانيين مدعومين من سياسيين يسهّلون دخول النازحين غير الشرعيين، ما جعل الجيش اللبنانيّ يسرّع من تدابيره لتوقيف مهرّبي البشر على الحدود البرية. وهناك من النازحين من يحبّذ الانتقال إلى لبنان بحثاً عن قارب هجرة نحو قبرص، ما يشكّل تحدّياً آخر على مستوى الجيش الذي يتولّى مهمّة إضافية منعاً لتهريب النازحين بحراً.

ماذا عن وتيرة النزوح السوريّ في اتجاه الحدود اللبنانية البريّة الشمالية والشرقية في الأسابيع المنصرمة؟ حتى وإن كانت طرق النازحين ومنافذهم ليست مزدحمة كما في أشهر ماضية، لكنها لا تزال تعرف حركة انتقال فيما يحاول الجيش اللبنانيّ أن يقلّل من هذه الظاهرة مع إصداره بيانات تلخيصية حول عمله. ولا بدّ من التأكيد على أهمية أبراج المراقبة التي هي بمثابة مراكز عسكرية في مقدورها أن ترصد المنطقة الحدودية بأريحية، فيما تشير المعطيات إلى تنسيق وتعاون بين الدولتين البريطانية واللبنانية في هذا المجال، في ظلّ اهتمامٍ ملحوظ للحكومة البريطانية بتحفيز عمل أبراج المراقبة كموضوع أساسيّ كان حضر على طاولة التشاور خلال زيارة الوفد البريطاني لبنان قبل أيام. ويثني الجيش اللبناني على نجاعة عمل أبراج المراقبة لكنّه لا يزال يحتاج إلى أبراج إضافية حتى يكون في استطاعته التصدي الأكبر للاتجار بالبشر وتهريب النازحين على الحدود اللبنانية الشمالية والشرقية. وإذ تعمل أفواج من الجيش اللبنانيّ على مراقبة الحدود بما في ذلك حركة النزوح السوريّ فإنّ هذه المهمة محصورة بها في كافة أنحاء الجغرافيا الحدودية اللبنانية مع سوريا، فيما يتولى الأمن العام اللبنانيّ عمله في النقاط الحدودية الخاصة بالمعابر الشرعية.

تشمل الأفواج العسكرية التي تأخذ على عاتقها القيام بمهمات مراقبة على الحدود اللبنانية السورية وفي مناطق شمالية وبقاعية بشكل أساسيّ فوج الحدود البرية الأول الذي تتمركز قيادته في الشمال اللبنانيّ، فوج الحدود البرية الثاني الذي تقوم قيادته بمهمات في بلدة رأس بعلبك في البقاع، فوج الحدود البرية الثالث الذي تتخذ قيادته من بلدة أبلح في زحلة مكاناً للانتشار، فوج الحدود البرية الرابع الذي تمكث قيادته في بعلبك ويعمل جنوده على إجراءات أمنية لحفظ أمن الحدود الشرقية، وفوج التدخل السادس الذي ينتشر جزء منه في منطقة البقاع الأوسط وهو يعمل على الرصد والمراقبة والتصدي لأعمال التهريب بشكل أساسيّ. وإن كان لا بدّ من اختصار الصعوبات الجغرافية التي تواجه الجيش اللبناني على امتداد الحدود الشمالية والشرقية، فإنّ تعقيدات بعض تعاريجها كما طولها تجعل هناك حاجة لإضافة مراكز عسكرية كثيرة في مناطق عدّة حدودية بهدف المراقبة.