المصدر: المدن
الكاتب: نغم ربيع
الخميس 5 كانون الثاني 2023 12:29:34
"محرومة أنا من الأمومة بسبب دولتنا الفاشلة" هكذا عبرت إليسا (30 عاما) عن معاناتها في بلد سرق منها كل ما تملك ويسلب منها الآن فرصة شعورها بالأمومة.
قرار الثنائي إليسا وطوني بعدم الإنجاب حُسم قبل الزواج الذي وصل إلى عمر السنتين. تؤكد خلال حديثها مع "المدن"، أنه "لا يمكننا الإنجاب وظلم الطفل في بلد أصبح باهظاً جداً، فحتى لو توفر فيه المال، تبقى الأساسيات كحليب الأطفال مفقودة أحياناً".
تعيش إليسا حالة إحباط. تصارع لتأمين لقمة عيشها براتبها كمعلمة. إلى جانب ذلك، تجد نفسها عاجزة عن أن تصبح أماً. تواجه -كما قالت- ضغطاً من قبل عائلتها وعائلة زوجها، والسؤال المعهود عن الحفيد المنتظر.
عن شعورها تجاه قرارها بعدم الإنجاب، قالت إليسا: "أنا أحب الأولاد كثيراً، وكنت أحلم باليوم الذي سأحمل فيه طفلي بين ذراعيّ. قرار عدم الإنجاب صعب للغاية لكنه عقلاني. فلا يمكنني من أجل غريزة الأمومة أن أنجب طفلا يعيش الشقاء والقلة. أفضّل الانتظار لتأمين وسائل حياة كريمة له".
أمهات حرمن من فرصة ثانية
إذا كانت إليسا تتمنى أن تصبح أماً، فإن آية (33 سنة) حققت هذا الحلم قبل 4 سنوات إلا أنها حُرمت من إنجاب طفل ثان.
تقول لـ"المدن": حرمت إبنتي الوحيدة من إنجاب رفيق أو "سند" لها. رغم أن وضعنا المادي لا بأس به. إذ أننا نتقاضى رواتبنا بالدولار، لكننا نخشى عدم الاستقرار"، مشيرة إلى أنه "حتى من يقبض راتبه بالدولار يشعر بالغلاء الفاحش، لبنان لم يعد رخيصاً لا بالدولار ولا بالليرة". لذلك تفضّل آية أن تحرم نفسها من ولد ثان لكي لا تحرم ابنتها من كل احتياجاتها.
تراجع معدل الولادات في لبنان
حال إليسا شبيه بحال نساء كثيرات تأثرت حياتهن بالأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة وحرمن من حقوق كثيرة، ومنها حق الإنجاب. إذ أصبحت الخطوة بمثابة تهور في لبنان، ففضلن "العقم الاختياري".
وحسب الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، فإن نسبة الولادات بدأت بالتراجع منذ سنة 2019، أي مع بداية الأزمة اللبنانية والانهيار الإقتصادي. إذ شهدنا الفارق بأعداد الولادات مقارنة بالسنوات التي سبقت.
يكشف شمس الدين في حديث لـ"المدن"، أن أعداد الولادات حسب السنوات بلغت 92957 عام 2018، 86584 عام 2019، 74049 عام 2020، 68130 عام 2021. وهو الرقم الأقل.
الخلاصة أنه منذ العام 2017 إلى العام 2021 تراجع عدد الولادات بمقدار 21721 ولادة أي بنسبة 24.2%.
يشير شمس الدين الى أنه "بعد انهيار الليرة اللبنانية وتراجع الأوضاع المعيشية، إضافة إلى قلق الأزواج حول إمكانية توفير المواد الضرورية للعناية الطبية بالمرأة الحامل أو مستلزمات الأطفال، يسعى الأزواج للتقشف وتأجيل فكرة الإنجاب، آملين إما بتحسن الوضع الاقتصادي اللبناني عموماً أو وضعهم الخاص.
تكاليف الحمل والتربية
لعبت الأزمة المعقدة والمركبة بشقها السياسي، الاقتصادي والمالي، وما ترتب عنها من انخفاض القدرة الشرائية وارتفاع أسعار تكاليف الحياة اليومية، من ضمنها تكاليف متابعة الحمل والفحوص الطبية والأدوية والمصاريف المترتبة على الاستشفاء، دوراً بارزاً في انخفاض نسب الولادات.
حسب الطبيب النسائي الدكتور حسين نعنوع، فإنه "مع الأزمة الاقتصادية زادت كلفة التوليد بنسبة كبيرة، وأصبحت تختلف من مستشفى إلى آخر، حسب الدرجة الاستشفائية وطريقة الدفع وفروقات التأمين والإجراءات الطبية المطلوبة، أضف إليها كلفة أي مضاعفات تتعرّض إليها الحامل خلال الولادة. وهو ما قد يستدعي إجراءات طبية إضافية"، مشيراً إلى أن معدل كلفة الولادة الطبيعية أصبحت 800 دولار وما فوق، والولادة القيصرية حوالى الـ1000 دولار".
ساهمت كل هذه التكاليف في خفض معدل الولادات في لبنان، عدا عن تكاليف ما بعد الولادة من حفاضات، حليب، معاينات طبية، أدوية ولقاحات وغيرها، حسب ما قاله الدكتور نعنوع لـ"المدن".
أخيراً، يجب الإضاءة أيضاً على تأخّر سنّ الزواج، كأحد العوامل المساهمة في تراجع نسبة الولادات، حسب نعنوع. "فالمرأة عندما تتزوّج في سنّ الـ35 لا تنجب العدد نفسه من الأطفال كما لو تزوّجت في العشرينات".
هذا الواقع، في حال استمر، معطوفاً على هجرة الشباب المتزايدة، سيجعل الهرم السكاني في لبنان مقلوباً، حيث من المفترض أن يشكل صغار السن قاعدته العريضة فيما يحتل المسنون قمته. لكن، مع الأسف، تاتي الوقائع اللبنانية دائماً معكوسة.