المصدر: Kataeb.org
الثلاثاء 3 تشرين الأول 2023 15:31:52
في إطار التعاون بين ملتقى التأثير المدني ومؤسَّسة كونراد آديناور – لبنان في مسار جَمَعَ خبيرات وخبراء حول “لبنان وتحديَّات إصلاح السِّياسات: نحو رؤية متكامِلة” صدرت ورقة عمل تحمل عنوان “القضيَّة اللُّبنانيَّة: التحدّيات والمخاطِر وديناميَّات الإنقاذ”. لتفتح النقاش في “مسائل إشكاليّة في بناء السِّياسات العامَّة الإصلاحيَّة في لبنان”.
أعد الورقة المدير التنفيذي في ملتقى التأثير المدني زياد الصائغ الذي اعتبر في مقدمتها “أن لبنان عاشَ على مرِّ العُصُور، قبل تشكُّله دولة لبنان الكبير (1920) وبعدها، في خَطرٍ داهِم”. وإن كان “مصدره الاكبر اقليميا ودوليا” لا يمكن “إغفال اسبابه الداخلية نتيجة هشاشَةُ الوطنيَّة وضُعفُ مناعَةُ الانتِماء وتكبيلِ الإراداتِ الوطنيَّة الباحِثة عن دولةٍ قويَّة، سيِّدة، حرَّةٍ ومستقِلَّة”. لافتاً إلى “حجم المخاطر التي تواحهها “القضيَّة اللُّبنانيَّة” على مستوى “الهويَّة والدَّولة”.
وأضاف الصائغ “هو أمر قائم مُنْذُ عُقودٍ، فالهويَّة اللّبنانيّة تتعرض لتدميرٍ منهجيّ قائم على استِبدال الانتِماءَات الوطنيّة بأخرى عابِرةٍ للحُدود.” وتغليب “التّحالُفات السّياسيّة التكتية على الاستراتيجي في الحوكمة” والانسياق إلى “خيارِ إنهاء صيغة العيش معًا وعلى انتهاك الدُّستور وحُكْم القانون.” وكذلك فإن دولته “المدنيَّة الدُّستوريَّة” في خَطَر ايضا نتيجة “رفضِ تطبيق الدُّستور وتحويل المؤسَّسات الدّستوريَّة مواقِع نفوذٍ لزعاماتٍ إستَوْلَت على طوائِفها. وتفكيك المؤسّسات الدّستوريّة وتشويه “الدّيموقراطيّة التّوافقيّة” و”الميثاقيّة”، و”نشوءِ وتمدّد ميليشيا مسلَّحة بأيديولوجيّة وأجنْدَة غير لبنانيّة تضرب السيادة”، و”تكريس الإغتيالِ السِّياسي مسارًا للتَّطويع والتَّرهيب، وترويعِ القضاء وانتِهاكِ استقِلاليّته، ومنع كَشْفِ الحقيقة في جريمة تفجير مرفأ بيروت وجرائم الاغتيال السّياسيّ، وعدم تطبيق قرارات مجلس الأَمن وجامعة الدّول العربيّة مع دَفْع لُبْنان قسرًا إلى الانخِراط في صراعاتٍ إقليميَّة ودوليَّة، بما يُناقِضُ سياسة تحييده”.
وحدد الصائغ أربعة عناوين للاشكاليات التي تهدد الهوية والدولة معا. وهي:
“الاخلاقيّة إذ من الصعب تشكيل هويَّة وطنيَّة، وبموازاتها إطارها المؤسَّساتي الدَّولتيّ، إن لم يربِط بين مواطناتِها ومواطنيها، أيًّا كانت انتِماءَاتهُم الموحَّدة أو المركَّبة، عَقدٌ أخلاقيّ يتعلَّقُ بالخيرِ العامّ كُبنيَة عضويَّة في أيّ عقدٍ اجتِماعيّ من أجل إعادَة تشكيل مناعَة لُبنان هُويَّة ودَولة”.
و”الدُّستوريَّة، فمنذ قِيام دولة لبنان الكبير (1920) أقرّ مهندِسُ هذا المسار الحضاريّ المثلَّث الرَّحمات البطريرك الياس الحويّك أنَّهُ ينشاُ على قاعِدة “الرَّابطة الوطنيَّة” وليس “الرَّابطة الطَّائفيَّة”. وأَصرَّ الصائغ “على طابَعَ الفرادَة في تلاقي كُلِّ المكوِّنات الما قبل-لبنانيَّة موحَّدة”، ولذلك فإن القول بأن “تجرِبَة العيشِ معًا منذ 1920 تحت سقف الدُّستور فشِلَت، موقف مشبوهٌ”،
و”السِّياديَّة فمن غير المأمُولِ “نجاحُ هويَّة وطنٍ وتشكيلِ دَولة إن شاب الهويَّة والدَّولة إشراكٌ في السِّيادَة. الإشراكُ يعني ازدواجيَّة أو أكثر في امتِلاك قرار السِّلم والحَرب، كما في القُدرَة الوقِحَة على التمتُّع بحيِّز واسِع أو كُلِّ الحيِّز للتسلُّح واستِخدام القُوَّة خارجَ المؤسِّساتِ الشرعيَّة للدَّولة”، والإداريَّة يبدو “أن تسخيرُ إدارات الدَّولة في خِدمَة مواقِع نفوذٍ سياسيَّة ورؤى أيديولوجيَّة تتغطَّى بحالاتٍ طائفيَّة مذهبيَّة أنهى وظيفة الدَّولة النَّاظِمة للعقد الاجتِماعي الذي يَجمَعُ الشَّعبَ اللُّبناني، ودمَّر مكامِنَ الميزات التَّفَاضُليَّة التي كان يتمتَّعُ بها لُبنان.”
والسياسيَّة إذ ظهر أن “من السِّياسة إلى السِّياسات” وهي مُعادلة أَطلَقَها “ملتقى التأثير المدني” (CIH) في العام 2012 تثبت “حقيقَةَ أنَّ مسالِك العمل السِّياسيّ في لُبنان خرجَت عن مبادئِها الأَخلاقيَّة، والدُّستوريَّة، والسِّياديَّة، والإداريَّة السَّليمَة”.
وبناء على ما تقدم أكُد الصائغ على “ضرورة تصويب المفاهيم والمسارات” بالاستِناد إلى هذه الإشكاليَّات بغية “إنهاء الجدل أن كان ما حصل ناتج عن خَلَلٍ في الدُّستور اللُّبنانيّ، أو انحِرافٍ في سُلوك القِياداتِ السِّياسيَّة”. ملمحا إلى ثلاثة طروحات غير متوازنة للمعالجة إن بـ “مؤتمرٍ تأسيسيّ جدِيد يُنتِجُ عقدًا اجتِماعيًا جديدًا يعدل في التَّوازُنات التي نشأت بعد اتَّفاق الطَّائف”، او القول ان فشل صيغة “العيش معًا” ويَجِبُ الانتِقالِ إلى “الفدراليَّة أو الكونفدراليَّة”، وثالثهما “قِيام مؤتمر دوليّ يُناقِش القضيَّة اللُّبنانيَّة، إذ إنَّ ديناميَّة الحِوار الدَّاخليَّة بين اللُّبنانييِّن أثبتَت إخفاقَها”.
ولذلك دعا الصائغ في مقابل هذه الطروحات إلى “استكمال تطبيق اتّفاق الطّائف”. مؤكدا على الحاجة إلى “إنتِخاب رئيسٍ/ة جمهوريّة إنقاذيّ/ة وتشكيل حكومةٍ” تكون “مهمّتها الأولى والفوريّة إستكمال تطبيق البنود الإصلاحيَّة في اتِّفاق الطّائف”، والتي منعت تطبيقها عن سابِقَ تصوُّرٍ وتصميم منذ العام 1990 “قوى السُّلْطَة المتعاقبة التي رعتها وصاية غير لبنانيَّة سابقًا وتتحكَّم بها الآن قبضة حديديّة غير لبنانيَّة”.
كما دعا إلى “تطبيق قرارات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربيّة، ما “يُعيدُ لبنان إلى الشّرعيتين الدوليّة والعربيّة”. ويؤمِّن “استعادة المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة الشّرعيّة الدستوريّة لسيادة الدولة على كامل أراضيها والحدود ووقف تدخُّل أيٍّ كان في الصّراعات الإقليميّة”. إذ بدون ذلك “يستحيل إستعادة الثِّقَة وإحياء العجلة الاقتصاديّة”. فبدون “استعادة الثّقة لا تعافي للاقتصاد ولا عدالة اجتماعيّة”.
وشدّد الصائغ على “ضرورة تحقيق الحياد من باب دولة المواطنة”، ذلك أن “القوى الإقليميّة والدّوليّة معنيّة باستشعار أهميّة أنَّ لبنان سيّد، وتعدُّديّ، وحياديّ تستَقيمُ فيه دولة القانون”. وأن “تعافي لبنان يَصُبُّ في مصلحة السَّلام والأمن الإقليمي والدَّولي”. من هُنا أيضًا “أهميَّة وَضعِ سياسة عامَّة مُتوازِنة لتأمين عَودَةٍ آمِنة للاَّجِئين السُّورييّن، وحلّ عادل للَّاجِئين الفلسطِينييّن قائِم على القرار 194 القاضي بحق العودة، وتجنيبًا للبنان من مخاطر كيانيَّة ووجوديّة بَلَغَت حدّ تهديد هويّته”.
وتحدث الصائغ عما سماه “ديناميّات الإنقاذ”، فاعتبر أنَّ “مُعَالجة المَعضُلَلات الآنفة الذكر يَفتَحُ الأُفق لتَنفيذ إصلاحات بنيويَّة وقطاعيَّة إقتِصاديَّة وماليَّة بالتَّعاون مع المؤسَّسات العربيَّة والدّوليّة، ما يضَع حدًّا للمأساة الاجتِماعيّة التي جرَّتها الأزمات المعقَّدة”. مراهنا على “الإرادَةُ الوطنيَّة لإنقاذِ لبنان في ديناميَّة القِوى السِّياديَّة الإصلاحيَّة التغييريَّة، والقِوى المجتمعيَّة الحيَّة، والاغتِراب”. شرط”تنسيق الجُهود”، لفرض “أولويَّة إطلاق مسارِ تشكيلِ مَروحَةٍ واسِعَةٍ من التَّحالُفات بالاستِناد إلى رؤيَةٍ واضِحة للقضيَّة اللُّبنانيَّة في ما تواجِهُه من مخاطِر وجوديَّة، وتحدّيات دستوريَّة وسياديَّة واقتِصاديَّة واجتِماعيَّة وإداريَّة، وديبلوماسيَّة، كي لا تستحيلَ كُلّ هذه التحدّيات إنقِضاضًا على هويَّة لُبنان الحضاريَّة في اختِبارِها التَّاريخيّ”.
وختم الصائغ بالقول أنّ “المعركة الأساس” تتمثَّل في “مستقبل الجمهوريَّة اللُّبنانيَّة بأمنها القوميّ وأمان شعبها الإنسانيّ على مدى المئة عامًا المُقبِلَة من خلال بناء دولة المواطنة”، وبذلك “تُمسِي الأزمة فُرصَة، والرُّقعة الجغرافيَّة بتعدُّديَّتِها مساحَةً نموذجيَّة للعيشِ معًا، بعيدًا عن الشُّمولييّن والتفتيتييّن ذات الحِلفِ الموضوعيّ”.