وزارة الطاقة تسعى لتخفيض فاتورة الكهرباء: الناس "على موجة أخرى"

اصطدمت خطّة الطوارىء للكهرباء التي أطلقتها وزارة الطاقة كمشروع خريطة طريق لإصلاح القطاع، بالتكاليف المرتفعة التي تكبّدها المشتركون بفعل التعرفة المرتفعة جداً، بدون تأمين تغذية كافية. علماً أن الخطة استندت لتبرير رفع التعرفة، إلى زيادة التغذية وتحقيق أرباح مالية تمكِّن مؤسسة كهرباء لبنان من انتشال نفسها من أزمتها المالية.

ومع زيادة احتمالات وقوع أزمة أمنية عسكرية جنوباً، تُراكم تداعياتها الضغط الاقتصادي والاجتماعي على اللبنانيين، اجتمعت اللجنة الوزارية المخصصة لقطاع الكهرباء "لمعالجة بعض الأمور الأساسية في تنفيذ خطة الطوارىء والتي تهدف الى زيادة التغذية وتحسين فاعلية المؤسسة وأدائها"، وفق ما أكّده وزير الطاقة وليد فيّاض بعد الاجتماع الذي انعقد في السرايا الحكومية.

تخفيض قيمة الفاتورة

أثقلت فواتير الكهرباء جيوب المشتركين. الفواتير التي تتضمّن رسوماً ثابتة لا تتناسب مع معدّل التغذية، دفعت الكثير من المشتركين إلى تعليق اشتراكاتهم أو إلغائها طالما أن فواتير المولّدات الخاصة أرخص من فواتير المؤسسة العامة، قياساً للتغذية المستمرة للمولدات. كما أن فواتير المؤسسة مبنية على أساس سعر دولار منصة صيرفة مضافاً إليه قيمة 20 بالمئة، هي ما يتقاضاه مصرف لبنان لتبديل ليرات جباية المؤسسة، بدولارات يدفع ثمنها المشتركون.

ولكثرة الانتقادات، عكفت اللجنة ووزارة الطاقة والمؤسسة، على بحث سبل تخفيض قيمة الفاتورة. فخلصت اللجنة يوم الأربعاء 1 تشرين الثاني، إلى "الموافقة على دمج التعرفة الثابتة وبدل التأهيل معاً ليكون هناك رسم ثابت واحد أرخص من السابق ويخفّض الكلفة على الناس، على أن تلغى في الوقت ذاته تسعيرة الـ20 بالمئة ويعتمد سعر لصرف الدولار يحدده مصرف لبنان يومياً عبر منصته للمؤسسة". بحسب فيّاض الذي رأى أنه "من الضروري أن يحدد مصرف لبنان هذا السعر كي لا يكون هناك التباس في السعر، فلمصرف لبنان دوره في إعطاء القدرة لكهرباء لبنان لتنفيذ التعرفة الجديدة عبر إعطاء سعر الصرف الذي يصدره يومياً من أجل إصدار الفواتير".

إلغاء النسبة المئوية التي يتقاضاها مصرف لبنان، يعني تخفيض قيمة الدولار الذي تُسَعَّر الفاتورة وفقه، إلى سعر منصة صيرفة قبل إلغائها، أي إلى 85500 ليرة. لكن الحفاظ على التعرفة الثابتة المقوَّمة على أساس تغذية مستمرة، يتناقض ما عدد ساعات التغذية التي تؤمّنها المؤسسة، أي بنحو 4 ساعات يومياً، فيما فاتورة المولّدات مبنية على أساس تغذية 24/24 ساعة.

 

مؤشّرات إيجابية

لدعم الخطّة، أورَدَ فيّاض بعض المؤشرات الإيجابية التي تضمّنت "تحسّن الجباية، والتي بلغت في بعض المناطق فوق الـ90 بالمئة. ومع ذلك، في بعض المناطق التي تعاني من ارتفاع في مستوى الفقر، هناك تعديات أكثر على الشبكة مع جباية أقل، ولكن المعدل العام هو فوق 80 بالمئة، وهذا بيشر بالخير بنجاح تنفيذ الخطة".

أما الهدر الفني وغير الفني على الشبكة، فكشف فيّاض أنه "أقل مما تم التخطيط له في خطة الطوارىء، وهو في بعض الأمكنة ما بين 20 و30 بالمئة، ويصل في بعض الحالات إلى نحو 35 بالمئة، وبالتالي هذا يساعد على أن يكون الأداء المالي لمؤسسة الكهرباء مستقراً، وأن تكون لديها الاستدامة لتأدية الخدمة للمواطنين".

هذه المؤشّرات، تدعم من ناحية أخرى "شراء كميات إضافية من الفيول كي نتوصل لتنفيذ العقد الثاني مع العراق وهو عقد النفط الخام الذي يمكِّننا من زيادة التغذية من 10 إلى 14 ساعة، وهذا كله مرتبط بامكانية تحصيل أموال أكثر من مصرف لبنان في مقابل أموال الجباية التي نضعها لديه".

 

على الضفّة الأخرى: بعض السلبيات

الارتياح الذي يبديه فيّاض، يقابله مؤشّرات غير مشجّعة عرضها المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك. إذ بيَّنَ أن "على مؤسسات وإدارات الدولة نحو 70 مليون دولار عليها دفعها للمؤسسة. وعدم دفع نحو 9 ملايين دولار شهرياً، يعيق عمل المؤسسة".

ليست المؤسسات والإدارات وحدها التي تحرم مؤسسة الكهرباء من إيرادات مستحقّة لها. فالنازحون السوريون لا يدفعون ثمن الكهرباء في مخيّماتهم، فأكّد الحايك أن "المفوضية العليا للشؤون اللاجئين رفضت أن تدفع عنهم". وفي سبيل الحلّ، سيصار إلى وضع "فواتير خارج الإصدار بمحاضر مفتوحة لكل المخيمات السورية". وعلى الخطى نفسها، تسير مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين. فوكالة الأونروا "أبلغتنا رسمياً عدم قدرتها على الدفع عن المخيمات. ولكن وضع المخيمات الفلسطينية السياسي والأمني دقيق، لذلك طلبنا مساعدة القوى الأمنية والجيش في حدود المخيمات. أما الآلية المتبعة في الجباية داخل المخيمات فيجب أن توافق عليها القوى السياسية لأنه يمكن أن تكون مرتبطة بالتوطين".

 

الاستعداد للحرب

بالتوازي مع استمرار العمل على خطة الطوارئ، تستعدّ الوزارة ومؤسسة الكهرباء لاحتمال تصاعد الاعتداءات العسكرية جنوباً، وصولاً إلى حالة الحرب، وذلك عن طريق خطة خاصة. وأكّد فيّاض في حديث لـ"المدن"، إلى أن الوزارة تعمل على تأمين التمويل لشراء المزيد من المحروقات لمعامل الكهرباء "بالتعاون مع القطاع الخاص". ويشير فيّاض إلى أن تأمين الأموال "من هون... ومن هون"، أي بصورة متقطّعة وبحسب ما يمكن تأمينه. أما الهدف الأساس، فهو "تأمين القطاعات الحيوية". ولمزيد من الطمأنينة، يلفت فيّاض النظر إلى أن كميات الفيول الموجودة في المعامل "مع الشحنتين المقرّرتين في شهر تشرين الثاني، لن يكون هناك أي مشاكل".

تأمين الفيول للمعامل، لا يعني انتفاء الاشكاليات التي تعيق عمل مؤسسة الكهرباء، إذ لا تزال تحتاج إلى أموال نقدية لتسيير أعمالها. ويرتبط تأمين الدولارات بعملية الاستبدال التي يجريها مصرف لبنان، ما يعني أن القرار بيد المصرف الذي له أن يبدّل الليرات بدولارات بحسب ما يراه مناسباً.

 

الناس على موجة أخرى

الانخفاض المحتمل لقيمة الفاتورة لا يبدّد قلق الناس من أرقامها المرهقة. لأن "قيمة الرواتب والأجور ما زالت غير قادرة على تغطية قيمة الفواتير. ثم أن التخفيض، في حال تطبيقه، لا يعني أن الفاتورة لم تعد مرتفعة"، على حد تعبير مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، التي تلفت النظر في حديث لـ"المدن"، إلى أن "على المؤسسة والوزارة إعادة النظر بالأكلاف والرسوم وسعر صرف الدولار المعتمد لتسعير الفواتير وفقه، والأخذ بعين الاعتبار مستوى مداخيل المشتركين وعدم قدرتهم على الدفع".

وتشكّك المصادر بالنسب المئوية المتعلّقة بحجم الجباية والهدر الفني وغير الفني "فالجباية لا تزال دون المستوى المطلوب، ومعدّلات الهدر مرتفعة جداً. كما أن شركات مقدمي الخدمات تستفيد من الأموال التي تدخل إلى المؤسسة، لتسديد مستحقاتهم بدل توظيفها لتطوير خطوط الكهرباء وزيادة التغذية".

الاعتبارات الإيجابية التي تنطلق منها الوزارة والمؤسسة لتوصيف الواقع "هي في الحقيقة على المقلب الآخر من الواقع الذي يعيشه المشتركون. فالناس بشكل عام تغرّد على موجة أخرى بعيدة من موجة الوزارة والمؤسسة، ولا يعيد التناغم سوى خفض التعرفة وزيادة التغذية وتحسين أداء المؤسسة".