وزير الزراعة: الحرائق مفتعلة

لا يُحسَد القطاع الزراعي على نكساته، فإذا كانت الحرب قد دمّرت أكثر من 80 في المئة منه في القرى الحدودية، فالتغيّر المناخي والحرائق أتت على جزء كبير منه في القرى الداخلية، وليس حرائق جبل الريحان وبكاسين إلا جزءًا من هذه الكارثة التي لحقت بالقطاع الإنتاجي الأكبر جنوبًا.

الخسائر التي مُنيت بها تلك الأحراج، فهي بحسب مختار بلدة العيشية طوني عون كبيرة جدًا، ويقول:"لم يتعرّض حرج العيشية وعرمتى والريحان لكارثة مماثلة سابقًا، لطالما كانت تلك الأشجار شامخة، وتضفي هوية جمالية على المنطقة. 

مصيبة حرج بكاسين لا تقلّ أهمية عن الريحان، فهي في التصنيف الزراعي "رئة جزين الطبيعية" التي تمدّ الطبيعة بالأوكسجين النظيف، هذه الرئة اشتعلت فجأة بفعل فاعل، ووزير الزراعة نزار هاني الذي عاين بعضًا من الأضرار التي طالت هذه الأحراج، أكّد في حديثه إلى "نداء الوطن" أنّ "معظم الحرائق، بل كلها، مُفتعلة، لا تشتعل النيران وحدها أو من الطبيعة، دائمًا هناك من يُضرم النيران، وهذا عدوّ البيئة".

لا يُخفي هاني حجم الخسارة الكبيرة التي طالت الأحراج، فهو يصفها بالكارثة البيئية التي حلّت على المنطقة، آلاف الهكتارات احترقت وفق التقديرات الأولية.

وبحسبه فإن معظم الحرائق التي تشهدها المناطق الحرجية ليست عفوية، بل معروفة الخلفيات، وإن كانت غالبًا تُسجَّل ضد مجهول. وشدّد على أن مسؤولية المواطن تبدأ من أبسط الأمور، أبرزها الامتناع التام عن إشعال النيران في الأماكن الحساسة، وخاصة خلال فترات الجفاف.

وأكّد هاني أنّ تكثيف الرقابة عبر حراس الأحراج والتدخل السريع من قبل فرق الإطفاء هو أمر حاسم للحدّ من تمدّد الحرائق، مشيرًا إلى أن الحرائق الأخيرة، لا سيّما في الريحان وجزين، أتت على آلاف الهكتارات من الأحراج والمحميات الطبيعية التي تشكّل غطاءً أخضر أساسيًا لتلك القرى، والتي تُعدّ من مميزات جبل الريحان ومنطقة جزين.

وأوضح الوزير أن القانون الدولي يمنع التدخل المباشر في الغابات المحترقة خلال السنوات الأولى بعد الحريق، وذلك لإتاحة المجال أمام الطبيعة لتجديد نفسها، لكن في حال فشل التجدد الطبيعي، تبدأ عملية التدخل لإعادة التأهيل.

وأثنى هاني على الدور الكبير الذي يقوم به الدفاع المدني، مؤكّدًا أن تعزيز قدراته بات ضرورة وطنية، لضمان استمرارية عمله في مواجهة التحديات البيئية.

وأشار إلى أن الفرق الفنية المتخصّصة بدأت إجراء تقييم شامل لحجم الأضرار بهدف إعداد خطة لإعادة تأهيل الغابات المتضرّرة.

ما زال مشهد النيران ماثلًا أمام رئيس اتحاد بلديات جزين بسّام رومانوس، فهو يخشى أن تأكل الحرائق المحمية الأكبر في لبنان، ومن الصعب أن ترى جزءًا من السياحة البيئية يذوب تحت ألسنة النيران، كان مشهدًا قاسيًا.

وحرش بكاسين، إحدى أكبر المحميات الطبيعية في لبنان، والتي تُعدّ رئة خضراء تزوّد البيئة بالأوكسجين، وتشكل ثروة طبيعية فريدة من نوعها، جاء الحريق بمعظمه على أشجار الزيتون، الإنتاج الثاني في قضاء جزين بعد الصنوبر والنحل، وتزامن الحريق مع حرائق متنقلة طالت عددًا من القرى والبلدات، ما يطرح علامات استفهام حول توقيتها وأسبابها.

رومانوس أكّد أن فرق الاتحاد والبلدية تدخلت فورًا بالتعاون مع الدفاع المدني، مشيدًا بتضامن القرى والبلدات المجاورة التي ساندت في عمليات الإطفاء. 

وفيما كانت بكاسين والريحان تلمّان آثار الحريق، كانت بلدة قيتولي تزرع 5 آلاف شجرة صنوبر في حرج قيتولي الذي احترق قبل عام، في رسالة تأكيد على إعادة تجديد الحرج ليبقى القوة الاقتصادية، فهو في عام واحد عاد على البلدية بـ 12 ألف دولار، غير أن عتب رئيس البلدية كان على الوزارة التي لا تدعم هذه الثروة بالشكل المطلوب، وتضع تعقيدات كثيرة في عملية التشحيل التي قال عنها الرئيس: "أحتاج إلى مرسوم جمهوري وكأنني أريد أن أشتري سيارة لي"، في دلالةٍ على تعقيد الإجراءات التي طالب بتخفيضها للمساهمة في حماية هذه الثروة المهمة.