وسائل التواصل الأمل المتبقي لمرضى السرطان لتأمين علاجهم

كتبت "أنديرا مطر" في "القبس" الكويتية:  لم تستثنِ الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في لبنان أي قطاع من تداعياتها الكارثية بما فيها قطاع الدواء. ومنذ سنتين تعلو صرخات مرضى السرطان مطالبين الدولة بتأمين الدواء فلا يجدون سوى الوعود بحل قريب. ولا يكفي المرضى استهتار الدولة وعجزها وتواطؤها، فكما تنتشر في كل القطاعات مافيات تتحكم بالمواطنين، كذلك في قطاع الدواء الذي يتم سرقته أو تخزينه.
وإزاء هذا الواقع لا يجد مريض السرطان المكبل بأوجاعه والمهدد بالموت يومياً سوى وسائل التواصل أو الإعلام اذا ما توافرت، لطلب المساعدة في معالجة مشكلته سواء صحية أو قانونية.

قبل أيام تصدّر اسم جيسي حبشي مواقع التواصل، وظهرت المنشورات التي تطلب مساعدتها، لجمع مبلغ من المال، من أجل تغطية نفقات علاجها الطبي، بعدما تدهورت حالتها الصحية، على إثر إصابتها بمرض السرطان ودخولها المستشفى.

ظهرت حبشي (22 عاماً) في فيديو قصير من داخل المستشفى، تناشد بصوت مخنوق من يستطيع مساعدتها، لاستكمال رحلتها العلاجية وإنقاذ حياتها. وقالت والدموع تفيض منها: «متألمة لأني أعيش في بلد يعجز عن علاجي. أنا بحاجة دعمكم ووقوفكم إلى جانبي».

مئات، بل آلاف المرضى مثل هذه الشابة، يعانون بصمت، ويحملون فوق أوجاعهم الجسدية آلاماً نفسية لا تُحتمل، بسبب انقطاع أدوية السرطان، أو لأن تكلفة الاستشفاء تتخطى قدراتهم المالية، وذلك بعد تخلي الدولة والهيئات الضامنة التابعة لها عن القيام بواجباتها تجاههم، فلم يبق أمامهم سوى طرق أبواب المحسنين، لجمع التبرعات وإبعاد شبح الموت عنهم.

نخاع شوكي

جيسي تخطّت المرحلة الأولى من معركتها، بعدما سدّدت عائلتها، بمساعدة ودعم الخيّرين، مبلغ 30 ألف دولار لدخول المستشفى، وبدء العلاج الأولي، لكنها تحتاج بالحد الأدنى إلى 100 ألف دولار، ثمن الدواء وإجراء عملية زرع نخاع شوكي.

على سرير المستشفى، وببسمة مفعمة بالأمل، تبدو جيسي واثقة من انتصارها على السرطان: «مع كل إشراقة شمس أشكر الله لأنني لا أزال هنا».

تنسى للحظات أوجاعها وتعبها، وتتوجه لمن ساعدها بالقول: «اللبنانيون بكبّروا القلب. إذا دولتي ما وقفت حدّي، الناس اللي ما بعرفن ساعدوني وأمّنوا لي استكمال علاجي».

رحلة شاقة

يروي إيلي، شقيق جيسي لـ القبس فصولاً مختصرة من رحلة شاقة، بدأت قبل 9 أشهر، مع إصابة شقيقته الصغرى بسرطان الدم (اللوكيميا)، وبداية رحلة العلاج في مستشفى المعونات في مدينة جبيل، حيث تقيم العائلة.

سبعة أشهر من العلاج الكيمياوي كبّدت العائلة 80 مليون ليرة للعلاج الشهري، تسدد وزارة الصحة مبلغاً ضئيلاً منها لا يتخطى 10 ملايين، كونها لا تزال تعتمد السعر الرسمي للدولار، وهو 1500 ليرة.

وعدا تكلفة العلاج، واجهت العائلة صعوبة في تأمين الدواء، الذي كانت تشتريه من السوق السوداء بمبالغ باهظة، تتجاوز الألف دولار.

استطاعت العائلة مع الخيّرين وبعض الجمعيات تأمين ثمن بعض الجرعات، لكن وضع جيسي الصحي بدأ يتراجع مع انتهاء العلاج الكيمياوي، إذ أظهرت الفحوصات المخبرية الأخيرة أن الخلايا السرطانية تتكاثر في جسدها، حتى وصلت إلى 80 %، بعد أن كانت 5 إلى 10 % في بداية مرحلة العلاج.

عملية خطيرة

بناء على توصيات من عدة أطباء، قررت العائلة نقل جيسي إلى مستشفى الجامعة الأميركية.

يقول شقيقها: «أدخلنا جيسي في البداية إلى قسم الطوارئ، بعد أن دفعنا مبلغاً كبيراً، وبقيت في القسم حتى تأمّن المبلغ كاملاً، وهو 30 ألف دولار، للعلاج الأولي، قبل إجراء العملية. العملية خطيرة، ونسبة نجاحها متعادلة مع فشلها. لكنها الخيار الأخير».

أطلقت جيسي نداءها إلى اللبنانيين عبر وسائل التواصل فور دخولها المستشفى. كان ذلك الأمل الأخير أمامها.

ويتساءل إيلي: «أي عائلة قادرة على تحمّل مبلغ كهذا، بالإضافة إلى تكاليف أخرى مرتبطة بالعلاج والأدوية؟»، متمنياً لو أن وزيراً أو سياسياً سمع نداء شقيقته الذي ضج به كل لبنان وتبرّع، ولو بمبلغ بسيط.

في المقابل، يفرح إيلي بهبة اللبنانيين، ومعظمهم من المغتربين: «بفضلهم تأمّنت التكلفة المطلوبة للعملية، ولا تزال تردنا اتصالات حتى اليوم من أشخاص يعرضون علينا المال، لكننا نطلب منهم تحويله إلى الجمعيات المهتمة بمرضى السرطان».

حلقة تلفزيونية أنقذته

على صعيد متصل، وبعدما فقد مريض السرطان روي خوري القدرة على استكمال علاجه على نفقته الخاصة، سارع إلى موقع فيسبوك لشرح معاناته، راجياً المساعدة لإجراء عملية زرع نُقيّ عظم، لأن جسده لم يعد يحتمل العلاج الكيمياوي.

مبلغ 20 ألف دولار كان بالنسبة لخوري مسألة حياة أو موت، فهو أب لطفلَين، وعاطلٌ عن العمل، بفعل وضعه الصحي المتردي، وتخلي الشركة التي كان يعمل فيها عنه.

وبعدما تواصلت عائلة روي مع عدد من النواب ورجال الدين والجمعيات، لم يتأمن سوى مبلغ بسيط، في وقت كان كل يوم مر دون علاج يهدد حياته.

وبعد إثارة قضيته على «فيسبوك»، ظهر خوري في برنامج الإعلامي مارسيل غانم، معززاً شهادته بالوثائق الطبية، ومتوسلاً إنقاذ حياته من أجل أطفاله: «مبلغ بسيط بيعمل فرق».

وخلال دقائق، كانت الاتصالات تنهال على البرنامج، تلبية لنداء روي، حتى فاقت التبرعات التكلفة المطلوبة للعملية.

طلال يناشد المساعدة

من جهته، ناشد الشاب طلال (32 عاماً) عبر رسائل في مواقع التواصل المتبرعين وأصحاب الخير لمساعدته

في معالجة مرض اللوكيميا الحادة الذي يعاني منه.

طلال يخضع للعلاج في مستشفى الجامعة الأميركية، تمهيدا لإجراء عملية في النخاع الشوكي، وذلك بعد 3 أشهر على الأقل.

تكلفة العلاج مع العملية تقارب 150 ألف دولار، إضافة إلى حاجته إلى 5 علب دواء، ثمن الواحدة 9750 دولاراً.         

 

فضائح اختفاء الأدوية 

المافيات التي تتحكم بحياة اللبنانيين في مختلف القطاعات انسحبت على قطاع الدواء أيضا. تختفي الأدوية من الوزارة ولا من يحاسب ولا من يُسائل.

وبعد أيام من اكتشاف اختفاء دواء خاص بمرضى سرطان البروستات في وزراة الصحة، خرجت فضيحة جديدة إلى العلن مع الإعلان عن اختفاء كمية كبيرة من دواء مرضى السرطان المناعي Obdivo المقدم هبة من منظمة «ANERA» الأميركية إلى وزارة الصحة اللبنانية. فالكمية التي كان يفترض أن تكفي حوالي شهرين ونصف الشهر، انتهت تماماً بعد اسبوعين.

يقول هاني نصار المسؤول عن جمعية باربرا نصار لمرضى السرطان أن المنظمة الأميركية وزعت هبتها بين مستشفى الجامعة الأميركية ووزارة الصحة، وكان الهدف من هذه الهبة إنقاذ حياة المرضى، لكن بدلاً من ذلك جرت المتاجرة بها من قبل موظفين في الوزارة هم عبارة عن مافيات. قاموا ببيعها في السوق السوداء محققين أرباحاً طائلة والجزء الآخر جرى تهريبه إلى سوريا كالعادة.