وسط الحاجة لهم في سوق العمل... لا نيّة للسوريين في ألمانيا للمغادرة

لم تكد تمر ساعات قليلة بعد سقوط بشار الأسد حتى بدأ بعض الساسة الألمان في ‏الحديث عن أن الوقت قد حان كي يفكر مليون سوري يعيشون في ألمانيا، وصل ‏الكثير منهم كلاجئين في 2015، في العودة إلى ديارهم.‏

لكن كثيرا من هؤلاء السوريين أسسوا حياة في ألمانيا وليس لديهم أي نية للعودة. ‏وبدأت أصوات أرباب الأعمال والنقابات واتحادات الصناعات تعلو مذكّرة بمدى ‏الحاجة إليهم في الاقتصاد الألماني الذي يواجه نقصا حادا في العمالة.‏

وقال أولريش تيمبس المدير العام لشركة للدهانات والورنيش "إخبار أشخاص ‏يعملون بأن عليهم العودة إلى سوريا أمر غير مفهوم بالنسبة لي على الإطلاق".‏

وقال تيمبس لوكالة "رويترز" متحدثا عن 12 سوريا ضمن القوة العاملة لديه ‏وتضم 530 شخصا على مستوى البلاد "لقد أخذنا على عاتقنا مهمة تدريبهم ‏وتحويلهم إلى عمال مهرة".‏

ومن بين هؤلاء محمد رضا توتنجي، الذي جاء إلى ألمانيا في تشرين الثاني ‏‏2015 كلاجئ سوري. ويعيش الآن في مدينة هانوفر في الشمال مع زوجته، التي ‏انضمت إليه لاحقا عبر برنامج للم شمل الأسر، وأطفالهما الثلاثة.‏

وأضاف رضا توتنجي الذي كان قد أنهى للتو دراسته الثانوية عندما غادر سوريا ‏‏"لقد اندمجت هنا في ألمانيا وأكملت تدريبي هنا. وأرى مستقبلي هنا".‏

وكان قرار المستشارة السابقة أنغيلا ميركل في عام 2015 باستقبال أكثر من ‏مليون طالب لجوء معظمهم من سوريا مثيرا للجدل في حينه في ألمانيا، ورأى ‏البعض أنه ساهم في صعود نجم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف.‏

ومنذ ذلك الحين، استقبلت ألمانيا أيضا أكثر من 1.2 مليون لاجئ من أوكرانيا، في ‏وقت من المتوقع أن ينكمش فيه اقتصادها عام 2024 للعام الثاني على التوالي ‏ليكون الأسوأ أداء بين دول مجموعة السبع.‏

وتمثل الهجرة الآن ثاني أكبر المخاوف إلحاحا بالنسبة للألمان قبل الانتخابات ‏الاتحادية في شباط (فبراير) 2025، بعد الاقتصاد.‏

وفي محاولة للحد من جاذبية اليمين المتطرف، اقترح بعض الساسة الألمان دفع ‏تكاليف رحلات عودة السوريين إلى وطنهم. وفي الوقت نفسه، جرى تعليق طلبات ‏اللجوء المقدمة من سوريين.‏

وقال فريدرش ميرتس الذي قد يصبح المستشار الألماني القادم إن سقوط الأسد قد ‏يكون فرصة لعودة السوريين، لكن من السابق لأوانه اتخاذ أي قرار.‏

ورغم أن هناك نحو 500 ألف شخص لا يعملون، من بينهم أمهات وأطفال، فقد ‏ساعد السوريون في تخفيف الضغوط العمالية التي، وفقا لغرفة التجارة والصناعة ‏الألمانية، جعلت نصف الشركات تواجه صعوبة لشغل الوظائف الشاغرة.‏

ويعمل نحو 43 ألف سوري في قطاع التصنيع الذي كان يشكل منذ فترة طويلة ‏محركا رئيسيا للنمو حتى التباطؤ الأخير. ومن بين هؤلاء صلاح صادق مطور ‏البرامج لدى شركة كونتننتال لتوريد السيارات والمعدات الصناعية.‏

وقال صادق الذي حصلت زوجته على الدكتوراه في ألمانيا إن أطفاله سيضطرون ‏إلى تغيير اللغة والنظام التعليمي إذا عادوا.‏

ولم يستبعد العودة إلى مدينته دمشق مطلقا، لكنه أضاف "نحتاج إلى خمس سنوات ‏على الأقل للحصول على مزيد من الوضوح بشأن الوضع في سوريا".‏

وتظهر بيانات معهد أبحاث التوظيف، وهي مؤسسة بحثية، أنه كلما طالت فترة ‏تواجد الشخص في ألمانيا زادت احتمالية حصوله على وظيفة، ليصل معدل ‏التوظيف إلى أكثر من 60 بالمئة لأولئك الذين مر على بقائهم أكثر من ست ‏سنوات.‏

كما أنهم يصبحون أقل رغبة في المغادرة، ويصبح الدور الذي يلعبونه في الاقتصاد ‏المحلي والمجتمع أكثر وضوحا.‏

وقالت سوزي موبيك مفوضة الاندماج بولاية ساكسونيا أنهالت في شمال شرق ‏ألمانيا "لا ينبغي أن نخاطر بالنجاحات التي تحققت في الاندماج. فالشركات ‏والعيادات ومرافق الرعاية تعتمد على العمال السوريين".‏

ويعمل في المستشفيات الألمانية نحو عشرة آلاف سوري، مما يجعلهم أكبر ‏مجموعة من الأطباء الأجانب في ألمانيا، بحسب الجمعية السورية للأطباء ‏والصيادلة في ألمانيا.‏

وقال جيرالد جاس رئيس اتحاد المستشفيات الألمانية "إذا غادرت أعداد كبيرة من ‏البلاد، فلن تنهار خدمات الرعاية الصحية، ولكن ستكون هناك فجوات ملحوظة".‏

وفي إحدى المجموعات على موقع فايسبوك للأطباء السوريين في ألمانيا، أظهر ‏استطلاع سريع للرأي أُجري يوم سقوط الأسد أن 74 بالمئة من 1200 مشارك ‏قالوا إنهم يفكرون في عودة دائمة. وأظهر استطلاع أُجري بعد ثلاثة أيام أن 65 ‏بالمئة من 1159 مشاركا قالوا إن العودة ستتوقف على الظروف في البلاد.‏

وعندما سمعت ساندي عيسى، وهي طبيبة نسائية تبلغ من العمر 36 عاما وتعمل ‏في إحدى عيادات برلين، بسقوط الأسد تمنت لو أنها قادرة على الاحتفال في ‏مدينتها حمص.‏

وختمت: "نريد أن نكون في بلدنا، لكن فيما يتعلق بالتفكير في العودة بشكل دائم... ‏أعتقد أنه من السابق لأوانه للغاية".‏