المصدر: النهار
الكاتب: علي حمادة
الخميس 6 تشرين الثاني 2025 07:12:44
في أقل من أسبوعين، انتقل لبنان من موقف يرفض مبدأ التفاوض مع إسرائيل، إلى القبول به شرط ألاّ يكون مباشرا، وأن يحصل في إطار لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم) الموقع بين البلدين في ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤. وأوضح لبنان أن اقصى ما يقبل به هو توسيع اللجنة التي ترأسها أميركا ليضم الوفد اللبناني، إضافة إلى ممثليه من الجيش اللبناني وعدد من التقنيين المدنيين، في إشارة إلى أن لبنان يرفع مستوى التفاوض! وكان المأمول لبنانيا ان يأتي التفاوض وفق هذه الصيغة كخطوة لاحقة لانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلة في الجنوب اللبناني، وتوقف الضربات الإسرائيلية ضد مقاتلي الحزب ومسؤوليه المحليين، وانطلاق ورشة إعادة إعمار القرى والبلدات التي دمرت خلال الحرب بين إسرائيل و"حزب الله " عامي ٢٠٢٣ و٢٠٢٤.
اليوم بات المطروح لبنانيا تفاوض على مسارين، الأول عبر لجنة "الميكانيزم"، والثاني عبر مبعوثي الولايات المتحدة مع شركاء عرب في مقدمهم مصر التي يأمل المسؤولون اللبنانيون أن تأخذ على عاتقها نقل الرسائل مباشرة بين القيادتين الإسرائيلية واللبنانية. لكن المطروح لبنانيا ليس بالضرورة مقبولا لدى الولايات المتحدة أو إسرائيل. ولذلك فإن المطروح فعليا لن يقل عن قبول لبنان بالتفاوض المباشر مع إسرائيل بحضور أميركي، أسوة بالتفاوض الحاصل بين سوريا وإسرائيل. وتقديرنا أن لبنان لن يكون أمامه خيار إلا القبول بالتفاوض المباشر مع إسرائيل، والشروط اللبنانية التي أشرنا اليها أعلاه ستوضع جانبا.
في المقابل، ستفرض واشنطن على تل أبيب الامتناع عن شن حملة عسكرية كبيرة لقاء الدخول في مفاوضات تشمل كل الملفات المطروحة بين البلدين. بمعنى أن تأجيل الحرب سيكون لقاء التفاوض تزامنا مع تحقيق تقدم جوهري ينهي نزع الأسلحة بنسبة ١٠٠٪ في منطقة جنوب نهر الليطاني، توازيا مع إطلاق عملية نزع السلاح جديّة شمال الليطاني وصولا إلى نهر الاولي.
اختصاراً، لا انسحاب من النقاط الخمس، ولا وقف لعمليات الاغتيال وتدمير البنى التحتية العسكرية، والمعدات الخاصة بالبناء والإعمار قبل تحقيق تقدم كبير في عملية نزع سلاح "حزب الله". ففي تقدير جهات ديبلوماسية غربية في بيروت أن الضربات الإسرائيلية اليومية باتت المحفّز الأساسي لحمل الحزب المذكور على القبول بما كان مرفوضا على مستوى نزع السلاح في كل لبنان، ورفع مستوى التفاوض مع إسرائيل ليصبح تفاوضا مباشرا على نحو غير مسبوق. كما أن الضربات شجعت المسؤولين الكبار على مخاطبة "حزب الله" بطريقة مختلفة عما سبق، والضغط على قيادته الجديدة مباشرة أو بواسطة رئيس مجلس النواب نبيه بري لجعلها تُدرك عمق المتغيرات الجيوسياسية في كل من الإقليم ولبنان، ولاسيما بعد "حرب الإسناد" التي خاضها "حزب الله" ضد إسرائيل وانتهت بهزيمته بعد مقتل معظم قادته من الصفين الأول والثاني. والغاية من الضغط على القيادة الجديدة تجنيب لبنان حربا جديدة قد تنشب ما لم يتم نزع سلاح "حزب الله" في كل لبنان.
الرئيسان جوزف عون ونواف سلام يعرفان تماما هذه المعادلة، ويدركان أن تمسك "حزب الله" بموقفه الرافض تسليم سلاحه في كل لبنان والانتقال بعد حل هيكليته العسكرية الأمنية إلى العمل السياسي أسوة ببقية الأحزاب اللبنانية، سينتهي بأنهار من الدماء، وبجبال من الركام. بمعنى آخر سينتهي بكارثة تاريخية!