وضعية حزب الله ومصير السلاح في حال ترسيم الحدود البرّية مع إسرائيل؟

أعادت حرب غزّة طرح مسألة سلاح "حزب الله" على الطاولة من جديد، ومن زوايا متعدّدة، منها جدوى هذا السلاح في ظل استمرار الحرب في غزّة، وارتباطه بإيران التي لم تتخذ قرار إطلاق حرب واسعة على إسرائيل، والأهم مصير هذا السلاح مع الوصول إلى تسوية بشأن حدود لبنان البرية الجنوبية.

فبالتوازي مع الحديث عن القرار الأممي 1701 وتطبيقه، تدور على ما يبدو مفاوضات أو مساع جدّية من أجل ترسيم الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل، يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، وأكّدها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، حينما قال إن لبنان أمام فرصة تاريخية "لتحرير الأرض"، ما دفع العديد من المراقبين إلى ربط هذه المشهدية بمصير سلاح "الحزب"، خصوصاً اذا تم الوصول إلى حل لمزارع شبعا وكفرشوبا.
 
ويكون السؤال الأبرز حينها، ما مصير سلاح "حزب الله" في حال انتهى الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية؟ هل يعود "الحزب" إلى كنف الدولة؟ أم يختلق ذرائع جديدة للاحتفاظ بهذا السلاح ذات الأبعاد الإقليمية والدولية؟

هل يُسلّم الحزب سلاحه؟
يتفق مراقبون على أن احتلال إسرائيل لمناطق لبنانية هو مجرّد ذريعة يتخذها "حزب الله" لمنح سلاحه الشرعية المطلوبة في الداخل اللبناني وحتى المجتمع الدولي، إلّا أن جوهر احتفاظ "الحزب" بسلاحه مرتبط بإيران ومشروعها الإقليمي في الشرق الأوسط، وعلى هذا الأساس استخدم "الحزب" سلاحه في سوريا واليمن والعراق أكثر مما استخدمه في الجنوب ضد إسرائيل في السنوات الأخيرة.

ويُشير المراقبون إلى أن "حزب الله" قاتل في سوريا لأكثر من 11 عاماً، وأرسل عناصره إلى اليمن في مهمات تدريبية واستقبل الحوثيين في لبنان للهدف نفسه، ونقل خبراته للتنظيمين الفلسطينيين "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وكل هذه الجبهات بعيدة عن تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وبالتالي فإن سلاح "حزب الله" مرتبط بساحات المنطقة كلها، لا بساحة الجنوب فحسب.

ويستبعد المراقبون تسليم "حزب الله سلاحه إلى الجيش اللبناني أو العودة إلى كنف الدولة في حال تم ترسيم الحدود البرّية وحل مسألة الأراضي المحتلة، أكان لجهة انسحاب إسرائيل أو تسليم لبنان بعدم لبنانية هذه الأراضي، هذا في حال تم حل المسألة أساساً، وسيجد "الحزب" ذريعة جديدة من أجل الاحتفاظ بسلاحه، وذلك في إطار تنفيذه للمشروع الإقليمي المرتبط بإيران.

وبرأي هؤلاء، فإن "حزب الله" يستمد معظم قوته من سلاحه الذي مكّنه منذ العام 2006 من إرساء المعادلات الداخلية التي يُريدها، كالثلث الحكومي المعطّل بعد أحداث 7 أيار العسكرية، فرض ميشال عون رئيساً للجمهورية، التهديد بعصا الفوضى قُبيل الاستحقاقات، وعلى أساس هذه القوّة نسج التحالفات، وبالتالي فإن فقدان سلاحه يعني تعريته أمام قوى سياسية تُعارضه وتنتظر لحظة ضعفه.

عوائق تحول دون تسليم "حزب الله" سلاحه
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية وليد صافي يتحدّث عن واقع "حزب الله" واحتفاظه بسلاحه، ويُشير إلى أن "الحزب يحتفظ بسلاحه بموجب البيانات الوزارية التي انطلقت بالأساس من اتفاق الطائف الذي نص في البند المتعلّق بتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي وتطبيق القرار 425، على استخدام كافة الإجراءات والوسائل من أجل بلوغ هذا الهدف".

لكن في حديث لـ"النهار"، يقول صافي إن "الطائف يربط أيضاً بين تحرير الأراضي المحتلة وموجب بسط سيطرة الدولة على الحدود، وهذا ما لم يحصل، ثم إن بعد التحرير، نشأت قضية مزارع شبعا، فتمكّن "حزب الله" نتيجة ميزان القوى القائم من استمرار التمسّك بسلاحه وربطه بتحرير مزارع شبعا التي لم تتحرر حتى الآن، وبقيت إشكالية بسط سلطة الدولة قائمة حتى بعد حرب تموز وصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي".

ويتطرّق صافي إلى ملف ترسيم الحدود البحرية والنقاط الخلافية المرتبطة بالخط الأزرق، وإلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشمال الغجر، ويعتبر أنّ "قضية مزارع شبعا معقّدة، فهي بالأساس كانت خاضعة للسيادة السورية عند احتلالها في العام 1967، والنظام السوري رفض حتى الآن الاعتراف بلبنانيتها، والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تتقدم بأي طرح جدي للانسحاب منها، بل تتمسك باحتلالها، وبالمقابل تمسك الحزب بسلاحه في مواجهة الاحتلال".

ويُضيف في هذا السياق: "في حال تم الاتفاق على مسألة الخط الأزرق وتسوية النقاط الخلافية، سيبقى الوضع معقداً بالنسبة لمزارع شبعا لإنجاز ملف التحرير بشكل كامل. وبالتالي فإن المعادلة معقدة، فلا الحزب أقدم على تحرير المزارع، ولا النظام السوري اعترف بلبنانيتها، ولا إسرائيل على استعداد للانسحاب منها، بل إن تل أبيب تهدّد اليوم بتوسيع الحرب وتدمير بيروت واستنساخ نموذج غزة في الجنوب وتطبيق القرار 1701 بالقوة".

وبالحديث عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، يُذكّر المراقبون بالجدل الطويل والمستمر حول هوية هذه الأراضي، وإشكالية عدم تسليم سوريا الأوراق التي تُثبّت لبنانية هذه الأراضي من جهة لأن النظام السوري يعتبرها سورية ضمناً ولا يُريد التخلي عنها، وإصرار حلفاء النظام في لبنان على أنها لبنانية من أجل استخدامها كذريعة أراضٍ محتلة للحفاظ على سلاح "حزب الله".

ويعتبر صافي أن "حزب الله" هو "حزب لبناني ولكنه مرتبط بمشروع إقليمي تقوده إيران، وللحزب موقفه العقائدي من إسرائيل، وفي المقابل، فإن اليمين الإسرائيلي الذي دمر غزة ويستمر في حربه دون أي أفق سياسي يستعد للحرب في جنوب لبنان، ما يرفع من حدة التوتر ويفتح الوضع على احتمالات متعددة بينها الحرب الموسعة. وبالتالي المعادلات المطروحة من قبل الإسرائيليين تارة لإبعاد "حزب الله" شمالي الليطاني، أو تطبيق القرار 1701 بالقوة أو تجريد الحزب من سلاحه سنداً للقرار 1559، محكوم عليها بالفشل".

ويسأل صافي: "كيف يمكن إبعاد "حزب الله" إلى شمالي الليطاني وبقاء إسرائيل في مزارع شبعا؟ وكيف يمكن طمأنة أبناء الجنوب الذين ينظرون إلى سلاح الحزب كضمانة للدفاع عنهم في مواجهة التهديدات الإسرائيلية؟ بعد نهاية الحرب في غزة، وإذا جرى الاتفاق على حل نقاط الخلاف العالقة عند الخط الأزرق، وبعد انتخاب رئيس جمهورية، يتم التوجّه إلى رسم سياسة دفاعية تمكّن الجيش من رسم استراتيجية دفاعية قادرة على الاستفادة من خبرات "حزب الله" وسلاحه، بانتظار تسوية إقليمية كبرى تكون إيران جزءاً منها".

ويرى أن "الظروف الحالية المعقدة في المنطقة، واستمرار الاستقطاب الحاد على المستوى الدولي، واستمرار الحكومة الإسرائيلية ذات التوجهات اليمينية المتطرفة بإغلاق أي أفق سياسي لحل الدولتين، تعطّل كافة الفرص التي تؤدّي لهذا النوع من التسويات، لا بل إن حرب غزة وما نتج عنها من توترات جيوسياسية في البحر الأحمر والعراق وسوريا ولبنان، رفعت من حدة ربط لبنان بأزمات المنطقة، والمواجهة القائمة في الجنوب خير مثال على التحديات التي تنتظر لبنان، لذلك التفكير بواقعية مطلوب، كما العمل بإلحاح لجعل المسارات الديبلوماسية تتغلب على مسار الحرب، هذا إذا تمكن الأميركيون من ضبط التوجهات الإسرائيلية التي تهدد الاستقرار في المنطقة".

ما هو الظرف الذي يدفع بحزب الله لتسليم سلاحه؟
الخبير الاستراتيجي والعميد الركن حسن جوني، يرى بعدين لمسألة تمسك "حزب الله" بسلاحه، "الأول لبناني مرتبط بالحدود مع إسرائيل، واحتلال الأخيرة مزارع شبعا، تلال كفرشوبا والقسم الشمالي من الغجر، بالإضافة إلى وجود 13 نقطة خلافية، والبُعد الثاني إقليمي مرتبط بالصراع العربي الإسرائيلي، كون لبنان جزءاً من هذا الصراع"، ويُشير إلى أن مقاربة الحزب لهذا الصراع تختلف عن مقاربة بعض الافرقاء السياسيين في لبنان الذين يفضلون مقاربته ضمن إطار المجموعة العربية وليس بشكل مختلف عنها.

وفي حديث لـ"النهار"، يلفت إلى أن "في حال تم ترسيم الحدود وحل كافة الإشكاليات، أي معالجة مسألة النقاط الـ13 وانسحاب إسرائيل من الغجر ومزارع شبعا والتلال، وهي الفرضية المثالية، قد يتوجّه "حزب الله" إلى خيار "ضبط" سلاحه في الداخل والتنسيق أكثر مع الحكومة وصولاً إلى "الاستراتيجية الدفاعية"، لكن دون حل الجناح العسكري للحزب".

ويُشير المراقبون حينها، إلى أن النقمة السياسية والشعبية ستزيد عند البيئة المُعارضة لـ"حزب الله" في حال لم يسلّم سلاحه أو وارب واحتفظ به بطريقة معيّنة، وسترتفع الأصوات الداخلية والخارجية المُطالبة بتسليم هذا السلاح للحكومة على اعتبار أن مهمته انتهت، إلّا أن المراقبين أنفسهم يعتبرون أن المسألة لن تُحل بشكل كامل بقرار من "حزب الله" ليحتفظ الأخير بالسلاح.

اما وفي حال لم تتم تسوية كل الإشكاليات، يعتقد جوني أن "حزب الله" عندها سيحتفظ بسلاحه ويستمر بالسياسة التي يعتمدها اليوم، لأنه يعتبر أن ثمّة أراضي لا زالت محتلّة أو نقاطاً حدودية غير متفق عليها، لكن في الوقت عينه، يرى جوني أن المسائل التقنية الحدودية يُمكن حلها من خلال "الديبلوماسية الخلّاقة" في حال توافرت الإرادة السياسية لذلك، ويستشهد بترسيم الحدود البحرية وإنجاز الملف.

ورداً على سؤال عن سبب عدم إنهاء حالة "حزب الله" العسكرية في الحالة المثالية، يعود جوني إلى البُعد الثاني لسلاح الحزب، أي الإقليمي، ليُشير إلى أنه حتى لو تم حل المشكلات الحدودية مع إسرائيل سيعتبر "حزب الله" أن التهديد الإسرائيلي للبنان سيبقى موجوداً وستبقى الحاجة لسلاحه قائمة رغم عدم وجود إجماع لبناني على ذلك".

ويرى أن "حل الصراع العربي الإسرائيلي على قاعدة السلام العادل والشامل هو التطور الذي يؤدي بالحزب الى تسليم سلاحه للدولة وإنهاء جناحه العسكري، وبالتالي فإن "الحزب" لن ينكفئ عن عمله العسكري قبل "السلام العادل والشامل" في المنطقة، أي انتفاء كل الأخطار".

ويُتابع في هذا السياق: "السلام في المنطقة يحتاج إلى تسويات إقليمية ذات مروحة واسعة، وانطلاقاً من التماهي الموجود بين عمل "حزب الله" والسياسة الخارجية الإيرانية، علماً أن الحزب يدور في فلك التأثير الإيراني في المنطقة، فإن إيران ستكون جزءاً من هذه التسويات في المنطقة، وحينها يُمكن الحديث عن تسليم "حزب الله" لسلاحه، إلّا أن لا أجواء تشي باقتراب لحظة هذه التسويات، لأنه رغم الجهود الدبلوماسية التي تبذل وخاصة الأميركية والتي تسعى الى فصل الساحات دبلوماسياً فإن حزب الله مُصرّ على ربط الساحات".

في المحصّلة، فإن سلاح "حزب الله" مرتبط بتسويات المنطقة والمسألة الإيرانية، لا بالتسويات الداخلية المحصورة في لبنان فحسب، وإيران بدورها تعتبر أن "الحزب" أقوى بطاقاتها في المنطقة، لأنّه الأكثر تجهيزاً وتدريباً وخبرةً، وتأثيره يتخطى المحلي إلى الإقليمي والدولي، وبالتالي فإن هذه المعضلة مستمرّة ومن غير المرتقب أن يتم إيجاد الحلول في المدى المنظور.