المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: جوانا فرحات
الجمعة 5 تموز 2024 15:45:41
مع استمرار الشغور في سدة الرئاسة الأولى، بدأ الحديث بشكل واضح عن واقع المواقع المسيحية في الدولة اللبنانية لاسيما التي تقع تحت باب "الفئة الأولى" وغيرها.
إحصاءات "الدولية للمعلومات" عام 2023 تشير إلى وجود 179 وظيفة من الفئة الأولى في الدولة ،73 منها شاغرة و50 موقعاً يعود للطائفة المارونية في الدولة ومن أبرزها:مدير عام المالية، مدير عام النفط، مدير عام التجهيز المالي والكهربائي في وزارة الطاقة والمياه، ورئيس المؤسسة الوطنية للمحفوظات ومدير عام الجمارك ورئيس المؤسسة العامة للإسكان والمدير العام للتربية وحاكم مصرف لبنان.
بالتوازي، تشير الأرقام الصادرة عن مدير " ستاتيستكس ليبانون" ربيع الهبر في نيسان 2024 الى حجم الغياب المسيحي عن إدارات الدولة والشغور في المراكز الأساسية على الشكل التالي: أرمن أرثوذكس 40 في المئة، أقليات مسيحية 50 في المئة، الموارنة 44 في المئة ،روم أرثوذكس 53 في المئة ،روم كاثوليك 47 في المئة .وتصل نسبة مجموع الشغور في المناصب المسيحية إلى 42 في المئة. وبالنسبة إلى المراكز الأساسية هناك 4 مراكز مسيحية وضعت على صفائح الشغور. فالمدير العام للأحوال الشخصية مارون الياس الخوري تقاعد بتاريخ 4-4-2024. أما المراكز التي ستشغر ببلوغ مدرائها العامين سن التقاعد فهي : مديرعام وزارة الصناعة داني جدعون (كاثوليك) في 18-8-2024، أنطوان نهرا (ماروني) ويشغل منصب المفتش العام في التفتيش المركزي ويشغر منصبه في 3-12-2024 ومدير عام الدفاع المدني ريمون خطار بتاريخ 3-12-2024.
في هذا السياق، ظهرت إلى العلن عظات متتالية للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، رفع فيها الصوت محذراً من تفريغ المواقع المسيحية وما يثير من مخاوف وعلامات استفهام في صفوف المسيحيين بشكل مباشر وصفوف اللبنانيين الذين يؤمنون بلبنان التعدد والعيش الواحد بشكل عام. واعتبرأن "إطالة الشغور الرئاسي سيتبعه بعد مدة شغور في كبريات المؤسسات الوطنية الدستورية والقضائية والمالية والعسكرية والديبلوماسية. وحذر من مخطط قيد التحضير، لخلق فراغ في المناصب المارونية والمسيحية". لافتا إلى أن ما نطالب به لطوائفنا نطالبه للطوائف الأخرى. لكننا نلاحظ تصويباً على عدد من المناصب المارونية الأساسية لينتزعوها بالأمر الواقع، أو بفبركات قضائية، أو باجتهادات قانونية غب الطلب، أو بتشويه سمعة المسؤول".
بلوغ المدراء العامين سن التقاعد وخروجهم من مناصبهم أمر أكثر من طبيعي. لكن ما هو غير طبيعي إقصاء المسيحيين عن المناصب التي كان يشغلها موظفون مسيحيون من الفئة الأولى وتعيين موظفين بالإنابة من طوائف أخرى على غرار ما حصل في وزارة الأشغال العامة حيث تم تعيين جميع المدراء بالإنابة من الطائفة الشيعية. كذلك الأمر بالنسبة إلى وزارة الصحة حيث تم تعيين مدير عام بالإنابة شيعي بدلا من الأصيل من الطائفة الدرزية. فهل ما يحصل من تفضيل لموظفين من طائفة على حساب سواها عن قصد أو بسبب عدم توافر مرشحين لهذه المناصب؟
ثمة كلام لأمين عام حزب الله حسن نصرالله في أيار 2023 قد يجيب عن هذه التساؤلات خصوصا أنه جاء في معرض إحياء ذكرى أحد قادة الحزب لكنه استغلها مناسبة لتكريس قوته وهيمنته عبر وضع اليد على المواقع المسيحية في الدولة بدءا من تكريس التحكم بموقع رئاسة الجمهورية، مرورا باعتبار منصب المدير العام للأمن العام موقعا متقدّما للشيعة في الدولة، وليس انتهاء بإعطاء الإشارة لاحتلال منصب حاكمية مصرف لبنان، عندما قال إنه ليس مع " تعيين حاكم لمصرف لبنان، فلا تعيين ولا تمديد لحاكم مصرف لبنان، وعلى الجميع تحمّل مسؤولياته وعدم التخلي عنها".
رئيس مؤسسة لابورا الأب طوني خضرا يؤكد لـ"المركزية" ان المرحلة الدقيقة التي يمر بها لبنان تتطلب تضامنا وطنيا واصرارا جامعا للحفاظ على الشراكة الوطنية، لا سيما في الادارة العامة والاجهزة العسكرية، وان حل الشغور يكون بتصحيح الخلل فورا عبر الموافقة اولا على التطويع المقترح من قبل ادارة الجمارك والذي يعكس الحاجة الفعلية للادارة، وإعادة النظر في التعيينات الأخيرة في أكثر من إدارة، بالإضافة الى التنبه ووقف هذا الضرب الممنهج للشراكة والكيان.
المخاوف التي تحدث عنها المسيحيون دخلت مرحلة الجد، فهناك عملية قضم مؤكدة للمناصب ومواقع الطائفة في إدارات الدولة بحجة الشغور، مما يؤدي الى تفريغ المواقع المسيحية في المراكز المالية والعسكرية، في ظل الشغور الرئاسي الطويل وعدم الأخذ بكل المشاريع التي تعدها لابورا للترشيد لأن "الأساس ليس الإنتاجية إنما الزبائنية لكننا مستمرون في العمل ونعمل حاليا على تحديث الدراسة الأخيرة التي صدرت عام 2018-2019 وتضم إحصاءات عن عدد الموظفين في القطاع العام المدني والعسكري بحسب التوزيع الطائفي".
لا يبدي الأب خضرا تشاؤما في مسألة إقبال المسيحيين على الوظيفة العامة في كافة القطاعات على رغم انخفاض النسبة التي كانت تراوح عام 2019 بين 23 في المئة كحد أدنى و49 في المئة كحد أقصى ويؤكد بأن تردد المسيحيين اليوم من الإقبال على وظائف الدولة ليس ماديا إنما يعود إلى انعدام الثقة بالدولة لكن إذا أردنا استعادة الدولة يجب أن نبدأ العمل على ذلك من الداخل والتوقف عن ترداد شعار"الدولة مش إلنا". الدولة تحضن الجميع إذا كانت هناك إرادة لقيامها. فإما أن يكون لدينا إصرار وإرادة ببناء دولة أو لا تكون دولة".