المصدر: المدن
الكاتب: أحمد الحاج علي
الأربعاء 29 تشرين الأول 2025 01:31:21
لم تمرّ قضية تسليم عناصر من الأمن الوطني للأجهزة الأمنية اللبنانية، بعد أقل من 72 ساعة على مقتل إيليو أبو حنا، دون تداعيات داخل مخيم شاتيلا، إذ علمت "المدن" من مصدر خاص داخل حركة (فتح) أن هناك تغييرات واسعة ستجري في صفوف "الأمن الوطني" في المخيم، خلال اليومين القادمين، كما ستُستقدم عناصر من مخيمات أخرى لحسم الموقف، في ظل احتجاجات وتظاهرات شعبية. لكن كيف تدحرجت الأمور بسرعة، ودفعت باتجاه هذا القرار؟
بعد هجوم الجيش اللبناني على أوكار تجار المخدرات في المخيم، في 19 أيلول الماضي، انكفأ تجار المخدرات لأيام، ولاذوا بالفرار بعيداً من أوكارهم، وهنغارهم الشهير عند المدخل الجنوبي الشرقي للمخيم. وهذا أفسح المجال أمام فصائل فلسطينية للانتشار، وتثبيت الأمن، وولّد ارتياحاً عاماً في المخيم. لكن تراخياً أصاب القوة الأمنية التابعة للفصائل، الأمر الذي سمح لتجار المخدرات بمعاودة تجارتهم، بالأماكن نفسها التي كانوا يستخدمونها لتلك التجارة، لكن دون بلوغ هذه التجارة المستوى نفسه الذي كان عليه قبل اقتحام الجيش اللبناني للمخيم.
ينفي مسؤول فلسطيني في اللجنة الشعبية بالمخيم أن يكون التراخي الفصائلي هو بسبب اختراق تجار المخدرات لبنية بعض الفصائل الفلسطينية "فالاختراق لم يصل إلى حدود السيطرة الكاملة على فصائل فلسطينية رئيسية. كما أن التغييرات التي شهدتها بعض الفصائل أضعفت نفوذ العناصر أو الكوادر التي تدور حولها شبهات بالعلاقة مع تجار المخدرات".
ويعتبر أن "التراخي الفصائلي ناتج أساساً عن ضعف في الأداء التنظيمي، وانعدام الخطط الجذرية التي يمكن أن تعالج مشكلة متداخلة فيها العوامل السياسية والاجتماعية والأمنية. ونعترف أن ضعف الكفاءة لدى الفصائل الفلسطينية انعكس شللاً في أدائها". ولدى سؤالنا المباشر عمن هو الأقوى في المخيم: تجار المخدرات أم الفصائل الفلسطينية؟ يجيب المسؤول الفلسطيني النافذ داخل اللجنة الشعبية "لم يحدث في أي مرة صراع بين الطرفين إلا حُسم بسرعة لصالح الفصائل الفلسطينية. لكن القضية الأساسية هي اتخاذ القرار ومتابعة تنفيذه".
عاش سكان مخيم شاتيلا توتراً بعد الإعلان عن مقتل إيليا أبو حنا، بسبب الحادثة، وما تبع ذلك من تحريض إعلامي وسياسي، وصل حدّ مطالبة عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب جورج عقيص بمحاصرة المخيم بالدبابات. لكن هذا التوتر كاد يصل حد الانفجار مع إصابة فتاة برأسها أمام وكر لتجارة المخدرات الساعة التاسعة صباحاً، وما لبثت أن فارقت الحياة بعد ساعات قليلة، خاصة وأن هذا الوكر كان قد داهمه الجيش اللبناني خلال اقتحامه الأخير للمخيم.
ويتكون هذا الوكر من مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق، يقع في وسط المخيم. وعلمت "المدن" أن هذا المبنى كان مدرسة تتبع الأونروا خلال حصار المخيمات منتصف الثمانينيات، تحت اسم "مدرسة الجليل". بعد سنوات استولى عليه تاجر المخدرات "أ.ل"، وحوّله إلى مركز رئيسي لتجارة الممنوعات يضاف إلى مركزين آخرين في المخيم.
قبل خمسة أشهر تقريباً اتُهم بقتل أحد الأشخاص، فطاردته عائلة القتيل. فأرسل 15 فرداً من عائلته وأقاربه إلى إسبانيا، وتوارى عن الأنظار. وتتعدد الأقاويل حول وجهته، فمنهم من يقول إنه لم يغادر لبنان بعد. ومنهم من يذهب إلى أنه غادر إلى سوريا، وآخرون يقولون إنه الآن في إحدى الدول الأوروبية. ونتيجة أن المبنى محصّن، ويقع في وسط المخيم، أصبح مركز جذب لتجار المخدرات، فاستأجره ثلاثة من عائلة (م) مقابل 1000 دولار يومياً، كما تحدث مصدران في المخيم لـ "المدن".
عند وقوع الجريمة اقتحمت المبنى القوى الأمنية برفقة "الأمن الوطني"، وقبضت على أحد المروّجين داخله. والذي بدورهم دلّهم على مخبأ قاتل الفتاة وهو لبناني يُدعى "أ.ح"، فجرى تسليم المتهمين للأجهزة الأمنية اللبنانية. كما عُثر داخل المبنى على كميات كبيرة من الكوكايين والباز والحشيش والحبوب المخدرة، إضافة إلى بعض الأسلحة الخفيفة.
مدير العلاقات العامة والإعلام في قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان العقيد عبد الهادي الأسدي أكد لـ "المدن" أن الحملة مستمرة "ولن نتكيف مع الوضع الذي كان قائماً. وقد استطعنا إنجاز التحقيق بسرعة قياسية، وتسليمه إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية. وقضية تجارة المخدرات ليست مرتبطة فقط بمخيم شاتيلا، بل إن القائمين عليها داخل المخيم مرتبطون بعلاقات واسعة، تسمح لهم بالتحرك خارج المخيم، وهذا يستدعي تنسيقاً عالي المستوى بين القوى الأمنية في المخيم والأجهزة الأمنية اللبنانية".
صباح الثلاثاء التقى السفير الفلسطيني في لبنان محمد الأسعد بقائد الجيش اللبناني رودولف هيكل، وسلّم الأجهزة الأمنية اللبنانية نتائج التحقيق. وعلمت "المدن" أن الأسعد قال خلال اللقاء إنه سيطلب تدخل المعنيين لكبح جماح الإعلام الذي ينشر تقارير يمكن أن تؤثر على تطور العلاقات اللبنانية الفلسطينية. وعصراً تسلّمت الأجهزة الأمنية اللبنانية ستة عناصر فلسطينية لاستجوابها حول حادثة مقتل إيليو أبو حنا. وفي الأثناء كانت تظاهرة تجوب حوالي المخيم، كان المشاركون فيها من الأعمار كافة، يهتفون ضد تجار المخدرات، ويطالبون الفصائل الفلسطينية بملاحقتهم.
وتأكدت "المدن" من مصادر أن عناصر فلسطينية من عدة مخيمات ستستدعى لمنع عودة تجار المخدرات إلى مخيم شاتيلا. وسينسحب الأمر نفسه على مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، حتى لا يجد تجار المخدرات ملجأ فيه. وسيتم تحويل المباني الرئيسية الثلاثة التي يتخذها هؤلاء مراكز لهم إلى مقارّ فصائلية دائمة. ويؤكد الأسدي، وهذا ما يأمله سكان مخيم شاتيلا، أن مواجهة تجار المخدرات هذه المرة تختلف عما كانت في المرات السابقة، من حيث الإعداد الداخلي، والتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، والدعم الشعبي، فهل تكون هذه المرة مختلفة فعلاً؟