ولادات قادمة ومخاوف تلاحق 11 ألف و600 حامل من النازحات اللبنانيات

لا تفكر دلال عجمي البالغة م من العمر 35 عاماً بنفسها بل بطفلها الذي سيولد بعد أيام قليلة، هي التي تعيش في مركز إيواء، حيث تتقاسم كل شيء مع عائلات آخرى. تعترف في حديثها لـ"النهار" "ما يقلقني هو كيف سأتمكن من تنظيف طفلي وضمان استحمامه بمياه نظيفة ودافئة في ظل الأوضاع التي نعيشها. أخاف أن يلتقط عدوى، لأن جميعنا نستخدم المرحاض نفسه".

لكن دلال كغيرها من النازحات الحوامل لا تملك ترف الخيارات العديدة، فهي وجدت نفسها مجبرة على العيش في مركز إيواء بعد أن فرضت عليها الحرب النزوح إلى مكان أكثر أمناً لسلامتها وسلامة حنينها. صحيح أنها لا تتذمر، ولم يبق أمامها سوى أيام معدودات لولادة جنينها، إلا أن هواجس كثيرة تلاحقها كظلها، خصوصاً تلك المتعلّقة بإصابتها هي أو مولودها بالعدوى، في بيئة متزاحمة ومختلطة إلى هذا الحدّ.

الولادة والعدوى والمشكلات المالية

إلى جانب كل هذه المخاوف، وجدت دلال نفسها أمام معضلة أخرى تتمثل بتأمين مستشفى لولادة جنينها. وتقول "لم تساعدني وزارة الصحة، لأنني مضمونة في السلك العسكري. وبعد استشارات عدة، وافق مستشفى المشرق على متابعة ولادتي بشرط دفع فارق الضمان الذي حدّد أخيراُ بملغ مئة دولار، في حين طلبت طبيبة أخرى مبلغ 600 دولار أميركي مقابل الإشراف على ولادتي".

ليس سهلاً أن تعيش كل هذه التغييرات دفعة واحدة، فكيف إذا كنت مسؤولاً عن روح صغيرة تنبض في داخلك؟

تحتاج دلال إلى وقت حتى تستطيع النهوض من الأرض حيث تجلس في إحدى غرف المدرسة الرسمية. وتعترف "لا النومة نومة، ولا القعدة قعدة. ويتوجب عليّ أن أنزل على سلالم كثيرة لجلب أيّ شيء. فجأة، صار كل شيء ثقيلاً ومرهقاً ومختلفاً، حتى الحمل صار له طعم آخر بسبب النزوح".

ابنة الـ18 عاماً حامل  وتسكن على الطريق

لم تفكر نور الأحمد مرتين بوضعها حينما خرجت من منطقتها في الليلكي على وجه السرعة، وهي في الثامنة عشرة من العمر وحامل في الشهر الثامن. يصعب عليها هذا الرحيل الذي وجدت نفسها تخوض غماره. تسكن نور على الطريق بالقرب من مبنى اللعازارية ولا في مركز إيواء. ووفق كلمات قالتها لـ"النهار" :"أشعر بالخوف والقلق. كيف سأدخل إلى المستشفى، وأضع ابنتي، وأنا لا أملك حتى قطعة ثياب لها. لم أشترِ لها بعد أي شيء لها. أفكر في كل شيء، في تكلفة الولادة، خصوصاً أنني لست مضمونة، وفي تدفئة ابنتي وفي إلباسها والاهتمام بها، وأنا لا أملك سقفاً لأحتمي به".

تفكر نور في كل التفاصيل فتجد نفسها عاجزة. وتكبر هواجسها مع نمو بطنها، الذي بات يُنذر بولادة قريبة. إنها لا تملك أي شيء يخفف من وطأة هذا الثقل. نازحة وحامل وتعيش "كل يوم بيومه".

للنزوح تداعيات صحية تثقِل على الحوامل

لا يقتصر التوجس من تبعات الولادة ومصير المواليد على دلال ونور ، إذ تفرض حالة النزوح على آلاف الحوامل تحديات ما كُنَّ ليواجهنها لولا تركهن منازلهن، ودخولهن في معركة مفتوحة مع كل شيء من أبسط مقومات الحياة إلى الاهتمام بصحة المولود الحديث.

 يؤكد الدكتور فيصل القاق، الطبيب في دائرة الأمراض النسائية والتوليد في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو مجموعة خبراء السياسات الخارجية في "منظمة الصحة العالمية"، أن " العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان يفاقم أزمة النزوح بشكل هائل. وقد وصل العدد إلى مليون و400 ألف نازح تقريباً اضطرّوا إلى إخلاء منازلهم في مختلف المناطق اللبنانية التي تشهد قصفاً ممنهجاً عليها".

وضمن النازحين، يشير القاق إلى "وجود شريحة كبيرة تتمثل بالنساء والحوامل. ووفق تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، هناك 11 ألف و600 حامل يتوزعن على مراكز الإيواء التي تعدّى عددها الـ1000، أو في منازل مستأجرة، أو عند الأقارب، أو  في سوريا حي غادر كثيرون".

في الظروف العادية، نعرف أن الحمل يحتاج إلى عناية ومتابعة خاصة، فكيف الحال اليوم في ظل الحرب والنزوح والقصف؟

وفق القاق"، النازحات الحوامل معرّضات لمخاطر صحيّة بحسب تداعيات الحمل عليهن. وتتمثل أبرز تلك المخاطر المقلقة بالنزيف، والإجهاض، خصوصاً إذا حدث نزيف لدى مَن هُنَّ في الفصل الثاني والثالث من الحمل. يُضاف إلى ذلك معاناة توتر وقلق شديدين قد يفاقمان لدى النساء مخاطر ارتفاع الضغط والسكري وغير ذلك. ويُضاف إلى ذلك مخاطر الولادة المبكرة، ونقص التغذية، ومشكلات نقص الأدوية الضرورية، مما يُهدّد بوضع مواليد أقلّ وزناً من الطبيعي، مع اضطراب في النمو العصبي والنفسي لحديثي الولادة أيضاً.

مراكز الإيواء ومشكلات الصحة العامة

استكمالاً، يصعب إغفال ظروف العيش في داخل مراكز الإيواء، وفق  ما يشدّد عليه القاق.  وبحسب كلماته، "تشمل تحديات النزوح انعدام أو صعوبة الوصول إلى مياه نظيفة للاغتسال منعاً لحدوث التهابات، أضف إليها الحاجة إلى الحصول على تغذية متوازنة خلال فترة الحمل للحفاظ وتعزيز صحة المرأة والجنين على حدّ سواء".

وبالرغم من الظروف الصعبة والتحدّيات المختلفة، يؤكّد القاق أن النازحات الحوامل يُتَابَعن من الفرق الصحية التي تزور  تلك المراكز أو من خلال الذهاب إلى المراكز الصحية المخصصة لمتابعة أحوال النازحين والنازحات. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو القدرة على الوصول إلى هذه المراكز الصحية للاستفادة من الخدمات الطبية المتاحة".

انطلاقاً من ذلك، من المهم تصنيف الحوامل بحسب حالات حملهن (خطورة عادية أو متوسطة أو شديدة) كي تتمكن الفرق الصحية أو حتى النازحات الحاملات من متابعة أوضاعهن. كذلك، فقد يُصار إلى توزيعهن على مستشفيات الولادة، بحسب الحالة المتوقعة لكلّ منهن ( قيصرية- مبكرة- توائم وغيرها).

كذلك، يشير القاق إلى أن "الضغوط النفسية تؤثر على التطور العصبي للجنين وصحته النفسية، وهذا ما كشفته الدراسات التي أجريت على الحوامل تحت وطأة النزوح أو النزاعات والحرب".

أجنة صغار وولادة مبكرة

عن أبرز الخدمات الصحية، التي يمكن تقديمها للحامل النازحة، يشدد القاق على وجوب أن تشمل "الزيارات الدورية التي تخضع فيها الحامل للفحوصات الأساسية  (فحص حجم الرحم- نبض الجنين)، بالإضافة إلى التأكد من عدم وجود التهابات، أو مشكلات في الجهاز الهضمي، أو مشكلات في البول، أو عدم الارتفاع في ضغط الدم أو سكري الحمل".

ويضيف، "يجب التأكد من تناول الأدوية المطلوبة للحوامل والعمل على تأمينها مثل الحديد والفيتامين وأسيد فوليك وغيرها، إضافة إلى الأدوية التي توصف في حال حدوث  تعقيدات صحية أو حالات مرضية أثناء الحمل. وتندرج تلك الأمور ضمن المهمات الأساسية لمن يتابعون أحوال النازحات الحوامل".

ويشير القاق إلى وجود "تحدٍّ آخر يتمثل بمرحلة ما بعد الولادة، خصوصاً في اليومين الأولين اللذين يليانها. ومن المهم التأكّد من عدم حدوث نزيف أو "حمى النفاس"، أو التهابات رئوية أو بولية أو أي مشكلات في الجهاز الهضمي في فترة ما بعد الولادة، أو أي مضاعفات أخرى قد تحدث نتيجة الولادة الطبيعية أو القيصرية".

ويدعو القاق إلى استمرار وزيادة التعاون بين المعنيين للاهتمام والحفاظ على أولوية موضوع الحمل والولادة وما بعدها.