المصدر: نداء الوطن
الكاتب: باتريسيا جلاد
الاثنين 1 كانون الاول 2025 06:44:58
وكأن الزمن توقف مع الزيارة التاريخية لقداسة البابا لاوون 14 إلى لبنان. انتقلت البلاد إلى مشهد من خارج السياق، نافضة عنها غبار الحرب والسلاح غير الشرعي، ودخلت في حلم جميل يمتدّ ثلاثة أيام تحت عنوان: "طوبى لفاعلي السلام، السلام معكم". فتحوّل لبنان إلى فضاء السلم والتوبة ومقصدًا لرجال الدين والإعلاميين والسيّاح الذين يتقاطرون من كل دول العالم. ورغم قوة البعد السلمي والديني والمعنوي للزيارة، إلّا أنها تحمل أيضًا دلالات اقتصادية واضحة على المؤسسات السياحية، وأخرى غير مباشرة تحسّن نظرة المجتمع الدولي إلى لبنان.
تحلّ زيارة البابا التاريخية إلى لبنان في لحظة يقف فيها البلد على مفترق حاسم: إمّا نزع السلاح وعودة الاهتمام الدولي لدعمه، وإمّا خطر الانزلاق نحو الحرب. غير أن تأكيد موعد الزيارة سرعان ما وحّد الجهود لإظهار لبنان في أبهى حلّة. تكاتفت المبادرات الفردية للمساهمة في التكاليف اللوجستية والتنظيمية، من نقل وتجهيز موقع القدّاس والمحطات التي سيزورها البابا والمقدّرة بنحو 5 أو 6 ملايين دولار.
كما شهدت الفنادق ارتفاعًا في الحجوزات، خلال فترة تُعدّ عادةً راكدة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة، وهو أمر غير متوقع. أما وزارة الأشغال فوضعت "ثقلها" في عملية تزفيت الطرقات التي سيعبرها الموكب البابوي لنقل صورة حضارية مشرقة عن لبنان إلى العالم أجمع.
في المكان الذي سيقام فيه القداس البابوي تسارعت عجلة إنجاز ترتيبات "آخر تكّة" التي تقوم بها شركة ICE المولجة من القصر الجمهوري مهمة تنظيم قدّاس البابا ويرأسها شادي فيّاض الذي قال لـ "نداء الوطن" إن "الواجهة البحرية لبيروت" ستكون بقعة أمنية ومنظمة بامتياز لن نشهد فيها أية عمليات بيع لقمصان أو تذكارات أو توزيعًا لقمصان أو قبعات أو أعلام حتى مجانًا، سيتمّ توفير مياه وستتواجد مراكز للاستعلام . لكن ما سنشهده من ارتداء البعض قمصانًا للمناسبة أو قبعات أو أعلام ستكون موزعة قبل الوصول إلى ساحة الحدث من بعض الكنائس على رعاياها.
إنشاء المذبح وتجهيز المكان بالمقاعد وشاشات التلفزة الكبيرة وتجهيزات الصوت وديكور المذبح من الجفصين الذي شيّد خصّيصًا للمناسبة، تحمّل 80 % من كلفتها مؤسسات قدمت تبرعات في المناسبة، والـ 20% المتبقية قدّمت بأسعار رمزية أو مخفضة جدًا.
أين تقطن الوفود الدينية والإعلامية؟
طبعاً سيرافق البابا وفود دينية وإعلامية كبيرة لمواكبة الحدث، أكان من الفاتيكان أو من سائر أقطار العالم، هؤلاء سيحرّكون عجلة الفنادق في الساحل وفي المناطق التي سيمرّ فيها البابا.
وفي هذا السياق علمت "نداء الوطن" من مصادر رئاسة الجمهورية أن الوفد الإعلامي الذي يرافق البابا من تركيا إلى لبنان سينزل في "فينيسيا" ويبلغ عدده نحو 83 شخصًا عدا الإداريين الذين سينزلون في "فينيسا" ليستحصل الأخير على الحصّة الكبرى في الإشغال مقارنة مع سائر الفنادق الفخمة في المنطقة. فندق "لو غراي" الذي أعاد فتح أبوابه منذ شهر بعد انتهاء عملية إعادة تأهيله جراء انفجار مرفأ بيروت، له حصّة ايضًا في الحجوزات. أما سائر الفنادق مثل "كمبسكي" و"روتانا" والـ "موفنبيك" فالإشغال فيها ضمن النسب المعتادة، ولم يشهد ارتفاعًا لافتًا ويتراوح بين 20 و30 %.
الكرادلة المرافقون
بالنسبة إلى الكرادلة المرافقين للبابا، يصل عددهم إلى 110 أشخاص، حجزت غرف لهم في "فينيسيا" على نفقة الفاتيكان. في حين سيقيم المطارنة وبعض الكرادلة المعروفين بـ"اللاصقين" بالبابا، إضافة إلى أمين سرّ الدولة ووزير الخارجية، في بيت عنيا – حريصا، فيما ستكون إقامة الحبر الأعظم في السفارة البابوية.
أما الصحافيون القادمون من الخارج لتغطية الحدث، فيتجاوز عددهم 300 صحافي يمثلون وكالات أجنبية من مختلف أقطار العالم. وبحسب المعلومات، بلغ العدد الإجمالي للصحافيين والإعلاميين المسجّلين للمشاركة في التغطية، سواء المقيمين في لبنان أو الوافدين من الخارج، عربًا وأجانب، نحو 1235 شخصًا، وذلك من دون احتساب الوفد الإعلامي المرافق للبابا.
السياحة الدينية تنشط
إلى ذلك، سيشهد أيضًا لبنان خلال فترة الأيام الثلاثة التاريخية، حركة لافتة في السياحة الدينية إذ يتوافد سيّاح من الدول المجاورة للبنان بشكل ملفت من سوريا وحتى من العراق والأردن. وتمّ إجراء تسهيلات ليتمكنوا من الدخول إلى الأراضي اللبنانية عبر الحدود من دون تأخير في المعاملات. من هؤلاء من نزل في الفنادق أو لدى أقاربهم وآخرون في الأديرة، وقد قدموا خصّيصًا للمشاركة في القدّاس الاحتفالي في بيروت.
المطاعم
عدد الوفود القادمة بالمئات ستساهم أيضًا في تنشيط الحركة في القطاع المطعمي، لأن السيّاح الوافدين إلى لبنان من الدول المجاورة للمشاركة في قدّاس الحبر الأعظم والإعلاميين طبعًا سيرتادون المطاعم ليتذوّقوا المطبخ اللبناني ولو أن فترة إقامتهم ستكون قصيرة ما سيزيد من عدد المرتادين إلى المطاعم في بيروت وفي المناطق التي سيتواجد فيها البابا.
إلا ان رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي لم يدلِ بأية توقعات لدى سؤال "نداء الوطن" عن الحركة التي قد تشهدها المطاعم، معتبرًا أن "التفكير يتمحور حول أهمية زيارة البابا التي تحمل لحظة رجاء وسلام وصلاة . آملاً أن تترجم بواقع سياسي وأمني جديد يرتدّ ايجابًا على الاقتصاد لأن عنوان الاقتصاد هو الاستقرار الأمني والسياسي".
لا يختلف اثنان على أن زيارة البابا، وهو الرابع الذي يقصد لبنان عبر التاريخ، في هذا التوقيت الحرج أمنيًا واقتصاديًا، تعتبر جرعة ثقة خارجية بلبنان ومعالمه الدينية، إذ سيتوجّه إلى دير مار شربل - عنايا حيث سيجثو للتأمل والصلاة بحلول السلام في العالم عمومًا ولبنان خصوصًا، ما سيجعله مركزًا سياحيًا دينيًا يشكّل مقصدًا مهمًا للسيّاح ما يعزز السياحة الدينية في لبنان. كما سيقصد قداسته مرفأ بيروت للوقوف على ثالث أكبر انفجار في العالم في 4 آب الدامي، الذي أودى بحياة 218 شخصًا وجرح نحو 7000 آخرين. عدا طبعًا توجّهه إلى مراكز أخرى مثل دير الصليب وبكركي.
تبقى الآمال معلّقة على أن تتحوّل رسائل البابا إلى فرصة حقيقية لسلامٍ دائم في لبنان، وأن تتلقف الدول الأوروبية والخليجية هذه الرسائل بجدّية. وأن تشكّل الزيارة حافزًا لإحياء المفاوضات الدولية حول دعم لبنان وإعادة إدماجه في خطط المساعدات التنموية، بما ينهض بالمرافئ وقطاع التعليم، ويضع مسارًا واضحًا لاستعادة أموال المودعين والحدّ من الفقر، تمهيدًا لإطلاق ورشة إعادة إعمار بدل أن تستمر آلة الهدم الناتجة عن السلاح غير الشرعي.