وهْج أحداث الساحل السوري… يُقْلِق لبنان

طغى وَهْجُ أحداث الساحل السوري على المشهد اللبناني الذي استعاد معادلةً مُقْلِقَةً عنوانها «اذا أردتَ أن تعرف ماذا سيحصل في بلاد الأرز عليك أن تعرف ماذا سيَجْري في بلاد الشام»، خصوصاً في ضوء ارتكاز التطورات الخطيرة المتدحرجة في سوريا على خلفياتٍ متعددة البُعد ترتبط في بعض جوانبها بالمتغيّرات الجيو – سياسية في المنطقة التي شكّلتْ «حرب لبنان الثالثة» ونتائجها (مع حرب غزة) قوةَ دفْعٍ رئيسيةً لها وبمحاولاتِ القوى الإقليمية المتضرّرة «عَكْسَ» اتجاهاتِ الريح ولو استجرّ الأمر دماءً داخل الخرائط وفوق فسيفسائها المتنوعة طائفياً ومذهبياً.

وفي موازاة أفواج النازحين الجدد التي استمرّت بالتدفق من مناطق الساحل السوري في اتجاه بلداتٍ علوية في عكار (شمال لبنان) وجبل محسن (طرابلس)، تَعاظمتْ المخاوف من تَشظياتٍ يَصعب حصْرها للحدَث السوري على الواقع اللبناني في ضوء «الأوعية المتصلة» مع الدولة الجارة وتطوّراتها المتسارعة والخشيةِ من أن «يتفشّى» ما بدا فتْحاً مُمَنْهَجاً لـ «صندوقة باندورا» الفوضى في سوريا – عبر «إيقاظ» فلول نظام الرئيس بشار الأسد وانخراطِهم في ما يشبه استراتيجية«وبعدي الطوفان»المرشّحة لاستدراج المزيد من الدماء – وأن يصيبَ الوطنَ الصغيرَ بطريقة أو أخرى.

ولم يكن عابراً ما نقلتْه «العربية / الحدَث» عن المسؤول الأمني في اللاذقية ساجد الديك من أن «حزب الله قدّم الدعمَ لبعض الجهات في مناطق الساحل»، معلناً «الحزب ودول خارجية تقدّم الدعم لبعض الجهات وفلول الأسد في الساحل السوري»، وهو ما اعتُبر مؤشراً إلى المَخاطر العالية التي تحدق بلبنان وتضعه أمام تحديات أمنية بالغة الدقة ويزيد من حساسيّتها أنها يمكن، بقرارٍ ما أو بتفاعُلٍ تلقائي، أن تعيد إحياء«خطوط تماسٍ»كانت نائمة منذ عقد وأكثر وتتعدّد«فتائلها»السياسية والمذهبية.

توتر في طرابلس

وفي وقت نفى «حزب الله» أيّ علاقة له بالأحداث في سوريا أو أن يكون«طرفاً في ‏الصراع القائم هناك»‏، يرتسم سِباقٌ ضمني بين التحرّي عن «أصابع» إقليمية في زجّ سوريا الجديدة في فم الفوضى لـ «الاستثمار» فيها إما بإطار صراع النفوذ وممانعةِ إيران سقوط «المحور بالضربة القاضية» وإما لتفتيتٍ منظّم تعتقد إسرائيل أنه يخدم أمنها البعيد المدى، وبين طلائع الأضواء العائدة إلى عاصمة الشمال اللبناني طرابلس التي تقيم أساساً على استقرار أمني هشّ والتي يُخشى أن يعاود «اللعب بنارِ» الانقسامِ المزمن فيها وخصوصاً على خط جبل محسن (ذات الغالبية العلوية) وبات التبانة (اللتين يقصل بينهما شارع سوريا) والذي كانت آخِر جولات ساخنة شهدها (بدأت في 2008) خمدت قبل نحو عقد.

وقد شهدت منطقة القبة في مدينة طرابلس توتراً ليل السبت – الأحد، استدعى تدخلاً للجيش اللبناني وإغلاق كل الطرق المؤدية الى جبل محسن، تحسباً لمنع أي إشكال قد يحصل على خلفية الأحداث السورية الأخيرة.

وبحسب «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية فقد خيّم الهدوء أمس على طرابلس وسط انتشار كثيف لعناصر الجيش بعد التوتر الذي شهدته ليلاً مناطق القبة جبل محسن وباب التبانة، إثر قيام شاب من الجبل بطعن قاصر بالسكين.

وعلى الأثر، سرت إشاعات بأن القاصر سوري الجنسية، ليتبين لاحقاً أنه من النور، وسُمع إطلاق رصاص في منطقتي القبة والجبل ما دفع وحدات الجيش إلى الانتشار بكثافة في مناطق التوتر لا سيما في إحياء البقار والجبل وشارع سوريا الفاصل بين باب التبانة والجبل وأعاد الهدوء إليها.

وصدر عن المجلس الإسلامي العلوي بيان أكد أن «السلم الأهلي والاستقرار الأمني خط أحمر، وتجاوبا مع طلب الأجهزة الأمنية تسليم الشاب أحمد البيطار، بادرنا بالتواصل مع الشاب الذي قابل هذا المطلب بايجابية، ولنا كامل الثقة بالأجهزة الأمنية أنها ستقوم بواجبها وبكل شفافية للكشف عن ملابسات الحادث وكشف الحقيقة وطرابلس كانت وما زالت نموذجاً للانصهار الوطني وسداً منيعاً في وجه الفتنة حمى الله لبنان، حمى الله الجيش وعاشت طرابلس آمنة مستقرة».

في موازاة ذلك، أكد نائب طرابلس كريم كبارة في بيان أن «الحفاظ على الأمن والاستقرار في مدينة طرابلس هو مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع»، وطالب المؤسسات الأمنية والعسكرية بـ «التعامل بحزم مع أي تهديد يمس أمن طرابلس واستقرارها».

إحباط عملية تهريب

وفي إطار غير بعيد، كان لافتاً ما أعلنه مصدر رسمي لبناني عن إحباط عملية تهريب مبلغ 4 ملايين دولار من سوريا إلى لبنان عبر الحدود البرية الشمالية مع «بلاد الشام».

ونقلت مصادر صحافية عن المصدر أن سيارة كانت تحاول الدخول من سوريا إلى لبنان من خلال معبر غير شرعي معدّ للتهريب عند حدود لبنان الشمالية، فتفاجأت بحاجز للجيش اللبناني الذي سارع إلى الاطباق عليها، حيث ترك ركاب السيارة آليتهم وفرّوا هاربين، وبتفتيشها عُثر بالقرب منها على مبلغ 4 ملايين دولار كان موضباً داخل عدد من الأكياس.

وبحسب المصدر فإن «رجل أعمال لبنانياً مقرّباً من سياسي شمالي بارز كان حليفاً لنظام بشار الأسد، تدخّل مدعياً ملكيته للأموال وأنها جزء من ثروته التي جناها من استثماراته في سوريا، طالباً تسليمه المبلغ المالي، كما دخل على الخط وزير سابق محسوب على السياسي الشمالي محاولاً الإفراج عن الأموال، لكنّ محاولاتهما باءت بالفشل، إذ جرى حجز المبلغ والتحفّظ عليه بقرار من النيابة العامة التمييزية».