المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الأحد 13 تشرين الثاني 2022 19:00:36
في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعد انتشار تعاطي وتجارة المخدّرات، وحالات السرقة والنشل، وتوزّع الصرّافين المسلّحين، عادت عملية بيع اللحوم الفاسدة إلى الواجهة، وتمثّلت بعملية إقفال ملحمة ومطعم في منطقة حارة حريك، يوم الثلاثاء 8 تشرين الثاني. لكن المفاجأة كانت في إعادة فتح الملحمة وإعلان البلدية عدم قدرتها على إقفال المؤسسات بشكل نهائي.
لحوم فاسدة
وفي التفاصيل أقفل المراقبون الصحيون في بلدية حارة حريك بالتعاون مع مراقبي اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، ملحمة ومطعماً لبيع المشاوي. وذلك بعد ضبطهم كمية من اللحوم الفاسدة فيهما. فسوء تخزين اللحوم المثلجة أدى إلى تغيّر لونها وخروج الروائح الكريهة منها، وقد تم تلف 15 كيلوغراماً منها، وتسطير محضر ضبط بحق صاحب الملحمة لعدم استيفائه لأدنى الشروط الصحيّة المطلوبة، وأقفلت الملحمة إقفالاً جزئياً، وفق ما قاله لـ"المدن" مدير المفرزة الصحيّة في حارة حريك، عباس الزين.
وخلال جولة بلدية حارة حريك يوم الأربعاء 9 تشرين الثاني، تبيّن أن صاحب الملحمة يمارس عمله المعتاد في بيع اللحوم ولم يلتزم بقرار البلدية. وتمّت مصادرة وتلف كمية جديدة (23 كيلوغراماً) من اللحم الفاسد ظهرت عليه ألوان غير طبيعية وروائح كريهة وأجبر على التوقف عن العمل تحت طائلة المسؤوليّة.
تنصل الوزارات؟
رمت بلدية حارة حريك مسؤولية التقصير على الوزارات المعنيّة في الملف، ولكنها أكدت أيضاً تمتّع البلدية بصلاحية تحديد الإجراءات اللازمة وتنفيذها: "..لا تعاون بين بلدية حارة حريك والوزارات المختصّة في الآونة الأخيرة، بسبب عدم تجاوبها مع البلدية، خصوصاً بعد وصول لجنة تابعة للوزارة لمتابعة أحد الملفات بعد مرور 6 أشهر على تسليمهم محضر الضبط من البلدية"! حسب ما قاله الزين لـ"المدن".
فيما تكمن المشكلة الأساسية في عدم قدرة البلدية على إقفال أي منشأة بشكل دائم، ففي المرحلة الأولى تُقفل لمدة 24 ساعة فقط، بهدف تسوية أوضاعها ليُعاد الكشف عليها مجدداً في اليوم التالي، ومن ثم اتخاذ الاجراءات اللازمة. وقرار الإقفال النهائي يصدر عن القضاء المختّص، بعد إرسال محاضر الضبط. وهذه المسألة تتطلب وقتاً طويلاً في ظل اعتكاف القضاة والشلل القضائي.
نتيجة الإحصاء..
ويُظهر الإحصاء السنوي لعام 2022 الذي حصلت عليه "المدن" من بلدية حارة حريك، تسطير 6 محاضر ضبط لمنشآت مختلفة في المنطقة، وتسجّيل 11 محضراً لتلف كميات من اللحوم والدجاج الفاسد في عدة مطاعم، و194 إنذاراً خطيّاً لمجموعة من المطاعم لعدم استيفائها شروط السلامة الغذائية. فيما سجّل 900 إنذار خطيّ عام 2021. هذه الأرقام تشمل منطقة واحدة فقط في الضاحية الجنوبية.
المعنيون يوضحون..
عن تقصير وزارة الاقتصاد، تعتبر الوزارة أن البلديات هي واحدة من أقوى السلطات المختصة والمشاركة في الرقابة على السلسلة الغذائية، تبعاً للقانون وللصلاحيات الواسعة التي تخولها تسطير المحاضر أو إقفال المطاعم ومتابعة ملفاتها مع القضاء المختص من دون الحاجة إلى وزارة الاقتصاد. ويقول مصدر في الوزارة أنها جاهزة دائماً للتعاون مع بلدية حارة حريك، والتحرك فور إعلامها بأي مسألة تتعلق بصحة وسلامة المواطنين. وأكد مصدر رفيع من وزارة الاقتصاد لـ"المدن" "عدم حصول أي تواصل بين بلدية حارة حريك والوزارة في الفترة الأخيرة، وعدم تلقي الوزارة أي محضر أو شكوى أو كتاب رسمي حول هذا الملف تحديداً".
من جهتها نفت مديرة الوقاية الصحيّة في وزارة الصحة، جويس حداد، عدم تجاوب وزارة الصحة مع بلدية حارة حريك في هذه المسائل، وأكدت أنهم على تواصل دائم. إنما قدرات وزارة الصحة محدودة حالياً بسبب متابعتها لملفات جديدة كالكوليرا وغيرها. مشدّدة على تعاون البلدية مع فرق صحية متخصصة تحت إشراف وزارة الصحة. وتابعت "إن الوزارة تتلقى أسبوعياً كل تقارير البلديات والتبليغات والشكاوى الصادرة عنها، ولكن لا معلومات لدينا حول هذا الملف نهائياً. إذ لم يتم التواصل معنا بعد".
وأيضاً، اعتبر زهير برو، رئيس جمعية حماية المستهلك، أن انهيار مؤسسات الدولة ساهم في تفشي الفساد وانعدام الرقابة وازدياد جشع التجار. لا سيما أن جمعية حماية المستهلك لا تمتلك صلاحيات قانونية تخولها متابعة هذه الملفات، ومهامها الأساسية تنحصر في الدفاع عن المستهلك ونشر التوعية ومساعدة البلديات في بعض التدريبات إلى جانب حق التقاضي في الملفات المتعلقة بسلامة المستهلك.
أحدث هذا الملف جدلاً واسعاً بين بلدية حارة حريك والوزارات المعنيّة، وانتهى بتصويب أصابع الاتهامات على بعضهم البعض تنصلاً من المسؤولية. ودافعت كل جهة رسمية عن نفسها بشراسة مدعية المثالية. في حين لم نلحظ طرح أي حلول أو إجراءات سريعة لمتابعة هذا الملف وحماية اللبنانيين عموماً وأهالي الضاحية الجنوبية خصوصاً من انتشار اللحوم الفاسدة وبيعها من دون حسيب أو رقيب.
وأمام النزاع الحاصل حول هذا الملف، لن نعدّد مخاطر تناول اللحم الفاسد، ولن نذكّر بالأوبئة المميتة الناتجة عن تلوث الغذاء، غير أن تصدر لبنان المراتب الأولى في عدد الإصابات بالسرطان كفيل بتوصيف المشهد المقبل.