يلهون الناس بالطوابير حتى لا يعود بإمكانهم الإهتمام بأي شيء آخر!

إذا أُصيب اللبناني بارتفاع بسيط في الحرارة، واحتاج الى حبتَي "بانادول" كلّ ثماني ساعات، لا يجدها.

إذا تلقى اللبناني جرعة من لقاح "أسترازينيكا"، وكانت نسبة التجلُّط في دمه مرتفعة، واحتاج الى الحصول على "أسبرين" أو "أسبيكوت" لتسييله (دمه)، خلال المدّة الفاصلة ما بين الجرعة الأولى والثانية، وفي فترة ما بعد الثانية، قد لا يتمكّن من الحصول عليها. 

كارثة

وبمعزل عن الحداد الوطني السنوي، في يوم 4 آب، وهو ذكرى انفجار مرفأ بيروت، نسأل عمّا لو حصلت كارثة مماثلة مستقبلاً، في ظلّ وضع إستشفائي وطبي كالذي يمرّ به لبنان حالياً، يعجز عن مواكبتها؟

يحصل إطلاق نار بين يوم وآخر، على محطات البنزين، بسبب الإذلال والغضب، وعَدَم القدرة على الحصول عليه (البنزين) دائماً. فماذا لو تسبّب إطلاق النار في إحدى المرات، بكارثة انفجار المحطة، واحتراق عدد هائل من السيارات، بمن فيها، وسط عجز طبي واستشفائي وأمني، عن مواكبة مفاعيل هذا النّوع من الأحداث؟ 

"حبس أنفاس"

دولة "حبس الأنفاس"، و"القلوب المقطوعة". دولة "الناس عم تاكُل بعضا"، و"رح تاكُل بعضا أكثر". دولة يجب أن يتغيّر كلّ ما فيها، من نقابات، وشركات، وهيئات، وجمعيات، وسلطات، وأحزاب، فيما لا بديل صالحاً يستلم زمام أمورها.

فبمعزل عن بيان مرتفع السّقف من هنا، وعن آخر من هناك، نحن بلد يموت، وينتظر الموت. بلد انعدام الرّجاء.

حُكم الفراغ

رأى الوزير السابق رشيد درباس أن "الأوضاع الحاليّة تذكُّرنا برواية "دون كيشوت"، للكاتب والشاعر الإسباني ميغيل دو ثيرفانتس، إذ لدينا في البلد من يحاربون طواحين الهواء، ويريدون أن يحكموا الهواء نفسه".

ولفت في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "هذا الذي يعطّل الحُكم، ويفرّق كل شيء، ليُصبح رئيس جمهورية الفراغ، يتبع نهجاً عَدَمياً، يوصله الى حُكم الفراغ. فهذا هو المهمّ بالنّسبة إليه". 

ما هو؟

وشدّد درباس على أن "السلطة خطة وبرنامج وتقدّم وخدمة للناس. وإذا كان الحاكم لا يمتلك إلا الإمساك بالسلطة، فهي تُصبح تسلُّطاً في تلك الحالة".

وأشار الى أن "القنوات الضروريّة للحُكم انعدمت، وصارت الأوامر تصدر من الجهة العليا، للجهات الدنيا، دون المرور بالقنوات والمؤسّسات، وهذا واقع خطير. فالقضاء يتراجع عن قراراته، ومجلس القضاء الأعلى يُفرَّغ من مضمونه، والتدابير المالية والمصرفية تصدر من هنا وهناك، بمجرّد استدعاء الى القصر الجمهوري. وكل التدابير التي تُتَّخَّذ تُشبه من "يعلك الهوا"، ويلحَس المبرد".

وأضاف:"كيف يطيب الوضع لهذا الذي ينام، وسياراته ممتلئة من البنزين، فيما الشعب في طوابير الإذلال أمام المحطات، وهؤلاء الناس كلّهم "في رقبته"؟ ما هو هذا الحُكم، وسط هذا الكمّ من التردّي؟". 

غير وارد

وردّاً على سؤال حول تأثير تطوُّر حضور "الأخوان المسلمين" في المنطقة مؤخّراً، مع تصاعُد الدور القطري في أكثر من ملف إقليمي، لا سيّما بعد حرب غزّة الأخيرة، وإمكانيّة انعكاس ذلك على ارتفاع حظوظ ترشيح إسم لرئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة، يكون قريباً من الفلك "الأخواني" القطري - التركي، أجاب درباس:"هذا الأمر غير وارد أبداً. ففريق "الأخوان المسلمين" مُلاحَق في أكثر من دولة عربية، وهو في أي حال، لم يقدّم مشروعاً ناجحاً للحُكم لا في مصر، ولا في تونس، ولا في أي مكان آخر. وحتى إن دخول التيار "الأخواني" الى الإئتلاف الحكومي في إسرائيل، يشكّل حالة داخلية هناك، لا يُمكن أن يُقاس عليها في ما هو أبعَد".

وتابع:"الداخل اللبناني لا يزال محكوماً بالسياسة القديمة عينها، وهي إلهاء الناس بالطوابير أمام محطات البنزين، والصيدليات، وغيرها، حتى لا يعود بإمكان الشّعب اللبناني الإهتمام بأي شيء آخر، بما في ذلك الإحتجاج على تردّي الأحوال المعيشيّة". 

إسرائيل وإيران

وعن نفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد روسيا مَنْح إيران نظام أقمار إصطناعية بقدرات متقدّمة، يسمح لها بمراقبة منشآت النفط في الخليج، وليس فقط إسرائيل والثكنات العراقية التي تستضيف قوات أميركية، قال درباس:"حاز هذا الأمر على اهتمام الأوساط السياسية الدوليّة أمس، بمعزل عن النّفي الروسي. ولكن مهما كانت عليه الأحوال، فإنّه لا بدّ من توقُّع حصول تطوّر معيّن بين إسرائيل وإيران".

وختم:"الكَشْف عن معلومات وتفاصيل حول سرقة إسرائيل أرشيف إيران النووي، وكلّ السلوكيات الأخيرة، تدلّ على أن لا إمكانيّة لأي تسوية بين طهران وتل أبيب، رغم المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في فيينا. وهما تربطان كلّ ما في المنطقة، بما يُمكنه أن يحصل بينهما".